بين يأس ورجاء يتابع اليمنيون المباحثات الجارية حاليا في السويد بين وفدي الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، والمتمردين الحوثيين، والتي تنعقد تحت رعاية الأمم المتحدة، في مسعى لإيجاد تسوية سلمية تضع حدا للأزمة في اليمن وتنهي الحرب الأهلية الدائرة في البلاد منذ نحو أربع سنوات.
وبينما يأمل اليمنيون في أن تتوصل الأطراف المتصارعة إلى حل ينهي المأساة الإنسانية التي أودت بحياة آلاف اليمنيين وتركت الملايين منهم على حافة المجاعة فإن التصريحات والمواقف الصادرة عن طرفي الصراع لا تشير حتى الآن إلى حدوث انفراجة قريبة في الأزمة، كما تظهر أن هناك عقبات كبيرة لاتزال تقف حائلا دون تحقيق السلام وعودة الاستقرار المنشود إلى البلاد قريبا لاسيما في ظل تمسك كل طرف بموافقه.
فبعد يومين من المباحثات التي تعقد في مدينة “ريمبو” السويدية لم تظهر أي بوادر على حدوث اختراق في القضايا الخلافية بين الطرفين لاسيما فيما يتعلق بالوضع في مدينة وميناء الحديدة على ساحل البحر الأحمر الذي شهد قتالا ضاريا خلال الأسابيع الماضية بين قوات الحكومة اليمنية الشرعية المدعومة من التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية وبين المقاتلين الحوثيين بهدف السيطرة على هذا الميناء الاستراتيجي ، الذي يعد المنفذ البحري الرئيسي للبلاد حاليا والذي يتم من خلاله إيصال المساعدات الإنسانية لملايين اليمنيين.
فقد رفض الحوثيون الذين يسيطرون على الحديدة طلبا لوفد الحكومة اليمنية بالانسحاب من المدينة ، رغم تهديد الحكومة بإمكانية استئناف العمليات العسكرية لاستعادتها من يد الحوثيين.
وقال عبدالملك العجري عضو وفد الحوثيين إلى المحادثات : “إن فكرة الانسحاب من المدينة غير واردة إطلاقا..وأعلن الحوثيون في المقابل موافقتهم على مقترح بوضع الحديدة تحت إشراف الأمم المتحدة، وهو اقتراح ترفضه الحكومة اليمنية التي تصر على استعادة السيطرة على المدينة.
وبرزت خلال هذه المباحثات نقطة خلافية أخرى تتعلق بمطار صنعاء المغلق منذ ثلاث سنوات نتيجة الحرب الدائرة هناك، حيث يطالب الحوثيون الذي يسيطرون على العاصمة صنعاء بإعادة فتح المطار لاستقبال الرحلات الدولية، بينما طالب الوفد الحكومي بأن يكون مطار صنعاء للرحلات الداخلية واعتبار مطار عدن المطار الرئيسي للبلاد، الأمر الذي رفضه الحوثيون.
كما اشترط الوفد الحكومي أن تخضع إدارة المطار لإشراف الحكومة اليمنية الشرعية أولا قبل إعادة افتتاحه، وهو شرط يبدو غير قابل للتحقق حاليا بالنظر إلى سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء ومطارها منذ عام 2014.
ورغم أجواء التشاؤم التي تخيم على مباحثات السويد وفرص نجاحها في التوصل لاتفاق سلام في اليمن، إلا أن مراقبين يرون أن مجرد انعقاد هذه المباحثات والتقاء طرفي النزاع على مائدة واحدة للمرة الأولى منذ عامين يشكل في حد ذاته بارقة أمل في إمكانية حلحلة المسائل الخلافية بينهما، لاسيما في ظل الضغوط الدولية المتزايدة على الطرفين من أجل الوصول إلى نهاية للحرب الأهلية في البلاد والتي خلفت أكبر أزمة إنسانية في العالم.
ومن جانبها..سعت الأمم المتحدة للتخفيف من أجواء التصعيد الكلامي بين طرفي الصراع، حيث أعلنت أن اللقاءات الحالية في السويد هي مجرد مشاورات وأن المفاوضات الرئيسية لم تبدأ بعد.
ووصف مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن جريفيث، الذي بذل جهودا مكثفة خلال الأسابيع الماضية لإقناع الطرفين بالمشاركة في محادثات السويد هذه المحادثات بأنها فرصة مهمة للغاية لإعادة السلام إلى اليمن، معبرا عن أمله في أن يتم خلالها بحث القضايا التي تهم الشعب اليمني، وعلى رأسها المسائل الاقتصادية والوضع الإنساني ووضع حد للقتال على مختلف الجبهات.
