جاءت استقالة وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، من منصبه الوزاري احتجاجا على خطط رئيسة الوزراء تريزا ماي، المتعلقة بالتعامل مع دول الاتحاد الأوروبي بعد الانسحاب منه، لتعمق الأزمة الحكومية في المملكة المتحدة، موجها صفعة غير متوقعة لماي، التي توصلت قبل أيام إلى موافقة وزراء كبار “بشق الأنفس” على استراتيجيتها للخروج من الاتحاد الأوروبي، والتي تضمنت بقاء بريطانيا على صلة وثيقة بقواعد الاتحاد فيما يتعلق بالسلع المصنعة.
وتكمن حساسية استقالة جونسون في كونه لم يكن وزيرا عاديا في مجلس الوزراء، بل كان واجهة حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي خلال استفتاء عام 2016، مما يعني أن استقالته ستثير التكهنات حول الصعوبات والتحديات التي تواجهها القيادة، لاسيما مع اتهام جونسون لماي بالسعي إلى “نصف خروج من الاتحاد الأوروبي”، مؤكدا في خطاب استقالته أن حلم الاقتصاد المفتوح يموت، وأن مقترحات ماي للتجارة بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي ستجعل من بريطانيا “مستعمرة” له ، لأنه لا تزال قطاعات كبيرة من الاقتصاد مغلقة في نظام الاتحاد الأوروبي.
ومما زاد من عمق الأزمة وظهورها للعلن، أن استقالة جونسون جاءت بعد ساعات من إقدام ديفيد ديفيز وزير شئون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي في الحكومة البريطانية “المكلف بملف بريكست” على الخطوة نفسها، بعد يومين من اجتماع بين ماي ووزرائها خلُص إلى الإعلان عن اتفاق حول الرغبة في الحفاظ على علاقة تجارية وثيقة مع الاتحاد الأوروبي بعد خروج البلاد من التكتل، حيث قال ديفيز في رسالة استقالته المسببة إن الطريق المتّبع لن يؤدي إلى ما صوت البريطانيون من أجله، مشددا على أنه في أحسن الأحوال ستكون بريطانيا في موقع ضعيف للتفاوض مع بروكسل.
الاحتجاجات على خطط ماي – الغارقة في انقسامات أكثريتها حول مستقبل المملكة المتحدة خارج الاتحاد الأوروبي – تعززها ضربة مزدوجة لرئيسة الوزراء البريطانية أضعفت من موقفها، حيث تزيد مغادرة جونسون وديفيز المخاطر بالنسبة لماي، التي توصلت بصعوبة إلى اتفاق مع حكومتها للإبقاء على أوثق علاقات تجارية ممكنة مع الاتحاد الأوروبي، ما جعل المراقبين للشأن السياسي في البلاد يرون أن بقاء حكومة ماي بات أمرا مؤقتا، حيث تتركها الاستقالتان في حالة من الضعف الشديد على رأس حكومة غير قادرة على التوحد بشأن أكبر تحول في مجالي السياسة الخارجية والتجارة منذ قرابة نصف قرن.
ورغم تعيين ماي لوزير الصحة جيريمي هانت وزيرا جديدا للخارجية، خلفا لبوريس جونسون، واختيار الحكومة البريطانية وزير الإسكان السابق، دومينيك راب، لتولي مسئولية التفاوض للخروج من الاتحاد الأوروبي، إلا إن الأمر برمته يثير العديد من التساؤلات بشأن ما إذا كانت الزعيمة البريطانية ستحاول الصمود والتقيد بالتزامها نحو مواصلة نهج “مؤيد للأعمال” للخروج من الاتحاد الأوروبي أو ستواجه مزيدا من الاستقالات والمطالبات لها بالاستقالة.
وفي أول تعليق له عقب توليه المنصب، قال هانت وزير الخارجية الجديد إنه سيساند رئيسة الوزراء حتى التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، مؤكدا حرص الحكومة على أن تكون بريطانيا دولة مستقلة عن الاتحاد الأوروبي.
فيما سيتحمل وزير دولة لشئون الإسكان دومينيك راب النائب المشكك بجدوى الاتحاد الأوروبي والذي يبلغ 44 عاما من اليوم وصاعدا عبء تمثيل المملكة المتحدة في مفاوضات خروجها من التكتل، والتقاتل مع القادة الأوروبيين، الذين ملوا من مماطلة الحكومة البريطانية حول توجهات بريكست، أما المفوضية الأوروبية فقد أكدت أن هذه الاستقالة لا تشكل بالنسبة لها مشكلة بشأن التفاوض الذي سيتواصل بنية حسنة مع رئيس الوزراء ماي والمفاوضين البريطانيين.
ويقترح مشروع تيريزا ماي، إنشاء منطقة تبادل حر وإقامة نموذج جمركي جديد مع الدول الأوروبية الـ27 الأعضاء في الاتحاد، بهدف المحافظة على تجارة “بدون صدامات” مع أوروبا، وقد رحبت أوساط الاقتصاد والمال من جهتها بمشروع ماي ورأت أنه يتضمن منعطفا طفيفا نحو “بريكست أقل تشددا” يلبي رغباتهم.
ويتضمن المشروع عدة نقاط وهي قبول المملكة المتحدة “التنسيق والتوافق” المستمر مع قواعد الاتحاد الأوروبي بشأن تجارة السلع، وتغطي فقط تلك الضرورية لضمان تجارة بلا قيود أو خلافات، وترتيب جمركي جديد، بهدف التوصل إلى “منطقة جمركية مشتركة”، وانتهاء السلطة القضائية لمحكمة العدل الأوروبية على النظام القضائي البريطاني، ولكن المملكة المتحدة ستأخذ قرارات المحكمة بعين الاعتبار في المجالات التي تتعلق بالقواعد العامة، ويكون للبرلمان القول الفصل حول كيفية دمج هذه القواعد في قانون المملكة المتحدة، وانتهاء حرية التنقل بشكلها الحالي، لكن “إطار التنقل” سيضمن استمرار سفر مواطني المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى أراضي الطرف الآخر والتقدم للدراسة والعمل، وستكون المملكة المتحدة قادرة على التحكم في الرسوم الجمركية الخاصة بها وتطوير سياسة تجارية مستقلة، وستكون هناك ترتيبات مختلفة للتجارة في قطاع الخدمات، بما في ذلك المنتجات المالية، مع مرونة تنظيمية.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)