تنطلق اليوم الأربعاء في العاصمة البلجيكية بروكسل القمة السادسة والعشرون لحلف شمال الأطلسي “الناتو”، والتي تستمر لمدة يومين، في ظل أجواء يخيم عليها التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الحلف الأوروبية نتيجة مطالبة الرئيس الامريكي دونالد ترامب بضرورة زيادة الإنفاق العسكري لباقي الدول الأعضاء.
ويطالب ترامب الأعضاء الأوروبيين بمواصلة رفع حجم إنفاقهم على الدفاع التزاماً بتعهدهم بزيادة النسبة إلى 2% من إجمالي الناتج المحلي للدول الأعضاء بحلول عام 2024، في الوقت الذي ينظر كثير من دول الاتحاد الأوروبي إلى هذا الأمر بشكل سلبي.
ومن المقرر أن تناقش القمة عددا من القضايا على رأسها الإنفاق العسكري للدول الأعضاء، والتعاون مع الاتحاد الأوروبي، وتعزيز استراتيجية الدفاع المشتركة، والحرب ضد الإرهاب، زيادة الإنفاق العسكري في أفغانستان، وتقديم الدعم لدول الشرق الأوسط مثل فتح مراكز تدريبية في العراق لتدريب القوات العراقية على مكافحة الإرهاب، ودعم الأردن فيما يتعلق بالأمن السيبراني.
وينتظر أن يتبنى قادة الناتو مبادرة الاستعداد “الثلاثينيات” وهي الالتزام بحلول عام 2020 بتوفير30 كتيبة آلية و30 سربًا جويًا و30 سفينة قتالية جاهزة للاستخدام في غضون 30 يومًا أو أقل، وذلك لتعزيز قوة الحلف للردع والدفاع. كما سيوافق القادة على هيكلة قيادة جديدة مرنة لحلف الناتو، بما في ذلك قيادة جديدة للمحيط الأطلسي في نورفولك بولاية فيرجينيا، وقيادة للتحرك العسكري في أوروبا في “أولم” بألمانيا، ومركز عمليات الكترونية.
وقد تعهد حلف الناتو والاتحاد الأوروبي أمس الثلاثاء، بتعزيز الترابط المشترك قبل قمة اليوم في الوقت الذي ينظر الكثيرون إلى هذه القمة وكأنها تشكل اختبارا للعلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة والشركاء الأوروبيين، خاصة أن القمة تأتي بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني، والتهديد بفرض عقوبات جديدة على الشركات الأوروبية المتعاملة مع طهران، وظهور بوادر حرب تجارية في الأفق، وخروج الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ، وأخيرا إعلان ترامب سحب تأييده للبيان المشترك لقمة السبع الاخيرة في كندا.
وكان الديمقراطيون في مجلس النواب الأمريكي قد أصدروا بيانا يشدد على أهمية حلف الناتو، داعين ترامب إلى إعادة التأكيد على دعم الولايات المتحدة لحلفائها.
وشهدت شوارع بروكسل يوم السبت الماضي مظاهرات ضمت نحو ألفي شخص للتعبير عن رفضهم لحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقمة الناتو مطالبين بعدم الاستجابة لمطلبه بزيادة الإنفاق العسكري وتخصيص المزيد من المال العام للمدارس والطاقة النظيفة.. ورفع هؤلاء المتظاهرون شعار “لنجعل السلام عظيماً مجدداً” في إشارة إلى شعار “لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً” الذي يرفعه ترامب.
وخلال قمة الناتو العام الماضي ، وجه ترامب انتقادات لاذعة لحلفائه الأوروبيين مطالبا بضرورة زيادة نفقاتهم الدفاعية، كما وجه خطابا منذ أسبوعين لتسعة دول أعضاء بالحلف، من بينهم ألمانيا وكندا والنرويج، لمطالبتهم برفع الانفاق العسكري.. وقبل يومين من انعقاد القمة دعا الرئيس الأمريكي دول الناتو، في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، إلى زيادة “مساهمتها المالية في الحلف بالتزامن مع خفض المساهمة الأميركية”.
