اذ تحل اليوم “السبت” الذكرى الخامسة لثورة 30 يونيو ، فان هذه الثورة تشكل يوما خالدا في تاريخ مصر وثقافتها وهويتها باجماع المثقفين الوطنيين المصريين.
وفيما تحتفل وزارة الثقافة بكل قطاعاتها وهيئاتها بالذكرى الخامسة لثورة 30 يونيو تتفق الجماعة الثقافية المصرية على أن هذه الثورة المجيدة انتصرت للهوية المصرية والثقافة الوطنية بفضل “شجاعة قائد وبسالة شعب في مواجهة طغمة ظلامية إرهابية دبرت بليل لاسقاط اقدم دولة في التاريخ وتقسيم شعبها الواحد الذي لايقبل القسمة ومسخ هويتها الأصيلة ورسالتها الحضارية الخالدة للعالم بأكمله”.
فبقدر ماحمل الهتاف الخالد :”تحيا مصر” منذ خمسة اعوام رسالة إرادة وتفاؤل وامل في الثقافة السياسية المصرية ورفض الشعب المصري للفاشية المتسترة بشعارات دينية والاستسلام للتدهور العام ولقوى الهيمنة ومخططات تزييف الوعي والتاريخ فان هذا اليوم سيبقى علامة تاريخية تؤكد انتصار الهوية المصرية والثقافة الوطنية.
وفي مقابلة تلفزيونية ، أعاد الأكاديمي والناقد ووزير الثقافة الأسبق الدكتور جابر عصفور للأذهان مشاهد في ثورة 30 يونيو تذكره بمشاهد في ثورة أخرى للشعب المصري وهي ثورة 1919 فيما تتوالى طروحات وتعليقات المثقفين في الصحف ومختلف وسائل الاعلام حول هذا الحدث التاريخي الذي انقذ مصر من السقوط في مستنقع الأفكار الظلامية وحال دون سقوط دولتها الوطنية.
وتحل الذكرى الخامسة لثورة 30 يونيو المجيدة والنجاحات تتوالى على ارض الواقع لكل من يقرأ المشهد المصري بتجرد وموضوعية ويسترجع المثقفون دروس وعبر هذه الثورة الخالدة فيما يؤكد الكاتب والروائي والنائب البرلماني يوسف القعيد على أهمية توثيق احداث ثورة 30 يونيو 2013.
ولاحظ القعيد اننا نحتفل بمرور خمس سنوات على هذه الثورة بينما لاتتناسب قلة الكتابات الثقافية والأفلام والمسرحيات بشأنها مع هذا الحدث بدوره الجوهري في حياتنا وأوضح ان ماوجده من محاولات توثيق ماجرى في الثلاثين من يونيو “اقل من القليل” مضيفا :”نحن جميعا نتحمل هذه المسؤولية” ليخلص الى ان “الواجب الذي لايحتمل مناقشة يفرض علينا ان نوثق لما جرى”.
وفي الاتجاه ذاته دعا الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة “لأن نحفظ للتاريخ قدسيته ولهذا الشعب دوره وانجازاته” مؤكدا ان ثورة 30 يونيو “لم تكن خروجا عاديا للملايين ولكنها كانت تمثل التحدي الأكبر لإنقاذ وطن” ومعيدا للأذهان ان مصر كانت “على أبواب فتنة كبرى يمكن ان تعصف بكل مقوماتها وتدمر كل ماقامت عليه ثوابتها الفكرية والدينية والاجتماعية والتاريخية”.
وفيما تواصل ثقافة ثورة 30 يونيو ترسيخ حضورها وطرح اسئلتها تستدعي هذه الذكرى الكثير من الدروس والعبر على امتداد مصر المحروسة مؤشرة من جديد على اهمية “الاصطفاف الوطني” واستلهام المباديء والقيم الإيجابية للثقافة الوطنية المصرية في مواجهة التحديات واستحقاقات العصر وعملية التطور الديمقراطي التي سعت جحافل الظلاميين التكفيريين لاجهاضها وتوهمت ان بمقدورها ترويع المصريين.
