رأى الصحافي روي جوتمان، في تقرير بمجلة “ذا نيشن” الأمريكية، أن الحرب الأهلية السورية أوشكت على الانتهاء؛ حيث إن كل طرف من اللاعبين الرئيسين كانت لديه أسبابه لتجنب المضي قدماً في الهجوم الكارثي ضد آخر معقل للمعارضة في إدلب.
ويشير جوتمان إلى أنه بعد مرور سبع سنوات من الحرب السورية التي راح ضحيتها قرابة أربعمائة ألف مدني فضلاً عن تشريد نصف السكان، دخل الصراع السوري مرحلة جديدة، يوم الاثنين الماضي، يمكن اعتبارها خطوة رئيسية نحو إنهاء إراقة الدماء؛ إذ قامت قوات المعارضة، بما في ذلك الجماعات الإسلامية المتطرفة بسحب الدبابات والمدفعية الثقيلة بعيداً عن الحدود الإقليمية لمعقلهم الأخير في إدلب بالمقاطعة الشمالية التي تضم ثلاثة ملايين نسمة (نصفهم من النازحين من مناطق أخرى في سوريا).
ويأتي هذا الانسحاب في إطار الصفقة السياسية بين تركيا ورسيا التي أصبحت بموجبها الدولتان مسؤولتين عن ضمان أمن منطقة إدلب؛ إذ ستقوم القوات التركية بدوريات من عشرة مواقع للمراقبة مدعومة حديثاً على جانب إدلب من الحدود الإقليمية، بينما تقوم روسيا بدوريات من عشرة مواقع أخرى في جانب نظام الأسد. وقد جرى التوصل إلى هذا الاتفاق في 17 سبتمبر الماضي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، ومع سحب الأسلحة الثقيلة يوم الاثنين الماضي يبدو أن منطقة حظر الأسلحة الثقيلة (على مساحة عشرة أميال) في إدلب دخلت حيز التنفيذ.
ويوضح التقرير أن الجماعة الإرهابية “هيئة تحرير الشام” خليفة جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة الإرهابي، التزمت أيضاً بسحب أسلحتها الثقيلة من المنطقة المنزوعة السلاح. ويعتبر العقيد فاتح حسون، ممثل قوات المعارضة في المفاوضات بين تركيا وروسيا وإيران (محادثات أستانة) أن تركيا، التي تعزز من بناء قواتها العسكرية في المنطقة، هي الضمان الحقيقي لتنفيذ هذه الصفقة؛ حيث إنه لا يوجد أي ضمان بأن الحكومة السورية لن تفسد هذا الاتفاق باستثناء الضمانات الروسية ولكن روسيا في جميع الأحوال ليست أفضل من نظام الأسد.
ويؤكد سام هيلر، المحلل بمجموعة الأزمات الدولية، أن اتفاق سوتشي أحبط الهجوم على إدلب الذي كان من شأنه أن يقود إلى كارثة إنسانية لها عواقب بعيدة المدى على سوريا وخارجها، ولأن الاتفاق انبثق من محادثات أستانة فإنه ربما يقود إلى المزيد من التقدم نحو التوصل إلى اتفاق.
ويلفت التقرير إلى تحذيرات أردوغان من أن الهجوم على إدلب من شأنه أن ينطوي على عواقب إنسانية هائلة على الأمن القومي لتركيا، إضافة إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى أوروبا، ودعا إلى وقف كامل لإطلاق النار، بيد أن تركيا كان لها دور آخر من وراء الكواليس حيث شجعت قوات المعارضة المعتدلة (تقدر بنحو مائة ألف مقاتل) لتوحيد صفوفها والاستعداد لصد الهجوم. وبحسب بعض المراقبين، لايزال لدى هيئة تحرير الشام حوالي عشرة آلاف مقاتل، نصفهم من الأجانب، إضافة إلى فصيل من المقاتلين المنشقين عن القاعدة، ولدى تنظيم حراس الدين بضع مئات من المقاتلين.
