منحت نتائج القمة الأفريقية العادية الحادية والثلاثين التي اختتمت أعمالها أمس الأول بالعاصمة الموريتانية نواكشوط دفعة جديدة لملف إقامة منطقة التجارة الحرة في أفريقيا، حيث شهدت القمة توقيع 5 أعضاء جدد على اتفاقيتها، وهي تشاد، سواستيني بوروندي، لوسوس ناميبيا جنوب أفريقيا، وسيراليون، ليصبح عدد الدول الموقعة عليها حاليا 49 دولة، إلى جانب اعتماد ملاحق الاتفاقية، ما يمهد الطريق لإقامة تلك المنطقة التي ستعمل على تشبيك التكتلات الاقتصادية في القارة، وإزالة الحواجز بين دولها وصولًا للسوق الأفريقية المشتركة.
وتهدف تلك الاتفاقية إلى تسهيل حركة السلع بين الدول الأعضاء والتي تشكل أكثر من نصف الناتج القومي للقارة، حيث ستفتح آفاقًا كبيرة لعمليات التبادل التجاري بين الدول الموقعة عليها، وستسهل عملية انتقال السلع والبضائع والاستثمارات، ما يسهم في خفض الأسعار وهو ما يصب في مصلحة المواطن الأفريقي، وستساعد في بناء أفريقيا بالطريقة التي يريدها الأفارقة، وتحولها من قارة طاردة إلى جاذبة للسكان والاستثمار، ولذلك فإنها تعد طوق النجاة للقارة السمراء التي تعاني من صراعات داخلية ونزاعات حدودية بين الدول والتي ترتبت على الخرائط التقسيمية الاستعمارية القديمة.
وبموجب التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة فإن الدول الأعضاء سوف تستفيد من إقامة منطقة التجارة الحرة الجديدة بصورة تدريجية، تبدأ بتحرير التجارة السلعية، حيث تنص الاتفاقية على تطبيق مبدأ المعاملة الوطنية بمنح كل دولة عضو معاملة لا تقل تفضيلًا عن تلك الممنوحة لمثيلاتها من المنتجات المحلية، فضلًا عن إلغاء رسوم الواردات وإلغاء القيود غير الجمركية وأى رسوم ذات أثر مماثل من شأنها التأثير سلبًا على تدفق التجارة البينية، كما ستلتزم الدول الموقعة على الاتفاقية بعدم فرض أي قيود كمية على الصادرات أو الواردات، وكذلك اتخاذ كل التدابير اللازمة للتعاون الجمركي والتدابير الخاصة بمكافحة الإغراق والرسوم التعويضية.
خطوة في الاتجاه الصحيح ذات أهمية كبيرة على طريق التكامل والتعاون الأفريقي وإن كانت قد تأخرت كثيرًا، لما تمثله أفريقيا من الناحية العملية من سوق كبيرة جدًا تلائم دولها؛ نظرًا لتقارب مستويات جميع الأعضاء، وخاصة وأنه ستكون هناك التزامات بتجويد منتجاتها وخفض أسعارها على الدول الأعضاء، ومن ثم فإن من يتفوق في هذا التكتل بعد تفعيل وانضمام بقية الدول لمنظمة التجارة العالمية، يستطيع أن ينافس إقليميًا ودوليًا، ولا بد أن تتبع تلك الخطوة تسهيلات لإزالة الحواجز الجمركية حتى تتمكن تلك الدول من التعامل مستقبلًا مع منظمة التجارة وتنافس على المستوى العالمي.
تتسم التكتلات الاقتصادية الأفريقية بالقوة، وأهمها التكتلات الثلاثة وهي الكوميسا (السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا)، والسودام (تجمع تنمية الجنوب الأفريقي)، واتحاد شرق أفريقيا، ويبلغ تعداد سكان الدول الأعضاء في التجمعات الثلاثة ما نسبته نصف سكان قارة أفريقيا، كما يبلغ الناتج القومي للدول الـ 26 نحو 4 تريليونات دولار سنويًا، مما يجعلها واحدًا من أكبر أسواق العالم.