وتصف الكاتبة والأديبة سكينة فؤاد ماحدث في يوم الثلاثين من يونيو عام 2013 “بالخروج العظيم لملايين المصريين لاسترداد ثورتهم واسقاط حكم الجماعة التي لاتؤمن بفكرة الوطن” مؤكدة ان “الأرصدة الشعبية الحامية لثورة 30 يونيو لن يستطيع احد ان يزيف وعيها او يهزم صمودها الأسطوري”.
ورأى الكاتب مرسي عطا الله ان ثورة 30 يونيو لم تكن “ثورة تقليدية بالمعنى التقليدي للثورات التي يسيطر فيها الغضب على العقل بقدر ماهي رمز للانقاذ والخلاص” فيما استرجع محاولات فلول الظلام “لاثارة الانقسام المجتمعي”.
ويقف المثقفون المصريون صفا واحدا مؤازرين حماة الوطن في الجيش الوطني الباسل والمنحاز لارادة الشعب في مواجهة فلول جماعات ظلامية حاولت خطف إرادة المصريين بل وخطف وطن بأكمله والعدوان على هويته بمكوناتها الثقافية البالغة الثراء والتنوع.
ولعل من اهم المعاني التي انطوت عليها ثورة 30 يونيو انه لااحد يستطيع قهر ارادة المصريين ماداموا في حالة اصطفاف وطني كما يحمل هذا اليوم العظيم رسالة لكل من يحاول ترويع شعب مصر بأنه لن يكون اقوى من القرار الذي اتخذه هذا الشعب في 30 يونيو 2013 فيما كان خروج الملايين من ابناء مصر في هذا اليوم “ملحمة شعبية ستبقى دوما في ذاكرة التاريخ”.
ولئن حق القول بأنه لاعودة للماضي فمن الحق القول ايضا بأنه لايمكن عودة حكم الفاشية المتسترة بشعارات تتمسح بالدين والتي اطاحت بها الثورة الشعبية في الثلاثين من يونيو 2013 لينتصر هذا الخطاب لارادة شعب مصر في رفض جماعات الظلام التكفيري الارهابي.
وكان السفير محمد ادريس مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة قد اكد في بيانه ان مصر لاتزال تخوض حربا ضروسا ضد التكفيريين ليس فقط دفاعا عن حقوق شعبها وانما دفاعا عن حقوق كل شعوب العالم في الحياة الآمنة وتهيئة المناخ الملائم للتنمية المستدامة باعتبارها احدى ابرز حقوق الانسان التي تحول هذه الظاهرة الخبيثة دون تحقيقها.
ولفت ادريس الى ضرورة محاسبة الدول التي لاتلتزم بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي المعنية بمكافحة الإرهاب بما في ذلك القرارات التي تتناول مكافحة تمويله وحظر توفير الملاذ الآمن للإرهابيين فضلا عن مكافحة التحريض على العنف والإرهاب.
وفيما قررت وزيرة الثقافة ايناس عبد الدايم فتح جميع المسارح والمتاحف والبيوت الثقافية بمختلف المحافظات للجمهور مجانا بمناسبة الذكرى الخامسة لثورة 30 يونيو فقد رأت كمثقفة مصرية ان هذه الثورة التي صنعها الشعب وباتت عيدا لكل المصريين تؤكد وعي وثقافة الشعب المصري وتطلعه الى مستقبل افضل برسم خارطة الطريق لمسيرة التنمية الشاملة.
وإذ ترسخ ثقافة هذه الثورة نظاما اقتصاديا واجتماعيا يجسد اهدافها في الواقع واوجه الحياة اليومية ويستعيد فاعلية مصر في محيطها الاقليمي والعالم فان سلطة 30 يونيو تبدو في سباق مع الزمن ونجحت بالفعل في انجاز مشاريع وطنية كبرى في مقدمتها قناة السويس الجديدة كما تسعى جاهدة لتعظيم شبكات الحماية الاجتماعية .
ورغم كل ما تتعرض له مصر من الفتن والمؤامرات والإرهاب والظروف الاقتصادية الصعبة كما يقول فاروق جويدة بجريدة الأهرام فان معركة التنمية والبناء لم تتوقف وقد شهدت مصر اكبر شبكة كهرباء في عصرها الحديث واكتملت المنظومة مع المدن الجديدة ومشروعات الإسكان للشباب ومواجهة العشوائيات ثم كانت مشروعات قناة السويس وإنتاج الأسماك وزراعة مليون ونصف مليون فدان بجانب اكبر شبكة للطرق.
