تحيي المنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ” اليونسكو” اليوم الجمعة ، اليوم الدولي للسلام 2018، تحت شعار ” الحق في السلام : 70 عاما منذ إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، ويراد بهذا الموضوع الاحتفال بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يمثل وثيقة تاريخية في ما يتصل بحقوق الإنسان.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت الإعلان الذي صاغة ممثلون من ثقافات ومرجعيات قانونية مختلفة من كل أنحاء العالم في باريس في 10 ديسمبر 1948 بوصفه معيارا عاما للإنجاز أمام كل الشعوب والأمم. والحقيقة أن هذا الإعلان العالمي ، وهو الوثيقة التي ترجمت أكثر من غيرها، حيث يتاح بأكثر من 500 لغة ، لم يزل ذا صلة بواقعنا اليوم كما كان يوم أُعتمد. وبالرغم من أن المادة الثالثة من الإعلان تنص على أنه ” لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه”، وهي عناصر بنيوية أساسية للحرية والعدالة والسلام في العالم، فإن الإعلان لم يشتمل على مادة منفصلة بشأن “الحق في السلام”.
وكانت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة قد اعتمدت 17هدفاً للتنمية المستدامة في عام 2015 ، لما أدركته من أن بناء عالم ينعم بالسلام يتطلب اتخاذ خطوات لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لجميع شعوب الأرض في كل مكان، ولضمان حماية حقوقها. وتشمل الأهداف الإنمائية طائفة واسعة من القضايا، بما فيها الفقر و الجوع والصحة والتعليم وتغير المناخ والمساواة بين الجنسين والمياه والمرافق الصحية والطاقة والبيئة والعدالة الاجتماعية. ويدعو الهدف 16 المتعلق بالسلام والعدل والمؤسسات القوية إلى تعزيز المجتمعات التي تنعم بالسلم والشمول لتحقيق التنمية المستدامة، وإتاحة سبل تحقيق العدالة للجميع وبناء مؤسسات شاملة ومسؤولة وفاعلة على كل المستويات. فالمجتمع الذي ينعم بالسلام هو المجتمع الذي يتمتع أفراده بالعدالة والمساواة. فالسلام يمكن من وجود بيئة مستدامة تساعد بدورها على تعزيز السلم .
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أعلنت القرار 36/67 اليوم الدولي للسلام في عام 1981 من أجل “الاحتفال بمثل السلام وتعزيزها بين جميع الأمم والشعوب”. وبعد 20 عاما ، اعتمدت الجمعية العامة القرار 282/ 55 في عام 2001، للاحتفال يوم 21 سبتمبر من كل عام باليوم الدولي للسلام ، للاحتفال بالمناسبة سنويا “، حيث خصصت الجمعية العامة لليونسكو هذا اليوم لترسيخ المثل العليا للسلام بين جميع الشعوب والأمم وداخل كل منها. كذلك كيوم لوقف إطلاق النار عالميا وعدم العنف من خلال التعليم والتوعية الجماهيرية وللتعاون على التوصل إلى وقف إطلاق النار في العالم كله”.
وأشار أنطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة في رسالة له بهذه المناسبة ، إلي أننا نحتفل في هذا العام باليوم الدولي للسلام ونحن نستعد للاحتفال بالذكرى السنوية السبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. فهذه الوثيقة التأسيسية تذكرنا بأن السلام يستتب عندما يتحرر الناس من الجوع والفقر والاضطهاد ، ويكون بمقدروهم أن ينعموا بالنماء والرخاء . وأضاف غوتيريس ، إلي أنه يجب علينا أن نكفل تحقيق أهداف التنمية المستدامة متخذين من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان دليلا لنا في ذلك. وأنا أشجعكم على أن تهبوا للمناداة بالمساواة بين الجنسين، ولإقامة مجتمعات حاضنة للجميع ، ولاتخاذ إجراءات لمكافحة تغير المناخ. وليقم كل واحد منكم بدوره في المدرسة والعمل والبيت، إذ لكل خطوة أهميتها لصالح الجميع. ودعا غوتيريس ، إلي العمل معاً من أجل تعزيز حقوق الإنسان والدفاع عنها باسم السلام الدائم للناس كافة .