وبالتزامن مع انطلاق مفاوضات السويد، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، في بيان وجهه لطرفي الصراع، إلى التحلي بالمرونة والالتزام بحسن النيّة وبدون شروط مسبقة من أجل إحراز تقدم في المفاوضات.
ووفقاً لتقارير صحفية وإعلامية، فإن الأمم المتحدة تأمل خلال هذه الجولة من المفاوضات إلى إطلاق سراح شامل لجميع المعتقلين والأسرى، وتسليم ميناء الحديدة للأمم المتحدة، وسحب المسلحين الحوثيين من شوارع المدينة، وتسليمها للمجلس المحلي، الذي كان قائماً في 2014. كما تسعى إلى ضمان وقف شامل لإطلاق الصواريخ الباليسيتة على الأراضي والمدن السعودية، وتوحيد البنك المركزي اليمني في عدن وصنعاء، وتشكيل لجنة عسكرية تتولى استلام المدن والأسلحة الثقيلة، تمهيدا لتشكيل حكومة وحدة وطنية لفترة انتقالية.
وجاء انعقاد هذه الجولة من المفاوضات اليمنية بعد مخاض صعب واتصالات ومشاورات مكثفة قادها المبعوث الأممي وبعض الأطراف الدولية الأخرى لإقناع الطرفين بالمشاركة فيها. وكانت أخر جولة من محادثات السلام بين الحوثيين والحكومة اليمنية انهارت في 2016، بعد أكثر من ثلاثة أشهر من المفاوضات الصعبة في الكويت، بسب فشل الطرفين في التوصل إلى اتفاق على تقاسم السلطة.
ولم تنجح الأمم المتحدة في تنظيم جولة أخرى بجنيف في شهر سبتمبر الماضي، بعد رفض الحوثيين في اللحظة الأخيرة التوجه إلى سويسرا من دون الحصول على ضمانات دولية بالعودة سريعا إلى العاصمة اليمنية الخاضعة لسيطرتهم.
وقد سبق انعقاد مفاوضات السويد مجموعة من خطوات بناء الثقة بين طرفي النزاع بهدف تهيئة الأجواء لإنجاح المفاوضات ، ومن بين هذه الخطوات السماح بنقل عشرات المصابين الحوثيين وسفرهم لسلطة عمان لتلقي العلاج، حيث قامت طائرة تابعة للأمم المتحدة يوم الاثنين الماضي (3 ديسمبر 2018) بنقل 50 جريحاً من الحوثيين من العاصمة صنعاء إلى مسقط ، بعد موافقة التحالف العسكري العربي على هذه الخطوة “لدواع إنسانية وضمن إطار بناء الثقة بين الأطراف اليمنية للتمهيد لمفاوضات السويد”، وفق ما جاء في بيان لقيادة التحالف فيما وصف وزير الإعلام في الحكومة اليمنية الشرعية معمر الإرياني هذه الخطوة بأنها محاولة لإزالة الذرائع التي يتذرع بها الحوثيون للتهرب من المفاوضات.
وكان ملف الجرحى الحوثيين أحد الملفات الأساسية في الجهود التي بذلت لإنجاح انعقاد مفاوضات السويد، وسبق هذه الخطوة إعلان الحوثيين وقف هجماتهم الصاروخية على دول التحالف العربي استجابة لطلب من مبعوث الأمم المتحدة وذلك بعد أيام من موافقة قيادة التحالف على وقف القتال في مدينة الحديدة.
وتشكل الأزمة الإنسانية المتصاعدة في اليمن أحد العوامل المهمة التي دفعت المجتمع الدولي لممارسة ضغوط شديدة على أطراف الصراع في البلاد لدفعهم إلى وقف إطلاق النار والجلوس إلى مائدة المفاوضات بحثا عن حل ينقذ الملايين من الموت جوعا، نتيجة النقص الواضح في إمدادات الغذاء والماء والإمدادات الطبية.
وكان التوصل لوقف إطلاق النار في اليمن، تمهيدا لاستئناف محادثات السلام بين الأطراف المتحاربة، أحد المطالب الرئيسية على أجندة عدد من المسؤولين الغربيين الذين زاروا الرياض مؤخرا، حيث بحثوا مع المسؤولين السعوديين سبل التوصل إلى لوقف المعارك في اليمن حتى يتسنى إيصال المساعدات الغذائية والإنسانية لليمنيين.