بعد أن كانوا من بين أكبر الرابحين في الحرب السورية، سيصبح الأكراد أكبر الخاسرين من قرار الولايات المتحدة سحب قواتها التي ساعدتهم في المعركة ضد متشددي تنظيم داعش.
وبمساعدة الولايات المتحدة، انتزعت قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد السيطرة على مساحات كبيرة من شمال وشرق سوريا من أيدي داعش، لكنها تحذر من أن المتشددين لا يزالون يشكلون خطرا حتى رغم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هزيمتهم.
وتتفق فرنسا وألمانيا حليفتا واشنطن في حلف شمال الأطلسي مع هذا الرأي وتقولان إن التحول المفاجيء في مسار الولايات المتحدة تجاه سوريا، في إطار وفاء ترامب بتعهد انتخابي عام 2016، يهدد بتقويض المعركة ضد داعش.
ولن يعرض قرار ترامب الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية لخطر عودة داعش فحسب بل يزيد من احتمال أن يتعرض شمال سوريا الذي يهيمن عليه الأكراد لهجوم من تركيا وحلفائها من مقاتلي المعارضة السورية.
وكأن التاريخ يعيد نفسه للأكراد وهم أقلية بلا دولة موزعة على سوريا والعراق وإيران وتركيا أحبطت قوى أجنبية تاريخيا طموحاتها القومية. فالأكراد هم أكبر مجموعة عرقية ظلوا بلا دولة بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية قبل نحو قرن.
ويقول بعض المحللين إنه لكي تحمي الجماعات الكردية السورية نفسها من تركيا، فقد تضطر الآن لطرق أبواب دمشق وإبرام اتفاق مع الرئيس بشار الأسد وحلفائه الروس الذين قد يوفرون لها الحماية مقابل التخلي عن الحكم الذاتي.
وعلى النقيض من مقاتلي المعارضة السورية، فإن قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردية التي تقودها لم تقاتل قط للإطاحة بالأسد. بل إنها تعاونت معه في بعض الأحيان ضد خصوم مشتركين وفي وقت سابق هذا العام دخلت في محادثات سياسية في دمشق.
إلا أن هذه المحادثات لم تسفر عن شيء، فالأسد يعارض رؤية الأكراد لسوريا اتحادية تحافظ على حكمهم الذاتي الإقليمي.
ويتطلع الأسد وحلفاؤه، الذين يُنظر لهم على أنهم الرابحون على الأرجح من الانسحاب الأمريكي، إلى استعادة الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية والتي تمتد عبر ربع مساحة سوريا تقريبا والغنية بالأراضي الزراعية والنفط والمياه.
وفي المناطق الكردية بشمال سوريا، عمق تحرك ترامب المخاوف من هجوم تشنه تركيا، التي تعتبر السيطرة الكردية على الشمال خطرا على أمنها وتطالب بإنهاء دعم واشنطن لقوات سوريا الديمقراطية.
تطور الدعم الأمريكي لوحدات حماية الشعب الكردية، التي تمثل العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، من عام 2014 عندما كان تنظيم داعش في أوج قوته وكان الأكراد يقاتلون لمنع التنظيم من السيطرة على مدينة كوباني على الحدود مع تركيا.
وأثارت العلاقة غضب تركيا التي تعتبر وحدات حماية الشعب امتدادا لحزب العمال الكردستاني، الذي يشن تمردا منذ 34 عاما في جنوب شرق تركيا الذي يغلب الأكراد على سكانه.
وتطورت العلاقات مع تمكن وحدات حماية الشعب من دحر مقاتلي داعش بدعم من الضربات الجوية والقوات الخاصة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن. وخسر تنظيم داعش الآن معظم أراضيه في سوريا.
لكن قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم كوباني صرح الأسبوع الماضي أن خمسة آلاف متشدد على الأقل لا يزالون يقاتلون باستماتة في آخر جيب لهم شرقي نهر الفرات قرب الحدود العراقية.
وذكر كوباني أن من بين هؤلاء مقاتلين أجانب وربما أيضا زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي. ويسيطر التنظيم أيضا على جيب صحراوي غربي الفرات في مناطق تخضع أساسا لسيطرة دمشق وحلفائها.
دفعت الهجمات التركية في سوريا هذا العام قوات سوريا الديمقراطية لأن توقف مؤقتا عملياتها ضد داعش. والآن تهدد تركيا بشن هجوم كبير في شمال شرق سوريا مستهدفة وحدات حماية الشعب.
ويعتمد الكثير الآن على كيف ستدير الولايات المتحدة عملية سحب جنودها الألفين.
المصدر: رويترز