إن ثقافة السلام هي ثقافة الحوار والوقاية، ولم يبلغ دور الأمم المتحدة قط في هذا السياق ما بلغه من الأهمية في الوقت الراهن. وتؤكد خطة التنمية المستدامة لعام 2030 أن “لا سبيل إلى تحقيق التنمية المستدامة دون سلام، ولا إلى إرساء السلام دون تنمية مستدامة”. وانطلاقاً من هذه الروح ذاتها، اتخذ مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة قراراتهما في عام 2016 بشأن “الحفاظ على السلام”. وينبغي لنا اعتماد نهج جديد شامل لمعالجة الأسباب الجذرية للمشكلات، ولتوطيد سيادة القانون، وتعزيز التنمية المستدامة، بالارتكاز على الحوار والاحترام. وتسترشد اليونسكو بهذا النهج في جميع جوانب عملها الرامي إلى بناء السلام من خلال دعم التربية والتعليم، والنهوض بحرية التعبير، وترسيخ الحوار بين الثقافات، واحترام حقوق الإنسان والتنوع الثقافي، وتعزيز التعاون العلمي. وتعتبر حقوق الإنسان هي ركيزة أساسية للأمم المتحدة. ويعتبر جميع الموظفين في بعثات حفظ السلام مسؤولين عن ضمان حماية وتعزيز حقوق الإنسان من خلال عملهم.
إن معظم بعثات الأمم المتحدة للسلام متعددة الأبعاد ولها فريق خاص بحقوق الإنسان، وتضطلع هذه الفرق بتنفيذ الولايات ذات الصلة بحقوق الإنسان الممنوحة للبعثات، وتساعد على تعميم حقوق الإنسان في جميع أنشطة البعثة. وتتمثل أهداف فرق حقوق الإنسان: الإسهام في حماية وتعزيز حقوق الإنسان من خلال اتخاذ إجراءات فورية وطويلة الأمد على حد سواء ؛ تمكين السكان من المطالبة بحقوقهم الإنسانية؛ تمكين الدولة وغيرها من المؤسسات الوطنية من تنفيذ التزاماتها في مجال حقوق الإنسان والتمسك بسيادة القانون.
وتتضمن بعض الأنشطة الأساسية التي يقوم بها قسم حقوق الإنسان ما يلي: الرصد والتحقيق والتحليل لحالة حقوق الإنسان؛ إصدار التقارير بشأن قضايا حقوق الإنسان التي تثير قلقاً خاصاً؛ منع انتهاكات حقوق الإنسان، وذلك من خلال آليات الإنذار المبكر على نطاق البعثة؛ التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان عن طريق تقديم المشورة في مجال حقوق الإنسان، ودعم الإصلاح المؤسسي وبناء الكوادر، ودعم إنشاء وتعزيز آليات المساءلة، والعمل بشكل وثيق مع الحكومات المُضيفة والمؤسسات الوطنية والمجتمع المدني؛ تقديم المشورة ومساعدة الفرق الأخرى في البعثة على إدماج حقوق الإنسان في المهام المنوطة بهم.
وتعمل فرق حقوق الإنسان بتعاون وثيق وتنسيق مع كوادر أخرى من المدنيين والعسكريين في عمليات حفظ السلام. على وجه الخصوص، فيما يتعلق بحماية المدنيين، والتصدي للعنف الجنسي المتصل بالصراع و الانتهاكات المُرتكبة ضد الأطفال، ودعم آليات المساءلة، والعدالة الانتقالية، تعزيز احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، من خلال الإصلاح القانوني والقضائي، وإصلاح قطاع الأمن، وإصلاح نظام السجون.
