مهما بعدت فواصل الزمن تبقى هناك أيام مشهودة لا تنسى في التاريخ، ومن هذه الأيام (يوم عاشوراء) لدى المسلمين، وهو اليوم العاشر من شهر الله المحرم، ويحل علينا، اليوم الخميس، بحسب التقويم الهجري، وتحدث فيه بعض المؤرخين عن العديد من الأحداث التي وقعت في مثل هذا اليوم، إلا أن الثابث والمؤكد منها هو نجاة نبي الله وكليمه موسى عليه السلام من فرعون، واستشهاد الحسين بن على في معركة كربلاء، ولذا فإن المسلمين الشيعة يعتبرونه يوم عزاء.
إظهار الفرح في هذا اليوم مذهب النواصب (والنواصب مصطلح إسلامي يطلق على من يعادون علي بن أبي طالب وأهل بيته)، أما إظهار الحزن فيه فهو مذهب الراوفض (وهو مصطلح يستخدم ضمن السياق المعاصر بقصد إهانة الشيعة الاثنا عشرية) وكلاهما غلو في هذا اليوم، كما يعتبر يوم عاشوراء عطلة رسمية في بعض الدول مثل إيران، باكستان، لبنان، البحرين، الهند والعراق والجزائر.
ويوم عاشوراء هو في الأصل يوم صوم لدى اليهود، وسبب تعظيمه عند المسلمين أنه عندما هاجر الرسول من مكة وصل إلى قباء يوم الإثنين 8 ربيع الأول، ووافق هذا اليوم العاشر من شهر تشرى العبري، وهو أول الشهور في سنة اليهود المدنية التي تبدأ في شهر أبريل، وجد اليهود صائمين لله على نجاة موسى من فرعون وغرق فرعون في اليم، فقال الرسول صلي الله عليه وسلم ، أنا أولى بموسى بصوم هذا اليوم، وبعد أن فرض صوم رمضان في السنة الثانية من الهجرة لم يأمر النبى المسلمين بصوم عاشوراء ولم ينههم عنه، ومازال المسلمون يعظمون هذا اليوم إلا إنهم نقلوة من شهر ربيع الأول لشهر المحرم وفي يوم العاشر من المحرم.
وصيام عاشوراء من السنن الثابتة عن النبي، ويستحب للمسلم أن يصوم يوم قبله أو يوم بعده، وذكر العلماء أن صيام عاشوراء على ثلاث مراتب، الأولى منها صوم 3 أيام (التاسع والعاشر والحادى عشر) والمرتبة الثانية هي صيام التاسع والعاشر، والمرتبة الثالثة وهي صوم يوم العاشر وحده، ويحرص المسلمون على إعطاء يوم عاشوراء قدره باعتباره أفضل أيام شهر المحرم.
وقد شهد هذا اليوم مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب وأهل بيته ظلما، بعد حصار دام ثلاثة أيام، حيث منع هو وأهل بيته من الماء، وفي اليوم العاشر من شهر محرم عام 61 من الهجرة جرت حادثة مروعة مفجعة ومصيبة كبرى فظيعة ألمت بالمسلمين وأفجعتهم وملأت القلوب حزنا وأسى ومرارة، حيث استشهد الإمام أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب حفيد سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم، ابن ابنته السيدة فاطمة الزهراء البتول رضي الله عنهم على أيدي فئة ظالمة، من قبل جيش يزيد بن معاوية.
وليوم عاشوراء عند الشيعة عموما، والإثني عشرية خصوصا، شعائر مميزة يقومون بها طيلة الأيام العشرة الأوائل من محرم التي تعزز إيمانهم من خلال التفكر بالحدث المأساوي العظيم، ومن الشعائر التي يقوم بها الشيعة الاثني عشرية في جميع أنحاء العالم وخاصة في كربلاء، زيارة ضريح الحسين وإضاءة الشموع وقراءة قصة الإمام الحسين والبكاء عند سماعها واللطم تعبيرا عن حزنهم على الواقعة، والاستماع إلى قصائد عن المأساة والمواعظ عن كيفية استشهاد الحسين وأهل بيته.
ويقوم البعض بتمثيل الواقعة وما جرى بها من أحداث أدت إلى مقتل الحسين بن على، فيتم حمل السيوف والدروع، كما يقومون بتمثيل حادثة مقتل الحسين جماهيريا فيما يعرف بموكب الحسين، ويقوم البعض “بالتطبير” أي إسالة الدم مواساة للحسين، ويقوم البعض الآخر بضرب أجسادهم بالسلاسل.
وكان دخول ملحمة كربلاء إلى ساحة الشعر والأدب من جملة أسباب بقائها وديمومتها؛ وذلك لأن قالب الشعر النافذ يوصل بين القلوب وبين حادثة عاشوراء، ويجعل القلوب والمشاعر أكثر التصاقا بتلك الواقعة، هناك صلة متبادلة بين الشعر وعاشوراء، وكل منهما مدين للآخر بالبروز والبقاء، فهذا غيض من فيض مما قيل في حق هذا اليوم الذي ظل دويه يخترق الدهور.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)