وانطلاقًا من دعمها للمساعي الإقليمية نحو التكامل والتي يتبناها الاتحاد الأفريقي بالتعاون مع التكتلات الاقتصادية المقامة في القارة الإفريقية، وضعت مصر استراتيجية لتنمية العلاقات التجارية المصرية – الأفريقية؛ لتحقيق مجموعة من الأهداف على رأسها تشكيل مصالح ومنافع مشتركة وتكامل وثيق مع دول القارة للعمل على الخروج بمصر في علاقاتها مع الدول الأفريقية من دائرة كونها مشتركة بحصتها في مياه النيل إلى مفهوم جديد واشمل، يعتمد على دفع عجلة التنمية الاقتصادية في إطار متوازن بين دول القارة والعمل على زيادة حجم التجارة البينية.
وفي هذا الإطار حرصت مصر على تقديم تقرير حول “منطقة التجارة الحرة القارية”، خلال مشاركتها في أعمال القمة، وقام الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، نيابة عن الرئيس عبدالفتاح السيسى، بإلقاء التقرير الذي أكد فيه دعم مصر الكامل لعملية التفاوض وتمسكها بالحفاظ على الزخم القائم في هذا الشأن للمضي قدما على جناح السرعة من أجل اختتام المفاوضات في الوقت المحدد وفقا لخارطة الطريق ذات الصلة، مجددًا حرص مصر على أن تكون في طليعة الدول الأربع والأربعين الموقعة على الاتفاقية المنشئة لتلك المنطقة الحرة، وذلك في القمة الاستثنائية الأخيرة التي عقدت بكيجالي عاصمة روندا في شهر مارس الماضي كخطوة كبيرة إلى الأمام على طريق التكامل الاقتصادي، وصولا إلى الهدف الرئيسي الذي ننشده، وهو الجماعة الاقتصادية الإفريقية تنفيذًا لمعاهدة أبوجا.
وشدد أن الطريق ما زال طويلًا ويتطلب منا جميعًا الاستمرار في التعاون الوثيق والعمل الدؤوب لاستكمال المفاوضات بحسب برنامج العمل الانتقالي، وبدء العمل دون تباطؤ في مفاوضات المرحلة الثانية، والمتعلقة بالمنافسة والاستثمار وحقوق الملكية القارية، للوصول للهدف النهائي الذي يكفل الازدهار لاقتصاداتنا والرخاء لشعوبنا، موضحا أن الدافع إلى النجاح في إنشاء منطقة تجارة حرة قارية في أفريقيا يستند إلى الرؤية المتكاملة لضرورة خلق فرص اقتصادية حقيقية لرواد الأعمال والمستثمرين داخل القارة، مؤكدا ضرورة أن يتم تحرير تجارة السلع بصورة مرضية لطموحات الشعوب الإفريقية ومجتمعات رجال الأعمال الأفارقة، مع مراعاة خصوصية الصناعات الوليدة وذات الأهمية الإستراتيجية، بما يسمح بمواجهة التحديات الراهنة في مجال المنافسة على الأسواق العالمية.
ومصر الحاضرة دومًا في المفاوضات كانت قد مهدت الطريق نحو توقيع هذا الاتفاق، باعتبار أن لها رؤية استراتيجية اقتصادية في القارة الأفريقية، إذ بدأ التشاور حول الاتفاق منذ عام 2008 حيث تم عقد القمة الأولى بأوغندا والتي شهدت توافق وتأكيد الدول المشاركة على وضع حجر أساس نحو تحقيق الجماعة الاقتصادية الإقليمية، وبعد 3 سنوات انعقدت القمة الثانية بجنوب أفريقيا والتي شهدت بدء المفاوضات ووضع خطوط عريضة لخارطة الطريق لإنشاء منطقة التجارة الحرة، كما تم وضع الإطار المؤسسي ومبادئ ومراحل التفاوض، وشهدت قمة شرم الشيخ والتي انعقدت في عام 2015 إطلاق منطقة التجارة الحرة للتكتلات الثلاثة الاقتصادية (الكوميسا – السادك – جماعة شرق إفريقيا) وصدر إعلان ختامي للقمة، وتم اعتماد المرحلة الأولى من المفاوضات وخارطة طريق لما بعد التوقيع، الأمر الذي ساهم في حسم المفاوضات في كيجالي، وتم توقيع اتفاق إطلاق منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية تحت اسم “اتفاق التكتلات القارية في أفريقيا”، بعد مفاوضات استمرت قرابة الـ 10 سنوات، حيث وقعت مصر و43 دولة أفريقية ليصل إجمالي عدد الدول الموقعة على الاتفاق لـ 44 دولة، الأمر الذي يعتبره المهتمون بشأن التجارة في العالم الاتفاق الأكبر من حيث الدول المشاركة فيه منذ إنشاء منظمة التجارة العالمية.