وتتضمن بعض أعمال بعثات حفظ السلام والبعثات السياسية الخاصة ما يلي:
.. كوسوفو / البوسنة والهرسك : إن عمل قسم حقوق الإنسان ببعثة الأمم المتحدة في كوسوفو عن قرب مع مختلف الجهات الفاعلة، والسلطات المحلية في بريشتينا وبلجراد لاستيضاح مصير 1658 شخصا من الذين ما زالوا مفقودين بسبب النزاع في كوسوفو في 98-2000. وفي مارس عام 2017، دعم قسم حقوق الإنسان إنشاء المركز الأول لجمع الموارد متعددة الأعراق المَعني بالأشخاص المفقودين، وفي يونيو عام 2017 نظمت الأمم المتحدة، بالتعاون مع فريق العمل المعني بالاختفاء القسري أو اللاإرادي، اجتماع مائدة مستديرة حول الأشخاص المفقودين في جنيف. كما نظم قسم حقوق الإنسان في يونيو عام 2017 ورشة عمل استمرت ليومين لتزويد الأفراد المعنيين المحليين بالمهارات اللازمة لرصد ومعالجة الحالات التي تنطوي على انتهاكات لحقوق الإنسان المرتبطة بمكافحة الإرهاب، واتخاذ تدابير لمنع التطرف في كوسوفو.
.. هايتي : على مدى 13عاماً، دعم قسم حقوق الإنسان ببعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في هايتي، الهايتيين عن طريق حماية وتعزيز حقوق الإنسان. وبدعم القسم، زادت قدرة الشرطة وهيئات الرقابة القضائية، فضلاً عن المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، على التحقيق في الادعاءات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، كما تم تعزيز قدرة الحكومة على الاستجابة للآليات الدولية لمراقبة حقوق الإنسان مثل الاستعراض الدوري الشامل. وعمل قسم حقوق الإنسان أيضاً على تمكين منظمات المجتمع المدني التي تسهر على احترام حقوق الإنسان والدستور الهايتي.
.. أفغانستان : أدت الدعوات المستمرة في أفغانستان والحوار المتواصل من جانب مفوضية حقوق الإنسان بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان إلى اعتماد تدابير الوقاية والتخفيف من الإصابات المدنية، وقد شملت تطوير السياسة الوطنية بشأن الوقاية والتخفيف من الإصابات المدنية من قبل حكومة أفغانستان في عام 2016. وأدى الدعم الفني والقضائي الذي قدمته مفوضية حقوق الإنسان وبعثة الأمم المتحدة هناك إلى إنشاء كيان مخصص داخل مكتب مجلس الأمن القومي لتوثيق الإصابات في صفوف المدنيين المتصلة بالصراعات، كما وقدمت مفوضية حقوق الإنسان وبعثة الأمم المتحدة الدعم للحكومة في تنفيذ استراتيجيات وسياسات حماية المدنيين، وفي منع الأضرار المتصلة بالصراع للممتلكات المدنية والمدارس والمستشفيات.
.. غينيا بيساو : دعم قسم حقوق الإنسان في البعثة الجهود المبذولة لتمكين السلطات من التعاون مع الهيئات الدولية لحقوق الإنسان وتنفيذ آلياتها، وذلك عن طريق تيسير مشاركتهم في دورات منتظمة ينظمها مجلس حقوق الإنسان، وبتقديم الدعم التقني والمالي للقيام بأول عملية تقييم لمدى تنفيذ التوصيات المقدمة لغينيا-بيساو من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية في النصف الأول من عام 2017 .
.. مالي : تدعم شعبة حقوق الإنسان والحماية ببعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي اتباع نهج متعدد المستويات في مكافحة الإفلات من العقاب كجزء من عملية السلام، وأنشأت الشعبة آليات مشتركة مع وزارة العدل وأركان الجيش للاستعراض الدوري وللتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان التي وثقها موظفي حقوق الإنسان في جميع أنحاء مالي، كما أنشأت آليه لمتابعة حالة المحتجزين المتصلين بالصراع، بمن فيهم الذين تحتجزهم الدولة أثناء عمليات مكافحة الإرهاب. كما دعمت إنشاء اللجنة الوطنية للحقيقة والعدالة والمصالحة، وقدمت الدعم التقني لجميع فروعها الإقليمية. بالإضافة إلى ذلك، عززت الشعبة تنمية الجمعيات الشعبية للدفاع عن حقوق الضحايا في المناطق الشمالية لمالي. وكجزء من المبادرة، برز تحالف من المنظمات غير الحكومية الوطنية لتعزيز تحقيق العدالة للحالات الناجية من العنف الجنسي المتصل بالصراع.
