احتفل المصريون بعيد وفاء النيل منذ حوالي سبعة آلاف عام، حيث يعد من أقدم الأعياد التاريخية في مصر، والذي كان يحتفل به في شهر أغسطس (بؤونة) وحتى يومنا هذا.. فالنيل ليس نهرا تشق مياهه أرض مصر فحسب، لكنه أكثر بكثير في دلالاته ومعانيه عند المصريين.
والمقصود بـ”وفاء النيل”، هو أن نهر النيل وفي للمصريين بالخير من طمي ومياه، ويرجع الفضل للنيل والشمس والنبات في عقيدة البعث عند الموت لدى المصري القديم، حيث شاهد النيل يفيض ويغيض ثم يفيض من جديد، والنبات ينمو ثم يموت ثم ينمو من جديد، والشمس تشرق ثم تغرب ثم تشرق من جديد.. فأدرك المصري القديم بالبعث ما بعد الموت فكان سببا مهما في تشكيل وترسيخ العقيدة لديه.
وتقدير المصريين القدماء للنيل لم يأت عشوائيا، ولكنه جاء إدراكا منهم لعطائه، ووصل التقدير إلي حد التقديس في شكل الإله (حابي) وغنوا له، وقدروا قيمته وعطاءه في حياتهم، فثروة البلاد وخصوبة الأرض وقوتها مرتبطة بنهر النيل، وفيضانه السنوي لأنه يأتي ومعه الخير.. ومن أهم نتائج هذا الارتباط أن صور المصري القديم “النيل” علي هيئة مخلوق يجمع بين صفات الرجل والمرأة دليلا علي الخصوبة، كما صور الفنانون في مصر القديمة (حابي) وفي يده حبل علي هيئة العلامة الهيروغليفية التي تعني (يوحد) من نبات البردي واللوتس مما يدل علي ربط مصر العليا والسفلي من خلال نهر النيل، الذي بدونه لا يستطيع الملك أن يحكم.
ونهر النيل ذكر في الحضارة المصرية القديمة كثيرا، كما أن هناك العديد من النقوش والرسوم المصورة والقطع الأثرية التي تقدسه وموجودة بالمتحف المصري بالتحرير، ومنها “أوستراكا ” مصور عليها المعبود حعبي وتمثال الملك خفرع الشهير الموجود عليه صورة “سما تاوي”، ومعناه موحد الأرضين ويقصد به النيل، إلى جانب المراكب التي كانت تستخدم للصيد والحرب والسفر ونقل الحجارة وغيرها، حيث كان النيل عاملا مهما في الدبلوماسية السياسية المصرية كوسيلة للنقل والترحال والتبادل الثقافي والحضاري بين مصر والدول الأخرى.
وقال عالم المصريات الدكتور زاهي حواس، فى تصريح اليوم /الأربعاء/، “إن المصري القديم راقب النهر، وكان يترقب شهور الفيضان بظهور نجم (سوبر) في أفق السماء، ومع قدوم الفيضان كانت تبدأ السنة الزراعية، كما ابتكر مقياس النيل ليعرف كم ارتفاعه وحجم الخير القادم من الجنوب حتي يستعد إذا ضن النهر بخيراته، فكان لابد من استعدادات خاصة بتخزين القمح والغلال كما حدث في قصة سيدنا يوسف عليه السلام، كما لدينا قصة أخري اسمها (لوحة المجاعة) في جزيرة سهيل بأسوان، وهي تحكي ما فعله الملك في العصر الروماني عندما قالوا له “إن النيل لن يأتي من منابعه فكان عليه أن يقدم القرابين حتي يجود النهر بخيره من جديد”.
وأشار إلى أن الأعياد عند المصري القديم تعددت وكان ملوك الدولة الحديثة يشهدونها، خاصة مهرجان زيادة النيل، الذي كان يبدأ بمركب الكهنة الحاملين لزورق آمون رع المقدس، ويسير الملك في هذا الموكب الذي تتقدمه تماثيل قدماء الملوك، وخلال ذلك كان الناس يبتهلون إلي النيل.
وأوضح أن الملك قبل الفيضان كان يركب النيل ويتوجه إلي مجراه العلوي فيبلغ جبل السلسلة، ويغيب في مضيقه الضيق ويحاول استعطافه بالهدايا فيقدم إليه ثورا ويقذف في أمواجه بردية فيها كلام سحري يستحث النهر علي الخروج من الأرض.
ومن جانبه، أكد الآثري على أبو دشيش عضو اتحاد الأثريين المصريين أنه لا يوجد نص صريح في التاريخ يروي أن المصري القديم كان يقدم قربانا بشريا “عروس النيل” احتفالا بوفاء النيل، ويعتقد أنها أسطورة نسجها الخيال المبدع للمصري القديم تقديرا منه لمكانة النيل، ورغم ذلك عاشت تلك الأسطورة في خيال ووجدان المصريين وتناولها الأدباء والكتاب والسينما، ومازالت تتردد حتى الآن كواقع.
وسرد أسطورة عروس النيل، والتي تقول “إن المصريين القدماء كانوا يقدمون للنيل “الإله حابي” في عيده فتاة جميلة حيث كان يتم تزيينها وإلقاؤها في النيل كقربان له، وتتزوج الفتاة بالإله حابي في العالم الآخر، إلا أنه في إحدى السنين لم يبق من الفتيات سوى بنت الملك الجميلة فحزن الملك حزنا شديدا على ابنته، ولكن خادمتها أخفتها وصنعت عروسة من الخشب تشبهها وألقتها في النيل دون أن يتحقق أحد من الأمر، وبعد ذلك أعادتها إلى الملك الذي أصابه الحزن الشديد والمرض على فراق ابنته”.. ومن هنا ووفقا لهذه الأسطورة جرت العادة على إلقاء عروسة خشبية إلى إله الفيضان كل عام في عيد وفاء النيل.
المصدر: أ ش أ