يشكل قرار وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بإلغاء مساعدات عسكرية قيمتها 300 مليون دولار لباكستان فصلا جديدا من فصول التوتر الراهن في العلاقات الأمريكية الباكستانية والذي تصاعد في الأشهر الأخيرة نتيجة الخلافات بين البلدين حيال عدد من الملفات والقضايا على رأسها الملف الأفغاني.
وقد عزا البنتاجون قراره بإلغاء هذه المساعدات بشكل نهائي والتي كان قد تم تعليقها سابقا إلى ما تعتبره واشنطن تقاعسا من جانب إسلام آباد عن اتخاذ إجراءات حاسمة في الحرب ضد الجماعات الإرهابية المتشددة وعلى رأسها حركة طالبان.
وبهذا القرار يكون إجمالي المساعدات الأمريكية التي تم إلغاؤها لباكستان هذا العام نحو 800 مليون دولار، حيث كان الكونجرس قد ألغى، في وقت سابق، تخصيص مساعدات أخرى إلى باكستان بقيمة 500 مليون دولار، ويقدر حجم المساعدات الأمريكية لباكستان منذ عام 2002 بنحو 33 مليار دولار من بينها 14 مليار دولار من برنامج تابع للبنتاجون يستهدف تعويض حلفاء الولايات المتحدة الذين يعانون من تكاليف دعم عمليات مكافحة التطرف.
فقرار البنتاجون الأخير الذي وجه ضربة موجعة للعلاقات المتدهورة بين الولايات المتحدة وباكستان كان لافتا للانتباه بشدة، إذ يأتي بعد أيام من تولي الحكومة الباكستانية الجديدة مهامها برئاسة رئيس الوزراء الجديد عمران خان الذي أعلن أنه يسعى لإقامة علاقات متوازنة مع واشنطن، كما جاء قبيل زيارة مرتقبة لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى إسلام آباد يوم الأربعاء المقبل حيث يتوقع أن يكون أول مسؤول أجنبي رفيع يلتقي رئيس الوزراء الباكستاني الجديد بعد توليه مهام منصبه رسميا ومن المتوقع أن يلقي هذا القرار بظلاله على زيارة بومبيو ومباحثاته في إسلام آباد.
وبالرغم من أن الولايات المتحدة سبق وأن جمدت مساعدات بملايين الدولارات لباكستان بسبب الخلاف بينهما حول ملف الحرب على الإرهاب، إلا أن الخطوة الأخيرة من جانب البنتاجون وتوقيتها اللافت من شأنها أن تدفع ملف العلاقات الباكستانية الأمريكية إلى الواجهة وتجعله أحد أبرز التحديات التي تواجه حكومة عمران خان، إذ يرى بعض المراقبين أن قرار البنتاجون كان بمثابة رسالة إلى خان الذي عرف بانتقاداته اللاذعة لسياسات واشنطن تجاه بلاده ومعارضته القوية لغاراتها الجوية على المناطق القبلية الباكستانية التي راح ضحيتها المئات من المدنيين الباكستانيين، حيث إن خان دعا خلال وجوده في صفوف المعارضة إلى أن تكون باكستان أقل اعتماداً اقتصادياً على الولايات المتحدة.
وتطرح خطوة إلغاء المساعدات العسكرية لباكستان تساؤلات عديدة حول التداعيات التي يمكن أن تخلفها على مستقبل العلاقات بين إسلام آباد وواشنطن و الخيارات التي يمكن أن تلجأ إليها باكستان في مواجهة الضغوط الأمريكية.
تشهد العلاقات الباكستانية الأمريكية منذ بداية العام الحالي تدهورا خاصة في في ظل اتهامات واشنطن لإسلام آباد بتوفير ملاذات آمنة على أراضيها لعناصر حركة طالبان الأفغانية التي تخوض مواجهات دامية مع القوات الأمريكية في أفغانستان، وفي شهر يناير الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تعليق جانب كبير من المساعدات الأمريكية المخصصة لباكستان بسبب ما أعتبره إخفاقا من جانب إسلام آباد في الحرب على الجماعات الإرهابية التي تشكل خطرا على المصالح الأمريكية في جنوب آسيا.
وشن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هجوما حادا على المسؤولين الباكستانيين، قائلا “لم يمنحونا سوى الأكاذيب والخداع مقابل مليارات الدولارات من المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة لباكستان على مدى 15 عاما”، حيث تنفي إسلام آباد بشدة الاتهامات الأمريكية لها بالتواطؤ مع الجماعات المتشددة ويقول المسؤولون الباكستانيون: “إن هذه الاتهامات تهدف إلى التغطية على الفشل الأمريكي في أفغانستان وإن واشنطن تريد من إسلام آباد أن تخوض لها معركتها ضد طالبان”.
الاتهامات الأمريكية لباكستان ليست جديدة أو مرتبطة بوصول ترامب إلى البيت الأبيض، فالتوتر بين البلدين حيال هذا الملف بدأ في عهد الرئيس السابق باراك أوباما وتحديدا عقب مقتل زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن في غارة أمريكية على مخبئه بإحدى البلدات الباكستانية في 12 مايو 2011.
