يأتي قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، على رأس القطاعات التي تركز عليها مصر لتعزيز مكانتها بالقارة الأفريقية، من خلال تعزيز التعاون مع دول القارة السمراء ودعم العديد من المبادرات في مختلف المجالات ومنها دمج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في عملية التنمية، المشاركة بفاعلية في الجهود المبذولة في المجالات المتعلقة بالأمن السيبراني، تطوير قطاع البريد، التشريعات الخاصة بتنظيم سوق الاتصالات، التعلم الإلكتروني وإدارة المخلفات الإلكترونية.
وترتبط مصر بأفريقيا ارتباطا وثيقا حضاريا وتاريخيا وجغرافيا، وهو ما ساعدها على تبوء مكانة ريادية في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على المستوى الأفريقي، حيث تتمتع مصر بمستوى متقدم من ناحية البنية التحتية والسياسات والكوادر البشرية، مما يجعلها من الدول الرائدة في هذا القطاع على مستوى القارة، وكان لا بد من تفعيل هذا الدور الإقليمي على مستوى القارة من خلال تنشيط التعاون المصري مع الدول الأفريقية والمنظمات الإقليمية ذات الصلة.
وتتمتع مصر بعضوية عدد من المنظمات الأفريقية الإقليمية التي تشمل الاتحاد الأفريقي، والكوميسا، والاتحاد الأفريقي للاتصالات، اتحاد البريد الأفريقي، فيما تحرص مصر على تعزيز دورها في تلك المنظمات من خلال المشاركة الفعالة في جميع مؤتمرات واجتماعات المنظمات الأفريقية المختلفة.
وفي مجال الإبداع التكنولوجي، تم اختيار مصر لإقامة أول معمل للأمم المتحدة في أفريقيا لرعاية الإبداع التكنولوجي ولقد تم الانتهاء من تجهيزه بأحدث الوسائل العلمية والتكنولوجية الحديثة لبناء حلول تكنولوجية وابتكارية للتحديات التي تواجهها دول القارة الأفريقية.
وتنفذ وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المبادرة الرئاسية “أفريقيا لإبداع الألعاب والتطبيقات الرقمية” التي أطلقها رئيس الجمهورية في نوفمبر 2018 لتنمية قدرات وتأهيل 10 آلاف شاب مصري وأفريقي على تطوير الألعاب والتطبيقات الرقمية باستخدام أحدث التقنيات، وتحفيز تأسيس 100 شركة ناشئة مصرية وأفريقية في هذا المجال، والوصول لأكبر عدد من المستفيدين والمتدربين من هذه المبادرة، بالتعاون مع مختلف الدول الأفريقية.
كما تشهد علاقات التعاون المصري الأفريقي، التعاون من خلال المركز الإقليمي للتدريب البريدي، وهو أحد مراكز التدريب المعتمدة من قبل الاتحاد البريدي العالمي والاتحاد البريدي الأفريقي، بهدف إعداد الكوادر البشرية من موظفي البريد، وتطبيق التحول الرقمي للشبكات البريدية، وتحسين الكفاءة التشغيلية وتطوير التجارة الإلكترونية، وتحقيق الشمول المالي عبر الشبكة البريدية.
وفي قطاع البريد، يأتي التعاون من خلال المركز اللوجيستي للبريد، الذي تأسس في مطار القاهرة الدولي على أحدث التقنيات المتاحة للبلدان الأفريقية لتقديم خدمات التجارة الإلكترونية لعملائها، دون فرض أي أعباء مالية عليهم، ويقوم البريد المصري ببناء واستضافة وصيانة المواقع لأي دولة مشاركة على منصتها؛ وفي هذا الصدد وقعت مصر على اتفاقيات مع نيجيريا وكوت ديفوار وليبيا والسودان وغينيا الاستوائية وغينيا كوناكري.
كما تسعى مصر حاليا للتعاون مع دول القارة الأفريقية لسد الفجوة الرقمية، وإتاحة النفاذ إلى المعلومات من خلال إتاحة البنى التحتية الرقمية، والربط بكابلات بحرية.
وعن التحول الرقمي، تهدف مصر من خلال مبادرة “التعاون الأفريقي”، إلى تقديم شراكة استراتيجية مع الدول الأفريقية الشقيقة لتعزيز التحول الرقمي الذي يتيح للمواطنين الاستفادة بالخدمات الإلكترونية المختلفة في أي وقت وفي أي مكان، بما يساهم في تيسير حياة المواطنين ومحاربة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتأتي هذه المبادرة في إطار الاهتمام الذي توليه مصر لبعدها القاري، وخاصة في ظل تولي مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي في 2019.
وتعرض المبادرة التجربة المصرية للتحول الرقمي والتي تم من خلالها ميكنة العديد من الخدمات الحكومية، وكذلك تقديم المحتوى الإخباري والمعلوماتي والإرشادي لذوي الإعاقة وخدمات التعداد الإلكتروني وميكنة خدمات الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة وتطوير وحدات الرصد البيئي وميكنة منظومة الحيازة الزراعية وإصدار الكارت الذكي للفلاح واستخراج تراخيص المباني وتراخيص التشغيل ونظام الشباك الواحد.
وساهم هذا التحول الرقمي ليس فقط في تقديم الخدمة للمواطنين، إنما ساعد كذلك في أن تتعرف الحكومة على احتياجات المواطنين بشكل أفضل بما يتيح لها تقديم الخدمات المناسبة لهم وكذلك التواصل مع المواطنين لمعرفة رأيهم في الخدمات المقدمة.