وتزامن هذا التوقيع مع جهد جاد من الاتحاد الأفريقي لفض المنازعات وإقرار السلام، ما سيسهم في إنعاش التجارة وأن تصبح تلك المنطقة الحرة إنجازًا كبيرًا جدًا، فقارة أفريقيا تمتلك من الثروات الطبيعية ما لا يتوفر في أي مكان آخر في العالم”، ويعمل الاتحاد الأفريقي بقوة منذ سنوات تأسيسه على تنشيط حركة الاستثمار وفتح مجالات للعمل وتبادل السلع فيما بين دوله.
واستندت فكرة التكامل الإقليمي الاقتصادي الأفريقي من خطة عمل لاجوس لعام 1980، وكذا معاهدة أبوجا لعام 1991 حيث فكرة إنشاء الجماعة الاقتصادية الإفريقية للوصول إلى الولايات المتحدة الأفريقية، وفي إطار عملية التكامل في القارة الأفريقية جاء قرار التجمعات الثلاث (الكوميسا والسادك وجماعة شرق أفريقيا) البدء في إجراء مفاوضات فيما بينهم لإبرام اتفاق التكتلات.
من ضمن أهداف الاتفاق تقديم المعونات الفنية لبعض الدول الأفريقية لمساعدتها في التنمية، وتعزيز التواجد المصري في أسواق الدول الأفريقية من خلال التواجد السلعي للمنتج المصري في أسواق تلك الدول مع استيراد المواد الخام المتاحة والسلع الأخرى التي تحتاج إليها لزيادة اعتماد دول حوض النيل على السوق المصرية كمستورد رئيسي لسلعهم.
ويمكن لهذا الاتفاق أن يكون وسيلة لزيادة حجم التجارة بين مصر ودول التكتلات الثلاث في القارة مع تذليل العوائق الجمركية بين البلدان الموقعة على الاتفاق، كونه يضم سوقا يبلغ عدد سكانه 1.2 مليار نسمة، وناتجا محليا إجماليا قدره 2.5 تريليون دولار، وكذلك يشجع التجارة الأفريقية على التنويع بعيداً عن صادراتها التقليدية من السلع الأساسية خارج القارة، كما أن حجم التجارة الداخلية في أفريقيا 20 % فقط، ويعطى الاتفاق فرصة ذهبية للتواجد المصري بقوة في عدد دول أكبر وبتسهيلات أفضل تتيح نفاذ بضائع مصنعة بمصر لكافة الدول الأفريقية بخلاف الاتفاقات الإقليمية الأخرى، ويتيح تحقيق قيمة مضافة للسلع المصنعة، داخل مصر ورفع القدرة التنافسية، لتلك السلع وزيادة حركة التجارة البينية والاستفادة من المواد الخام والثروات الطبيعية، وكذلك دخول مصِر في شراكات واستثمارات كبيرة مع دول التكتل وإتاحة مساحة كبيرة لحرية حركة رؤوس الأموال والأفراد ورجال الأعمال، بما ينعكس إيجابيًا على توفير المزيد من فرص العمل أمام شباب مصر والدول الأفريقية.
المصدر : أ ش أ