شعبي العزيز..إخواني وأولادي .. في هذا اليوم الأغر من أيام وطننا المحبوب.. في هذا اليوم الذي ننتقل فيه من مرحلة إلى مرحلة أخرى من مراحل التاريخ، ونطوي مع انبلاج صبحه، صفحة من الماضي بكل ما تحمله وما انطوت عليه، لنفتح صفحة جديدة تتمثل في هذه الاتفاقية التي نالت بموجبها الكويت استقلالها التام وسيادتها الكاملة”.
بهذه الكلمات خرج أمير الكويت الراحل الشيخ عبدالله السالم فى 19 يونيو عام 1961 على شعبه، ليعلن انتهاء معاهدة الحماية البريطانية على الكويت، من خلال توقيع وثيقة استقلال البلاد مع المندوب السامي البريطاني في الخليج العربي السير جورج ميدلتن، نيابة عن الحكومة البريطانية، والتى يتصادف اليوم الذكرى ال57 لها.
وبدأت الحماية البريطانية على الكويت، بناء على طلب من الأمير الراحل الشيخ مبارك الصباح، الحاكم السابع لدولة الكويت، والملقب ب”مبارك الكبير”، في 23 يناير 1899، بسبب الخلاف مع الدولة العثمانية؛ حيث تم توقيع اتفاقية بين الجانبين، من أبرز ملامحها، عدم قبول الأمير الراحل تعيين أي وكيل أو قائم مقام من جانب دولة أو حكومة الكويت، دون موافقة مسبقة من الحكومة البريطانية، وموافقته على تعيين بريطانيا، معتمداً لها في الكويت، وهو الكابتن نوكس، الذي وصل إلى الكويت في أغسطس 1904، واستمر متقلداً هذا المنصب حتى 28 أبريل 1906، وبعد ذلك توالى تعيين المعتمدين السياسيين بالكويت، حتى إعلان استقلال الكويت عام 1961.
واستغل الكويتيون هذه المعاهدة في بناء وتدعيم وإرساء قواعد الدولة الحديثة؛ حيث أن تلك المعاهدة وفرت لحكام الكويت الاستقرار السياسي الخارجي إلى حد كبير، والحماية من الأخطار والأطماع الخارجية التي كانت تحيط بالكويت، مما جعل هذا الاستقرار الخارجي عامل بناء في الداخل، واستطاع حكام الكويت أن يهتموا ويبنوا الإمارة بعد أن تخلصوا من هواجس الأطماع الخارجية، فشيدت المدارس مثل المدرسة المباركية، والمدرسة الأحمدية.
كما تم إنشاء مجلس الشورى عام 1921، ونظمت أول انتخابات في الكويت للمجلس البلدي عام 1932، وكذلك المجلس التشريعي عام 1938، ومجلسي الصحة والمعارف عام 1936، ودائرة الأمن العام فى 1938، ودائرة الأيتام عام 1939، كما وقع الأمير الراحل الشيخ أحمد الجابر الصباح، اتفاقية مع شركات أمريكية وبريطانية للتنقيب عن النفط عام 1934.
وبدأ الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح الملقب ب”أبو الدستور”، الانطلاقة الحقيقية على طريق الاستقلال، بعد أن اتخذ خطوات حثيثة باتجاه قيام الدولة الدستورية المستقلة منذ توليه الحكم عام 1950؛ حيث عمل على استصدار القوانين والتشريعات التي تدعم قيام الدولة المستقلة، ومن بينها قوانين الجنسية وتنظيم القضاء عام 1959، وقانون النقد عام 1960، وتأسيس إدارة الفتوى والتشريع في العام ذاته، وتنظيم الدوائر الحكومية، وغيرها من القوانين والنظم التي تعتبر من مقومات الدولة .
