قالت صحيفة الخليج الاماراتية في افتتاحيتها إنه عندما نتحدث عن أكراد سوريا ، إنما نتحدث عن جزء لا ينفصل عن النسيج الاجتماعي والوطني السوري. ذلك أن سوريا وعلى مر التاريخ صهرت مختلف الذين يعيشون على أرضها بمختلف انتماءاتهم الدينية، والإثنية، واللغوية، في بوتقة الوطن، ولذلك نرى في تاريخها القديم والحديث شكلاً من أشكال التمازج والاندماج بين مختلف مكونات الشعب السوري. نرى مثلاً أن مسيحياً تولى رئاسة الجمهورية (سعيد اسحق – بعد إنقلاب الشيشكلي عام 1951)، وكردياً تولى رئاسة الدولة (اللواء فوزي سلو1951-1953)، كما تولى فارس الخوري (مسيحي) رئاسة الوزراء، وتولى المنصب إياه عدد من الأكراد السوريين.
والحقيقة كما تقول الصحيفة أنه لا وجود لتاريخ منفصل لأكراد سوريا عن تاريخ سوريا، والحقيقة أيضاً أن أكراد سوريا لم يظهروا البتة أي توجه انفصالي، أو رغبة في الخروج من كنف الجغرافيا السورية، كما هي حال أكراد تركيا والعراق، وإيران، مثلاً.
لذا، فإن الحالة الكردية الآن في شمال شرق سوريا، المتمثلة في تشكيل مجموعات عسكرية خاصة، مثل «قوات الحماية الكردية وقوات سوريا الديمقراطية»، فرضتها الظروف التي تمر بها سوريا منذ أكثر من ثماني سنوات، ومن منطلق السعي للحماية الذاتية من الجماعات الإرهابية التي وفدت إلى مناطقهم عبر الحدود التركية، ومن الخطر الذي تشكله أنقرة عليهم، وعلى مجمل الأكراد، بعد انحسار وجود السلطة السورية عن المنطقة.
ثم إن أكراد سوريا لم يرفعوا شعار الانفصال في حركتهم، إنما طالبوا بإدارة ذاتية، أو لامركزية موسعة في إطار الدولة السورية الواحدة، وهذا أمر يمكن تقريره في إطار الحل الشامل للأزمة السورية، ووفق ما يقره الدستور الذي يجري العمل على توفير الأرضية المناسبة لانعقاد اللجنة الدستورية المقترحة بشأنه.
لذا، تنعقد الآمال في ظل التحولات التي تجري على الساحة السورية، وبعد القرار الأمريكي بالانسحاب أن ينصب الجهد على عودة الأكراد إلى حضن الوطن الأم، كي ينفضوا يدهم من «الحليف الأمريكي»، ومن وعوده الزائفة، ويشاركوا في إعادة البناء وحماية سيادة واستقلال سوريا، ووحدة أراضيها، ومواطنيها، من محاولات «التتريك» التي تسعى أنقرة إلى فرضها في مناطق الشمال السوري.
لقد شارك الأكراد بقية إخوانهم السوريين في كل المعارك ضد الاستعمارين التركي والفرنسي ، وسجلوا صفحات مشرقة من البطولة، وفي صناعة استقلال سوريا، وكان من بينهم قادة في الثورة السورية الكبرى مثل إبراهيم هنانو، وقائد معركة ميسلون ضد القوات الفرنسية وزير الحربية الشهيد يوسف العظمة، والعشرات من قادة الرأي والعلماء ورجال الدين الذين لعبوا أدواراً بارزة في إثراء الفكر القومي، وتصويب النص الديني، مثل الشيخ سعيد رمضان البوطي الذي استشهد في عملية إرهابية داخل المسجد يوم 21 مارس 2013. –