وتسعى المنظومة الثقافية المصرية للتعبير عن حقائق التحولات العملاقة في الواقع المصري عبر تجليات إبداعية مثل احتفالات تشارك فيها فرقة السويس للفنون الشعبية فضلا عن البيت الفني للمسرح ومركز طلعت حرب الثقافي الذي يقيم أمسية فنية اليوم “السبت” في منطقة “السيدة نفيسة” القاهرية وكذلك احتفالات دار الأوبرا المصرية.
وكان رئيس هيئة قناة السويس الفريق مهاب مميش قد أوضح في مقابلة تلفزيونية بمناسبة الذكرى الخامسة لثورة 30 يونيو ان قناة السويس حققت خلال الفترة الماضية اعلى دخل في تاريخها منذ افتتاحها فيما ارتفع تصنيفها مع تنمية محور القناة لتحتل المرتبة الأولى عالميا.
وأضاف انه تم خفض توقيت الإبحار اليومي في المجرى الملاحي من 22 ساعة الى 11 ساعة مع رفع درجة الآمان الملاحي وتيسير عملية المرور بعد إضافة المجرى الجديد الذي يهدف لخدمة العالم بأكمله.
وهذه الإنجازات ماكانت لتتحقق لولا حالة الأمن والاستقرار التي أخرجت مصر من المأزق التاريخي الذي حقق أهدافه في دول عربية أخرى انقسمت وتشرذمت وهاجرت شعوبها امام مؤامرات دولية مرسومة كما يقول الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة الذي يعيد للأذهان ان الجيش بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي كان يدرك مسؤولية اللحظة “وان ماتواجهه الدولة المصرية يهدد كيانها في كل شييء”.
ورأى الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة ان اسقاط حكم الجماعة الظلامية الارهابية كان “انجازا تاريخيا بكل المقاييس” ، موضحا ان “خروج الملايين من الشعب المصري والدعم التاريخي للجيش نقطة تحول خطيرة في انتفاضة هذا الشعب”.
وفي سياق الذكرى المجيدة لثورة 30 يونيو التي انقذت مصر من التسلط الظلامي ، لفت فاروق جويدة الى ان هذه الثورة كانت “لحظة مضيئة وسط ظلام دامس ومحنة سياسية رهيبة واجهت فيها مصر حشود الظلام” ، بينما تتوالى طروحات لمثقفين يؤكدون على اهمية “الذاكرة والهوية وهما البعدان المرتكزان على الثقافة بالمعنى الشامل”.
وكان الكاتب الكبير في جريدة الأهرام مرسي عطا الله قد اعتبر ان ماحدث في 30 يونيو 2013 هو “انتصار للوعي ضد الزيف وهزيمة لمحاولات غسل العقول باسم الدين والدين منها براء وهذا هو التفسير الصحيح والمنطقي لقوة الاندفاع الجماهيري نحو الشوارع والميادين رفضا للتخلف الذي اراد ائمة الجماعة فرضه على المجتمع ضد تيار التاريخ وضد التطور الانساني”.
واوضح اننا “نرى رؤية العين على ارض الواقع ان ثورة 30 يونيو بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي لم تحرز فقط نجاحا ملموسا على ارض مصر وحدها وانما ثبتت اقدامها ونشرت افكارها في محيطها العربي الذي كان يتوق لحدث كبير يشكل صدمة عنيفة لقوى الشر التي استهدفت المنطقة تحت مظلة كثيفة من تزييف الوعي وتزوير الوثائق وبالاستخدام الخاطيء للدين”.
وفيما يتوهم التيار الظلامي الارهابي امكانية استعادة حكمه الفاشي لشعب مصر ويبحث عن ثغرة تمكنه من هذه العودة المستحيلة بحكم الواقع ودروس التاريخ يمضي شعب مصر العظيم بعد ثورة 30 يونيو بخطى واثقة على طريق الاصلاح الاقتصادي من اجل مستقبل افضل وبيقين مستقر في القلوب بأن عقارب الساعة لن تعود للوراء.