ويشكل الملف الأفغاني والموقف من دعم الجماعات المتشددة الأفغانية مثل: (حركة طالبان وشبكة سراج الدين حقاني) أحد أبرز الملفات الخلافية بين الجانبين، حيث تتهم واشنطن إسلام آباد بأنها لا تقوم بالدور المطلوب ولا تتعاون بشكل مناسب في الحرب على هذه الجماعات الإرهابية ويقول مسؤولون أمريكيون “إن بعض قيادات طالبان وشبكة حقاني تتخذ من المناطق الحدودية مع باكستان مقرا لها ومنطلقا لعملياتها ضد القوات الأمريكية وحلفائها في أفغانستان، وذلك يتم بمعرفة المسؤولين الباكستانيين وهو ما ينفيه الجانب الباكستاني باستمرار”.
ولم تكتف إدارة ترامب بتجميد نحو ملياري دولار من المساعدات الأمريكية لباكستان بسبب الخلاف حول الملف الأفغاني بل إن واشنطن وفقا للاستراتيجية الأمريكية الجديدة في جنوب غرب آسيا، دعت الهند (الخصم اللدود لباكستان) للعب دور أكبر في أفغانستان وهو ما أدى إلى مزيد من التدهور في العلاقات مع إسلام آباد.
وكان ترامب قد أعلن في شهر أغسطس 2017 عن استراتيجية جديدة بشأن جنوب آسيا (أفغانستان وباكستان والهند) ربط فيها انسحاب القوات الأمريكية في أفغانستان بتحسن الظروف الأمنية هناك، واتهم باكستان بتوفير ما وصفه بملاذ للإرهابيين، كما تحدث عن دور أكبر للهند في تحقيق الاستقرار واستعادة الأمن في أفغانستان وهو ما أثار غضب وهواجس إسلام آباد التي بدأت في البحث عن بدائل وخيارات جديدة لعلاقاتها المتوترة مع واشنطن.
وقد استهل عمران خان مهام منصبه وتكليفه بتشكيل الحكومة الباكستانية بالدعوة إلى علاقات قائمة على قدر أكبر من الثقة والتوازن مع الولايات المتحدة، قائلا، في تصريح لإحدى القنوات المحلية، “آن الأوان لأن تجعل الولايات المتحدة من باكستان صديقاً لا عميلاً “، متعهدا بأن تظل بلاده حليفة للولايات المتحدة إلا أنه أكد أن هذا التحالف سيكون في السلام لا في الحرب، حيث مات 50 ألف باكستاني ودخل التطرف إلى هذا البلد.
وفيما يتعلق بمعالجة الملف الأفغاني والعلاقة مع طالبان، عكست تصريحات خان جوهر الخلاف في المواقف بين إسلام آباد وواشنطن حيث يرى الجانب الباكستاني أن الحل في أفغانستان سياسي وليس عسكريا وأنه لا بديل عن التفاوض مع حركة طالبان؛ لإيجاد تسوية سياسية للأزمة الأفغانية وهو ما ترفضه الإدارة الأمريكية الحالية والتي تبدو أكثر ميلا للمواجهة العسكرية مع طالبان لإجبارها في النهاية على الجلوس إلى مائدة التفاوض.
من جهتهم، يرى محللون آخرون أن قرار إلغاء المساعدات العسكرية الأمريكية لباكستان والتقارب الراهن بين الولايات المتحدة والهند قد يدفع إسلام آباد إلى مزيد من التقارب والانفتاح على الصين وروسيا عسكريا واقتصاديا باعتبارهما المنافسين الرئيسيين للدور الأمريكي في المنطقة وهو ما قد يؤدي لتغيير ميزان القوى في شرق القارة الآسيوية على المدى البعيد.
وبدورهم، يرى المراقبون أن هذا التقارب المنتظر في العلاقات الباكستانية الصينية والباكستانية الروسية لن يؤدي بالضرورة إلى قطيعة سلام آباد وواشنطن، خاصة في ظل العلاقات الاستراتيجية بين قيادتي الجيشين الأمريكي والباكستاني، كما أن الولايات المتحدة لا يمكنها الاستغناء عن باكستان كحليف أساسي حيث تعد بوابتها في عملياتها داخل أفغانستان.
ومن جانبهم، يعتقد بعض المحللين أنه رغم التوتر الحالي في العلاقات الباكستانية الأمريكية إلا أن وصول عمران خان لرئاسة الوزراء قد يفتح الباب لاحتواء الخلافات بين الجانبين تجاه الملف الأفغاني، مشيرين إلى أن خان ينتمي إلى عرقية البشتون التي ينحدر منها مقاتلو وعناصر حركة طالبان الأفغانية، الأمر الذي يجعله أكثر قدرة على التواصل مع قيادة الحركة وإقناعها بالجلوس إلى مائدة التفاوض والتوصل لحل سياسي للأزمة، خاصة أنه كان دائما من أنصار الحوار مع طالبان..منوهين بأنه قد ينجح في إقناع واشنطن بأن ذلك هو السبل الوحيد لإعادة الاستقرار إلى أفغانستان بما يصب في النهاية في مصلحة الولايات المتحدة.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)