رغم أن خسوف القمر ظاهرة كونية طبيعية يعرفها العالم منذ آلاف السنين ، إلا أن موكب الزمان حملها ليخرجها من الجهل إلى العلم ، فحظيت باهتمام بالغ على صعيد المسئولين والحكوميين وفى المراصد والمراكز العلمية البحثية فى العالم، واستولت على اهتمام وشغف هواة الفلك وعشاقه كونها ظاهرة تتعلق بثلاثة اجرام هى الشمس والقمر والأرض.
فما بين التنين المؤذى للقمر والحوت الذى يأكله، والحور العين الذين يخنقونه ولدت أسباب تخيلية كثيرة لخسوف القمر ، أسباب بعيدة كل البعد عن التفسير العلمى الصحيح لتلك الظاهرة ، وتفسيرها وقوع كوكب الأرض بين الشمس والقمر، فتحول الأرض بينهما وتحجب أشعة الشمس عن القمر ذلك الجرم المعتم الذى يستمد نوره من الشمس ، فاذا حالت بينهما الأرض وقع الخسوف وبدا القمر معتما ، وحدوث هذا يكون عند إكتمال القمر بدرا.
وبمجرد حدوث ظاهرة الخسوف يعود بعض الناس إلى تذكر الأفكار والمعتقدات والعادات والتقاليد القديمة التى كانت سائدة فى القرون الوسطى وما قبلها فى شأنها ، فقد كان العرب فى الجاهلية يعتقدون أن الخسوف يحدث عندما يتطاول الحوت لأكل القمر المغلوب على أمره ، ولفك أسره من بين أنيابه كانوا ينشدون أناشيد أسطورية مخصصة لذلك الحدث ، حتى يرق قلب الحوت ويترك القمر لحال سبيله ، وكانوا يعتقدون أيضا أن القمر فى ضائقة أو أسر، فيدقون على المعادن محدثين ضجيجا وجلبة، وهم يدعون ” يا رب خلصه”، معتقدين أن الضجيج يؤذى الحوت، ويجعله يلفظ القمر من فمه .
أما عرب الجاهلية الأولى فكانوا يتابعون لون الخسوف ، فإذا كان اللون البارز أسود ، اعتقدوا أن مرضا فى طريقه إليهم، وإن كان أحمر بلون الدم تنبؤوا أنهم مقبلون على حرب تسيل فيها الدماء كما يسيل الماء فى النهر، وإذا مست الحامل بطنها عند خسوف القمر ولد الجنين ونصف وجهه أسود، ولفك السحر نصيب من معتقدات الجاهلين الأولين خلال الخسوف ، حيث كانوا يضعون وعاء كبيرا به ماء طيلة فترة خسوف القمر مع قراءة أذكار معينة ، معتقدين أن ذلك يجعل هذا الماء دواء ناجعا فى إبطال كل سحر .
ولشعوب الأرض طقوسهم الخاصة عند حدوث الخسوف ، فالصينيون لم يكتفوا بدق الطبول، بل اتخذوا خطوات أكثر إيجابية بتوجيه سهامهم نحو الشمس لإرهاب التنين ، وأهل الهند كانوا يهرعون إلى الترع والأنهار ويغطسون فيها إلى رقابهم ليساعدوا القمر للتخلص من الخسوف ويقوي على مقاومة التنين ، أما رومانسية الشعب الهاييتى فكانت تجعلهم يعتقدون بوجود علاقة عاطفية بين الشمس والقمر، لذلك يحدث الكسوف والخسوف عندما يلتقيان.
وأطرف ما أحيط بظاهرة خسوف القمر كان على يد المستكشف “كريستوفر كولومبوس “، فأثناء إبحاره فى الطريق إلى الهند قرر بحارته رغما عنه التوقف فى جزر جامايكا للراحة، بعد أن أنهكهم البحر برياحه وامواجه وتقلباته ، وزادت معاناتهم برفض سكان تلك الجزيرة التعاون معهم وإمدادهم بالماء والطعام وهم يتضورون جوعا ويكادوا أن يموتوا عطشا.
وكان كولومبوس يحمل معه دائما كتاب تقويم الفلكى “يوهانس موللر”، ومنه عرف بقرب حدوث خسوف للقمر ، فوقف خطيبا فى سكان الجزر ، وهددهم بضرورة إمدادهم بالطعام والماء لأنه قادر على أن يفعل بهم ومعهم أى شيء، مدللا على صدق كلامه بجعل القمر يختفى بعد قليل، وعندما بدأ القمر فى الاختفاء تدريجيا نظرا لحدوث الخسوف أصيب سكان الجزيرة بالرعب وتوسلوا إليه ألا يؤذيهم وأعطوه أضعاف ما طلب.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)