وتتويجا لاتفاقيات التعاون بين شركات الاتصالات المصرية والأفريقية، تم توقيع مذكرة تفاهم بين الشركة المصرية للاتصالات وشركة ليكويد تليكوم- مجموعة الاتصالات الرائدة في أفريقيا- وذلك على هامش منتدى أفريقيا 2018، الذي انعقد بمدينة شرم الشيخ، لوضع الإطار العام لسبل التعاون المستقبلية في ثلاثة مجالات تشمل إنشاء مراكز البيانات، والتمويل الاستثماري في مجال البنية التحتية، وتطوير تطبيقات الشمول المالي.
وتشمل مذكرة التفاهم مجالات تعاون عدة منها شراكة بين الشركة المصرية للاتصالات وشركة مراكز أفريقيا للبيانات، إحدى الشركات التابعة ليكويد تليكوم للتعاون في بناء وتشغيل مراكز بيانات جديدة في أنحاء جمهورية مصر العربية.
ومن المتوقع أن تضيف هذه الشراكة سعات كبيرة جديدة لمراكز البيانات لتلبية النمو المتزايد في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصري. وستساهم الشركة المصرية للاتصالات بتقديم خبراتها المحلية وخدمات الاتصالات والأراضي اللازمة لبناء مراكز البيانات بينما ستقوم الشركة المصرية للاتصالات وشركة ليكويد تليكوم بالتعاون لإعداد نموذج للشراكة يتناسب مع أهداف الطرفين في المجالين الآخرين.
وتعتزم شركة ليكويد تليكوم الاستثمار بمبلغ 400 مليون دولار في جميع المشروعات المقرر تنفيذها وفقا للتعاون المشترك كجزء من مبادرة الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر حيث شجع قانون الاستثمار الجديد الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع الاتصالات المصري.
وبموجب الاتفاقية ، من المقرر أن يتم انشاء مركز بيانات عالمي في القاهرة على أن يتم الإعلان عن باقي المواقع تباعا، وسيتصل مركز البيانات في مصر بمراكز البيانات الأخرى التابعة لشركة مراكز البيانات الأفريقية موفرا لعملائها التواصل مع أكبر شبكة مراكز اتصالات في أفريقيا، وسيساهم وجود المزيد من مراكز خدمات البيانات ومرافقها في مصر في دفع استراتيجية التحول الرقمي في مصر، كما سيساهم في جذب مقدمي الخدمات السحابية العالميين لاستضافة برامجهم السحابية العامة في مصر.
وقد أجرت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ديسمبر المنصرم مباحثات مع مسئولي شركة “أنديلا”، المتخصصة في بناء قدرات وتشغيل مطوري البرمجيات على مستوى القارة الأفريقية، بهدف تحديد خطوات تنفيذية لتأسيس مقر للشركة في مصر بالتعاون مع هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات “إيتيدا” بهدف تأهيل الكوادر المصرية من الشباب في مجال البرمجيات، وخدمات تكنولوجيا المعلومات، الأمر الذي يساعد في توفير فرص عمل لهم في مختلف الشركات العالمية، هذا بالإضافة إلى بحث إمكانية إنشاء معهد تدريب إقليمي للشركة بمدينة المعرفة بالعاصمة الجديدة لخدمة أبناء القارة الأفريقية وتعزيز وبناء قدراتهم في مجال تطوير البرمجيات.
وفي هذا الصدد، أكد الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، اهتمام مصر بشباب أفريقيا ودعمهم بكل الطرق التي تؤهلهم لارتياد الأسواق المحلية والعالمية، والعمل على صقل مهاراتهم المتميزة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مشددا على ضرورة تعزيز الجهود لسد الفجوة بين المطورين الواعدين في أفريقيا، وحاجة سوق العمل والطلب المتزايد من الشركات العالمية على تلك المواهب.
وتعد شركة “أنديلا” هي إحدى الشركات التي تعمل في مجال تأهيل ورعاية المهارات المتميزة في قارة أفريقيا في مجال البرمجيات لتلبية احتياجات شركات التقنية العالمية من الكوادر البشرية المؤهلة على أعلى مستوى، وذلك في مختلف دول العالم، وتم تأسيس الشركة عام 2014، ولديها عدد من الفروع والمكاتب التابعة لها في عدد من المدن الأفريقية مثل: نيروبي، ولاجوس، وكمبالا، وكيجالي، وغيرها في: نيويورك، وسان فرانسيسكو، وتكساس.
وتتمتع مصر بالعديد من المزايا التنافسية التي تجعلها بيئة جاذبة للاستثمارات سواء العالمية أو الإقليمية لا سيما الأفريقية نتيجة للجهود التي تبذلها الدولة لتهيئة البيئة التشريعية والمناخ الملائم لنمو الاستثمارات، مستعرضا أهم المقومات التي تتمتع بها مصر لإقامة صناعة قوية لمراكز البيانات الضخمة ومنها موقعها الجغرافي المتميز ومرور عدد كبير من الكابلات البحرية بأراضيها.
ومن المنتظر أن يشهد قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصري المزيد من التواجد في القارة الأفريقية، خاصة مع تولي مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي في 10 فبراير الحالي، فضلا عن التوجيهات الدائمة من القيادة السياسية بالعودة بقوة إلى أحضان القارة السمراء، وتبادل الخبرات المتراكمة في هذا المجال مع الأشقاء الأفارقة بما يعود بالنفع على الجميع في شراكة أفريقية حقيقية.
المصدر : أ ش أ