ونتيجة لتوافر العديد من العوامل التي أسهمت بشكل مباشر وغير مباشر في استقلال الكويت، سواء داخلية أو خارجية، ارتفعت الأصوات الداخلية المطالبة بالاستقلال، وهو الأمر الذي دفع الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح، لأن يلعب دوراً فاعلاً في استثمار تلك المعطيات لإعلان استقلال الكويت، فأبدى للحكومة البريطانية رغبة الكويت في إنهاء معاهدة الحماية البريطانية، واستبدالها باتفاقيات أخرى تناسب المستجدات السياسية في البلاد، وتتوافق مع الواقع العربي والدولي آنذاك.
وشدد الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح، خلال مباحثاته مع الجانب البريطانى، على ضرورة احترام رغبة الكويتيين بالاستقلال التام، حتى تحقق له ما أراد فى 19 يونيو عام 1961، حين تبادل مذكرتين مهمتين مع المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي آنذاك السير ويليام لوس، تضمنتا إلغاء معاهدة 1899، كونها تتنافى مع سيادة الكويت واستقلالها، وأن تستمر العلاقات بين بريطانيا والكويت على أساس الصداقة الوثيقة.
وفرضت المرحلة الجديدة للاستقلال، اتخاذ إجراءات قانونية ودستورية ودبلوماسية عديدة، أبرزها صدور مرسوم أميري يدعو إلى إجراء انتخابات عامة لمجلس تأسيسي يتولى عند تأليفه، إعداد دستور للبلاد، وخلال تسعة أشهر من تاريخ هذا المجلس، أنجز مشروع دستور الكويت، الذي تكون من 183 مادة، وقدم للأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح، والذي صادق عليه وأصدره فى 11 نوفمبر 1962، ولهذا أطلق عليه “أبو الدستور”، واستبدل علم الكويت الذي كان باللون الأحمر وتتوسطه كلمة “كويت”، بالعلم بشكله الحالي المكون من 4 ألوان هى الأخضر والأبيض والأحمر والأسود، وأجريت تنفيذاً لأحكام الدستور أول انتخابات نيابية في تاريخ الكويت الحديث؛ لاختيار خمسين نائبًا يمثلون عشر دوائر انتخابية في 23 يناير عام 1962، ثم افتتح الأمير الراحل في 29 يناير 1963 أول مجلس للأمة في تاريخ الكويت.
ومثل استقلال الكويت، بداية مرحلة جديدة لدخولها ضمن دول المجتمع الدولي؛ حيث أنشئت بداية وزارة الخارجية فى 19 أغسطس 1961، لتحقيق التعاون مع مختلف دول العالم، ولتقوم بدورها المنوط بها، وكانت فى البداية تحت مسمى (دائرة للخارجية) تختص دون غيرها بالقيام بالشؤون الخارجية للدولة، ودمج سكرتارية حكومة الكويت بدائرة الخارجية، والتى تولاها حينذاك الشيخ صباح السالم الصباح رئيسا للخارجية، ثم وزيرا للخارجية بعد تحويلها الى وزارة فى أول تشكيل وزاري تم فى 17 يناير 1962.
ثم قدمت الكويت بعد استقلالها طلباً لعضوية جامعة الدول العربية؛ حيث عقد مجلس الجامعة اجتماعاً فى 16 يوليو 1961، وأصدر قراراً بقبولها عضواً إلى جانب شقيقاتها الدول العربية، وفى 30 نوفمبر 1961، بدأ مجلس الأمن الدولي النظر في طلب الكويت الانضمام إلى عضوية منظمة الأمم المتحدة، وفى 14 مايو 1963، تمت الموافقة على انضمام الكويت لتصبح العضو ال111.
وتكريما للأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح، ودوره الكبير في استقلال الكويت وإرساء دعائم الدولة الحديثة، صدر مرسوم أميري فى عام 1963، بدمج العيد الوطني للدولة بعيد الجلوس الموافق 25 فبراير من كل عام، وهو ذكرى تسلمه مقاليد الحكم فى الكويت عام 1950، ومن هذا اليوم بدأ الكويتيون فى الاحتفال بعيد الاستقلال فى 25 فبراير من كل عام، بدلا من 19 يونيو.
المصدر : أ ش أ