مع حلول عيد الأضحى المبارك ، تتجدد فى عقول المسلمين فصول قصة سيدنا إبراهيم الخالدة في التضحية والفداء ، والتى وضعت قواعد مناسك الحج ، كى تبقى مثار إعجاب البشر عبر التاريخ ، فالحج من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وهو ما يؤديه المسلم من خطوات قبل وأثناء ونهاية رحلة الحج ، وهي الخطوات التي أراها الله عز وجل لنبيه وخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
وللحج قصة بطلتها امرأة مصرية جاء ذكرها باسمها في الأحاديث النبوية، وأشير إليها دون تسمية في القرآن الكريم، وهي امرأة مكرمة في الإسلام، وعرفت في التاريخ الإسلامي بأم العرب ، إنها السيدة هاجر المصرية زوجة نبي الله إبراهيم، وأم نبي الله إسماعيل ومن نسله جاء خاتم المرسلين الرسول الكريم محمد بن عبد الله ، وهي أول من ثقبت أذنها وأطالت ذيلها من النساء، وقد كانت إحدى الأميرات المصريات ، وعندما أغار عليهم الغزاه ، تم أسرها وانتقلت فى أسرها إلى أن أصبحت جارية لسارة زوجة إبراهيم ٠
أهدت سارة زوجها إبراهيم جاريتها هاجر لعلمها أنه كان يريد أن يكون له ذرية ، فتزوجها وأنجبت له إسماعيل وهو في السادسة والثمانين من العمر ، ثم انتقل بها إلى مكة وأقامت في الوادي في “موضع السعي أيام الحج والعمرة ” فكانت أول من سكنها ٠
تعرضت السيدة هاجر في حياتها مع نبي الله إبراهيم لمحنتين شديدتين، الأولي عندما تركها إبراهيم مع ابنها الرضيع في صحراء جراد لا حياة فيها ولا ماء، فصبرت علي ذلك ، واستعانت بربها، ففجر لها بئر زمزم ، وجاءت إليها وفود الناس، فعاشت في أمن وسلام بجانب بيت الله الحرام، والثانية عندما رأي إبراهيم أنه يذبح ولدها إسماعيل فلم تعترض ، وقبلت قضاء الله بنفس راضية مطمئنة، ففدي الله ولدها بذبح عظيم.
وفي المحنة الأولى خرج إبراهيم بإسماعيل وأمه هاجر، وهو لا يدري إلى أين يأخذهما، فكان كل ما مر بمكان أعجبه فيه شجر ونخل وزرع قال إلى ههنا يارب فيجيبه جبريل عليه السلام إمض يا إبراهيم، وظل هو وهاجر سائرين، ومعهما ولدهما إسماعيل حتى وصلوا إلى مكة، حيث لا زرع هناك ولا ماء إلا حر الشمس، وأراد إبراهيم أن يترك هاجر وولدها إسماعيل، في ذلك المكان القاحل المقفر، حيث لا دار ولا طعام فيه ولا شراب، إلا كيسا من التمر وقربة صغيرة فيها قليل من الماء كانوا قد حملوهما معهما عند بدء رحلتهم. فخافت هاجر على نفسها الجوع والعطش، وعلى ولدها الهلاك، فتعلقت بإبراهيم عليه السلام تريد ألا تتركه يذهب، وراحت تسأله إلى أين تذهب يا إبراهيم وتتركني وطفلي في هذا المكان القفر، ألا تخاف أن نهلك جوعا وعطشا لم يجد خليل الله جوابا وإن رق قلبه وتحير في أمره.
ألحت هاجر في السؤال لمعرفة السبب، وظل إبراهيم منصرفاً عنها يناجي ربه ، ففطنت إلى الأمر وجاءت بما أنقذه من حيرته.. حين قالت له آلله أمرك بهذا قال نعم قالت إذا لن يضيعنا، وبذلك تكون السيدة هاجر هي أول من سكن مكة وولدها الرضيع امتثالاً لأمر الله ولحكمة أرادها سبحانه وتعالى.
وعندما نفد التمر والماء من بين يدي هاجر، واشتدت حرارة القيظ فعطشت هي وابنها. وراح إسماعيل في بكاء شديد، فلم تعد هاجر تطيق رؤية طفلها يتلوى من الجوع والعطش، فقامت تسعى بحثاً عن الماء في الوادي بين جبلين هما “موضع السعي الآن أيام الحج”، انطلقت هاجر تبحث عن الماء في كل اتجاه، وكان الصفا أقرب جبل إليها، فصعدت عليه وراحت تنظر يمنه ويسرة وفي كل ناحية فلاح لها على المروه سراب ظنته ماء ، نزلت عن الصفا وراحت تسعى مهرولة في الوادي باتجاه المروه، وفي ظنها أنها ستجد الماء ، وحينما لم تجد شيئا، وقفا منهكة تنظر وتتفحص فلاح لها سراب في الجهة الأخرى على الصفا وكأنه الماء فعادت مهرولة إلى الصفا ولكنها لم تجد شيئا ، وكررت ذلك سبع مرات إلى أن رأت تدفق الماء من بئر زمزم والذى لايزال جاريا وجعل الرسول فيه البركة بقوله ” ماء زمزم لما شرب له “.
اختلف الباحثون حول تفسير معنى اسم هاجر ، وورد في قاموس الكتاب المقدس أن اسم سامي معناه “هجرة” ، ويربط البعض اسم هاجر بقبيلة “الهاجريين” ، وهم سكان في بئر السبع، فيما يشير الإسم من الكلمة المصرية القديمة إلى “الزوجة الثانية للملك” ، وقيل إن الاسم بالهيروغليفية يتكون من شقين: أولهما “ها” وتعني زهرة اللوتس، والأخرى “جر” وتعني أرض جب بالمعنى التوراتى ، المعنى التوراتى (مصر) أي اسمها زهرة اللوتس وكنايتها المصرية. أي بحسب الترجمة المعنوية “زهرة اللوتس المصرية “.
والحج شعيرة دينية موجودة من قبل الإسلام، فرضها الله على أمم سابقة مثل أتباع ملة النبي إبراهيم الذين كانوا على الحنفية، فكان الناس يؤدونها أيام إبراهيم ومن بعده، لكنهم خالفوا بعض مناسك الحج وابتدعوا فيها، وذلك حين ظهرت الوثنية وعبادة الأصنام في الجزيرة العربية.
وعندما استدار الزمان على الفطرة التى خلق الله الناس عليها ، فرض الله الحج على المسلمين في السنة التاسعة للهجرة، وتعود مناسكة الحالية التى يؤديها المسلمون حتى يومنا هذا إلى الحجة الوحيدة التي قام بها سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ، وهي ما تعرف بحجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة، حيث أدى مناسك الحج الصحيحة، وقال “خذوا عني مناسككم”، وفي هذه المناسبة ألقى خطبته الشهيرة التي أعلن فيها إتمامه قواعد وأسس الدين الإسلامي ، بأداء الركن الخامس والأخير في الإسلام ، قائلا ” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا ” ٠
المصدر: أ ش أ