وهكذا حق للكاتبة والأديبة سكينة فؤاد ان تصف يوم الثلاثين من يونيو 2013 بأنه “يوم من اعظم ايام مصر في تاريخها القديم والحديث” تماما كما يحق لها ان تقول :”خابت كل الظنون والتوقعات التي حلمت بالفوضى الخلاقة تجتاح مصر وتدمرها والحرب الأهلية تحرقها وانتصرت ارادة وصلابة شعب اصبحت حرفة من حرفه وابداعاته الأساسية صناعة النصر في لحظات مصيرية وفاصلة ومليئة بالمخاطر والتحديات”.
ولايمكن في هذا السياق التقليل من حجم واهمية الحقوق الثقافية التي تضمنها الدستور الجديد بعد ثورة 30 يونيو جنبا الى جنب مع الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية وكذلك ينبغي التوقف مليا امام مغزى التحرك الايجابي على المستوى الرسمي لاقامة “مجتمع المعرفة” وهو ماتجلى في التوجيه الرئاسي بتدشين “مدينة المعرفة ضمن العاصمة الادارية الجديدة” وبكل مايعنيه هذا التوجه من اطلاق للطاقات الابداعية و تفاعل خلاق مع ظواهر الكوكبية والعولمة وتغيير جذري في الاقتصاد والانتاج والاستهلاك.
ويتفق المثقفون الوطنيون المصريون على ان ثورة 30 يونيو “ستبقى واحدة من اعظم التحولات في تاريخ مصر بينما كان المفكر الراحل و”الحاضر في الثقافة المصرية والعربية” السيد يسين كان قد رأى بعد تأمل عميق في السياسات والمشاريع التنموية التي بادر بها الرئيس عبد الفتاح السيسي وفي مقدمتها مشروع قناة السويس الجديدة واصلاح مليون ونصف المليون فدان ان مايحدث على الأرض المصرية يشكل عودة حميدة “للدولة التنموية”.
واوضح يسين الذي قضى في التاسع عشر من مارس عام 2017 ان المهمة الرئيسية للدولة التنموية هي التنمية الشاملة من خلال القيام بمشروعات تنموية كبرى وهي لاتستبعد اسهام القطاع الخاص في التنمية على ان يعمل تحت اشرافها ورقابتها مضيفا ان الدولة المصرية بعد 30 يونيو 2013″ تجددت بعد ان ركزت على ان التنمية القومية هي مهمتها الرئيسية واداتها في رفع مستوى حياة ملايين المصريين في ضوء اعتبارات العدالة الاجتماعية”.
واذ دعا هذا المفكر المصري لتجدد كل الأطراف والقوى من احزاب ومؤسسات للمجتمع المدني ونخب سياسية وثقافية وصولا “لدولة المشاركة الجماهيرية في مجال التنمية القومية” فان اللحظة الراهنة تدعو كل المصريين للعمل بلا هوادة من اجل مستقبل افضل يقوم على التنمية المستقلة باعتبارها السبيل الحقيقي لتحرير الارادة الوطنية المصرية.
ولايمكن في الذكرى الخامسة لثورة 30 يونيو تجاهل مغزى المشهد المصري الفريد والهتاف الخالد تحت شعار “تحيا مصر” حيث كانت كل كل اطياف المجتمع المصري في الشوارع والميادين تؤكد على ان “الوطن اولا” وتستظل بعلم مصر ولاتلوح سوى بهذا العلم تماما كما تنطق بأهمية الحلم الوطني الواحد وبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.
فالحشود المليونية غير المسبوقة تصدت منذ خمسة اعوام للجماعة التي حاولت التسلط على المصريين كانت تصنع ثورة جديدة هي في الواقع ثورة انسانية ستبقى في انصع صفحات التاريخ الانساني وسجل الثورات العالمية وتؤشر لمعنى الحلم الواحد لشعب واحد.
وفي الذكرى الخامسة للحدث العظيم وبعد ان تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود هاهو شعب مصر العظيم يستدعي مخزونه النضالي ويعبر التحديات والمسافات الصعبة كادحا نحو الغد الأفضل..فتحية لشعب عظيم وثورة إنسانية خالدة.
المصدر : أ ش أ