وصرح في تغريدة أخرى “استعد للمغادرة إلى أوروبا لحضور قمة ناتو أولا، حيث تدفع الولايات المتحدة أضعاف ما تدفعه أي دولة أخرى في الحلف لحمايتهم، ليس عادلا لدافعي الضرائب الأميركيين ناهيك عن خسارتنا لـ 151 مليار دولار في التجارة مع الاتحاد الأوروبي، يفرض علينا الكثير من التعريفات الجمركية ويضع أمامنا الكثير من العقبات.”
وكان حلفاء الناتو قد وافقوا عام 2014 على وقف تخفيض النفقات العسكرية والبدء في الزيادة والتحرك نحو إنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع وذلك لمدة عشرة أعوام، ومنذ ذلك الحين أحرز الحلفاء تقدما كبيرا في هذا المجال. غير أن ألمانيا، القوة الاقتصادية الأولى في أوروبا، لاتزال ترصد 1.24% فقط من إجمالي ناتجها المحلي للنفقات الدفاعية، وهو ما يجعلها دائما محل انتقاد من ترامب.
في الوقت نفسه ، ساهمت الولايات المتحدة بأكثر من 71 في المئة من نفقات الحلف عام 2017، حيث شاركت بمبلغ 686 مليار دولار من أصل مبلغ إجمالي قدره 957 مليار دولار أنفقتها الدول الأعضاء الـ 29 على دفاعها.
في ظل هذا المشهد المتأزم، يصعب التكهن بالنتائج التي ستسفر عنها قمة بروكسل خاصة أنه سيعقبها “لقاء هيلنسكي” الذي يجمع ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي ينظر إليه الجميع بعين الترقب في ضوء أجواء الخلاف السائدة بين الولايات المتحدة وأعضاء التحالف الأوروبيين.
وكان ترامب قد أعلن في تغريدة له أمس الأول أن القمة المرتقبة مع بوتين قد تكون أسهل من الاجتماعات التي سيعقدها مع حلف (ناتو) وفي بريطانيا.
في ضوء ذلك ينظر المراقبون بعين القلق إلى ما ستحمله الأيام القليلة القادمة إلى حلف الناتو، ففي ظل تصاعد الخلاف بين قادة أكبر دول الحلف وترامب فضلا عن إعلان الأخير عن إعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإنه من غير المستبعد أن يفجر ترامب مفاجئة من العيار الثقيل قد تصل إلى إعلانه سحب القوات الأمريكية من أوروبا، وقطع التمويل الأمريكي للقوات الأوروبية وهو ما سيعني انهيار التحالف القائم منذ أكثر من 70 عاما.
ويرى المراقبون أنه في حال تحقق هذا السيناريو الكارثي ، فإن الفائز الأكبر سيكون بوتين الذي يشن هجوما مستمرا ضد توسع الحلف نحو الشرق، معتبرا ان ذلك يمثل تهديدا مباشرا لأمن روسيا القومي، خاصة بعدما عزز الناتو من تواجده الأمني في دول البلطيق وبولندا خلال الأعوام الماضية عقب ضم روسيا لمنطقة القرم في أوكرانيا.
وبناء على ذلك ، فإنه من الأفضل لترامب أن يستغل قمة “بروكسل” للتأكيد على وقوف الولايات المتحدة إلى جانب حلفائها خاصة أن غالبية الدول الأعضاء بحلف الناتو – غير الولايات المتحدة – تتحرك تجاه إنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع منها 20 % على تحديث المعدات تحقيقا لهدف الناتو، وهو ما أدى بدوره إلى زيادة ميزانية الدفاع المشتركة لدول الناتو لتصل إلى 14.4 مليار دولار منذ بدء الولاية الرئاسية لترامب وبالتالي فمن المفترض أن يحتفل الرئيس الأميركي بتلك الإنجازات بدلا من مهاجمة حلفائه حتى يشجع تلك الدول على زيادة وتيرة إنفاقها الدفاعي.
المصدر : أ ش أ