.. جمهورية الكونغو الديمقراطية : مكتب حقوق الإنسان الأمم المتحدة المشترك الذي تم إنشاؤه في عام 2008، يتكون من شعبة حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة بالكونغو منذ عام 2000، والمكتب السابق للمفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جمهورية الكونغو الديمقراطية (منذ عام 1996). يدعم مكتب حقوق الإنسان الأمم المتحدة المشترك الجهود التي تبذلها السلطات الوطنية لتحسين حالة حقوق الإنسان في البلاد وفي مكافحة الإفلات من العقاب، وييسر المكتب تحقيق العدالة من خلال الدعم التقني والمالي للإعداد لجلسات المحاكم المتنقلة، ومن خلال تدابير متقدمة لحماية ضحايا وشهود انتهاكات حقوق الإنسان.
إن التعاون بين المكتب والسلطات الكونغولية كان مثمراً للغاية في مكافحة العنف الجنسي على أيدي موظفي الدولة، وتقديم الجناة إلى العدالة. فمنذ عام 2015، دعم المكتب 22 مكتباً للمساعدة القانونية، حيث يتم الاستماع، وتوجيه، وتقديم المشورة لـ 7.216 شخصاً مما أسفر عن إدانة 585 متهماً من مرتكبي جرائم العنف الجنسي.
ومن خلال وحدة الحماية هذه، يوفر المكتب أيضاً تدابير الحماية الفردية للضحايا والشهود، والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين الذين يتعرضون لتهديد دائم، فضلاً عن جميع أفراد أسرهم. ومن يناير إلى سبتمبر 2017، تعامل المكتب مع 275 حالة من التهديدات والانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان الموجهة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، وكانت موجهة تحيداً لـ 182 من المدافعين عن حقوق الإنسان و24 من الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام، و53 من الضحايا و16 من شهود انتهاكات حقوق الإنسان في جميع أراضي جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وفي 15 مايو 2017، بناء على المبادرة من المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، ودعم مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة المشترك وغيره من الشركاء، أقر مجلس الشيوخ بالإجماع مشروع قانون بشأن حماية ومسؤوليات المدافعين عن حقوق الإنسان في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفقاً لمبادئ الإعلان المعتمد من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 مارس 1999.
.. جمهورية أفريقيا الوسطى : حرصت شعبة حقوق الإنسان ببعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية أفريقيا الوسطى على ضمان إدماج حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية في السلام والعملية السياسية في جمهورية أفريقيا الوسطى من خلال الدعم التقني والدفاع عنهما، فضلاً عن رصد وتحليل والإبلاغ عن حالات انتهاك حقوق الإنسان في البلاد، وأدت الجهود المنسقة للشعبة وغيرها من الجهات الفاعلة الدولية إلى إنشاء لجنة وطنية لحقوق الإنسان، والتشغيل التدريجي للجنة المعنية بمنع الإبادة الجماعية، فضلاً عن إنشاء محكمة جنائية خاصة.
وفي مجال العدالة الانتقالية، دعت الشعبة إلى إطلاق لجنة توجيهية لإنشاء لجنة البحث عن الحقيقة، التي تم اعتمادها في وقت لاحق بموجب مرسوم رئاسي في 11 سبتمبر 2017. وبعد منتدى بانجي في مايو من عام 2015 الذي أُقر فيه بأن التصدي للإفلات من العقاب طويل المدى يعد مفتاحاً للمصالحة في جمهورية أفريقيا الوسطى، وقد بادرت الشعبة وقادت إنجاز رسم خرائط التقرير الشامل لحقوق الإنسان، ووثق التقرير الانتهاكات الجسيمة لقانون حقوق الإنسان الدولي والقانون الإنساني الدولي خلال الفترة بين 2003- 2015، وحشد الاهتمام الوطني والدولي من أجل حماية وتحقيق العدالة لضحايا هذه الجرائم، كم أن توصياته سوف توجه الجهود التي تبذلها البعثة، فضلاً عن المحكمة الجنائية الخاصة المنشأة حديثًا في مجال مكافحة الإفلات من العقاب والعدالة الانتقالية.
المصدر:أ ش أ