يستقبل المسلمون الاثنين فى كافة بقاع الأرض يوم عرفات (عرفة)، حيث يقبل الدعاء وتقال العثرات وتغفر الذنوب، ويقف الحجيج على صعيد جبل عرفات لتأدية أهم ركن فى مناسك الحج “فالحج عرفة” ويوم عرفة هو يوم الحج الأكبر، الذى سيظل مشهوداً مهيباً وجليلاً بمعناه الدينى والإنسانى والاجتماعي على مر الزمان، يأخذ قلوب ووجدان من أتمه هناك ومن شاهده عن بعد .
ففى “يوم عرفة” يتوافد جموع الحجيج من شتى بقاع العالم على جبل عرفات المقدس (الذي يبعد عن حدود مكة المكرمة بحوالي 22 كيلومترا)، لإتمام ركن الحج الأعظم، بعد أن لبوا نداء أبيهم إبراهيم وتهيئوا للحج بالنية والإحرام وطواف القدوم والتوجه للمبيت في المزدلفة، حيث سيقضى الحجيج يومهم فى الذكر والدعاء وهم على يقين بالإجابة.
أما عيون القابضين على الرغبة والتمني، الذين يلهبهم شوق الزيارة وعدم الاستطاعة، فهم يتابعون عن بعد بقلوب خاشعة هذا المشهد العظيم عبر وسائل الإعلام المرئية، مشهد تصعيد الحجيج على جبل عرفات فى ملابس إحرامهم البيضاء من الفجر للغروب، والكل يدعو الله أن لا تغرب شمس هذا اليوم إلا وهم من عتقائه من النار، وفضل يوم عرفة “اليوم التاسع من شهر ذي الحجة” عظيم على سائر الأيام الأخرى، وعلى أيام شهر ذى الحجة نفسه، وهو يوم عظم الله أمره، ورفع على الأيام قدره، فهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، ويوم مغفرة الذنوب والعتق من النار .
واليوم الذى أقسم الله به، والعظيم لا يقسم لا بعظيم، وصيامه يكفر سنتين، وهو اليوم الذى أخذ الله فيه الميثاق على ذرية آدم، وفيه تنزل الرحمات والمغفرة، ويدنو أرحم الراحمين من السماء الدنيا ويطلع إلى ضيوفه ويباهي بجمعهم ملائكته ويشهدهم أنه قد غفر لهم .
وفضل وقفة عرفة على باقى مناسك الحج لا يأتي من فراغ حيث يأخذ الوقوف على جبل عرفات الحجيج إلى مساحة من الصفاء والخشوع والشفافية، حيث يقضون يومهم من شروق الشمس إلى غروبها فى ذكر ودعاء، يحاورون الله بقلوب محترقة ودموع خائفة قلقة وهم على يقين بالإجابة، فكلهم راج أحسن الظن بوعد الله وصدقه، وتائب أخلص التوبة، وهارب من ذنوبه لاجئا إلى الله طارقا بابه، فكم من مستوجب للنار أنقذه الله وأعتقه بفضل هذا اليوم، وكم من أعسر الأوزار فكه وأطلقه.
وشعائر هذا اليوم فى مناسك الحج تبدأ بعد أن يصلى الحجيج صلاة الفجر في منى (التي تبعد 7 كيلومترات عن مكة) فينتظرون إلى شروق الشمس، ثم يسلكون طريقهم إلى عرفات وهم يرددون التلبية، ويقضون فيها النهار كله حتى غروب الشمس، حيث يدعون الله ويذكرونه ويبتهلون إليه كثيرا مقتدين في ذلك بفعل النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وتتخلل اليوم خطبة يوم عرفه يلقيها إمام الحجاج، ثم يصلون خلفه الظهر والعصر جمعا وقصرا بآذان واحد وإقامتين، وفيه يقضى المسلمون ساعات يومهم في الصلاة والدعاء والاستغفار وقراءة القرآن من شروق الشمس لغروبها، ثم النحر والحلق والتحلل ورمى جمرات العقبة مع بداية أيام التشريق.
وفى يوم عرفة، أتم الله دينه على أمة الإسلام، وفيه أعلن سيد الأنام في خطبة الوداع فى حجته الأولى والوحيدة اكتمال أركان الدولة الإسلامية ومبادئ حقوق الإنسان منذ أكثر من 14 قرنا، وفيها أرسى دعائم حقوق البشر، وهو ما يعمل المسلمون على تجديد العهد به فى كل مرة يقومون فيها بزيارة البيت العتيق للحج أو الإعمار، حيث تزكى هذه المناسك الشعور بالانتماء لأمة عظيمة، وهى أمة الإسلام.
المصدر: أ ش أ