ويرى هيلر أن أعداد قوات المعارضة ليست كافية لصد أي هجوم على إدلب، ولكنها كانت كافية لجعل أي فوز من قبل الجيش السوري مكلفاً للغاية، وعلاوة على ذلك فقد أوضح أردوغان أن شن الأسد للهجوم بدعم روسي سيكون له تأثير سلبي على علاقات أنقرة مع موسكو وسيقود إلى انسحاب تركيا من مفاوضات أستانة التي ترعاها روسيا.
ويكشف التقرير أن تركيا أجرت محادثات سرية مع القائد العام لهيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، من أجل فتح الطريق أمام تركيا لإقامة مراكز مراقبة الحدود وإرسال القوات التركية، ثم سحب قوات هيئة تحرير الشام من المنطقة المنزوعة السلاح، والخطوة الأخيرة التي تأمل تركيا في تحقيقها هي حل أو احتواء هيئة تحرير الشام، ولكن هذا لم يحدث حتى الآن حيث أصدرت الأخيرة بياناً بأنها لن تسحب أسلحتها الثقيلة من المنطقة المنزوعة السلاح.
وينقل تقرير المجلة الأمريكية عن ناشط إعلامي في حماة أن هيئة تحرير الشام امتثلت إلى سحب أسلحتها الثقيلة دون الإعلان عن ذلك وأخبرت مقاتليها أنها مضطرة إلى ذلك خوفاً من تعرضها للقصف.
وعلى الرغم من أن تركيا لعبت دوراً محورياً في إزالة التهديد بمهاجمة إدلب، فإن اللاعبين الآخرين في سوريا قد ساهموا أيضاً في التوصل إلى هذه النتيجة، بما في ذلك إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ إذ أعلنت إدارة ترامب مؤخراً عن تغيير مهمة القوات الأمريكية الموجودة في سوريا (2000 جندي أمريكي) لتشمل التوصل إلى حل سياسي سلمي للصراع السوري وإخراج إيران وجميع الميليشيات المدعومة إيرانياً من سوريا.
وفي الوقت نفسه، ساعد قرار ترامب بفرض عقوبات ضد إيران على تعزيز موقف أردوغان في المفاوضات مع روسيا وإيران؛ وبخاصة لأن تركيا أعلنت عن رفضها الامتثال للعقوبات الأمريكية التي ستدخل حيز التنفيذ الشهر المقبل. وتعتمد تركيا على إيران في إمدادات الغاز الطبيعي لديها، ولا ترغب طهران في إثارة غضب الدولة المجاورة.
وعلى الرغم من دعم إيران لحزب الله في لبنان والميليشيات العراقية والأفغانية للدفاع عن نظام الأسد واستعادة الأراضي من قوات المعارضة، فإن إيران لم تنشر قواتها في إدلب، وحضت “النمور” (إحدى الوحدات الأكثر فعالية في الجيش السوري) على الانسحاب من حدود إدلب. أما مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة فقد انشغلت بقتال داعش ولم تكن في وضع يتيح لهم التطوع للقتال بصفوف نظام الأسد في إدلب.
ويشير التقرير إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد قد يكون الطرف الوحيد المحتمل الذي سيحاول إفساد صفقة إدلب، ولكن إذا اتخذ الأسد خطوات تهديدية أو بدأ الحرب، فعلى الأرجح أنه سيواجه ضغوطاً فورية من تركيا والولايات المتحدة وربما لاعبين آخرين للتراجع عن ذلك.
وبحسب التقرير، فإن روسيا أيضاً لديها أسبابها لتفادي حملة القصف في إدلب؛ حيث أنها سوف تتعرض لانتقادات من قبل تركيا والدول الأوروبية بسبب العواقب الإنسانية للهجوم.
وتشير الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن القوات الروسية قتلت 6239 مدنياً من بينهم 1804 طفل منذ خريف عام 2015، وشنت 176 هجوما على المدارس، و166 هجوماً على المرافق الطبية و55 هجوماً على الأسواق. وانتهكت روسيا أيضاً قرارات مجلس الأمن الدولي التي طالبت بوضع حد للهجمات العشوائية.
ويختتم التقرير بأن جميع اللاعبين الرئيسين في سوريا كانت لديهم مصلحة في تجنب المضي قدماً في الهجوم على إدلب التي تعكس مدى تعقيدات الصراع السوري.
المصدر: أ ش أ