أحيا استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم واستعداداتها لاحتمال ضم الاقليم الجنوبي من أوكرانيا إليها مخاوف وحسابات وردود فعل كانت قد خمدت منذ سقوط حائط برلين عام 1989.
فلم يتأكد بعد ما إذا كانت محاولة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمنع أوكرانيا وهي من الجمهوريات الاستراتيجية في الاتحاد السوفيتي السابق من التحول إلى الغرب ستصبح نقطة تحول في العلاقات الدولية مثل هجمات تنظيم القاعدة عام 2001 على الولايات المتحدة أو أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.
لكن المسؤولين عن السياسات والمحللين الاستراتيجيين يتدارسون عواقب احتمال تطور الأمر إلى حرب طويلة بين الشرق والغرب، كذلك بدأت دول في المنتصف مثل ألمانيا وبولندا تدرس إدخال تعديلات غير مريحة على سياساتها.
وتطرح المواجهة أسئلة صعبة عن التوازن بين العقوبات والدبلوماسية ووضع اختبارات لولاء الحلفاء وزيادة خطر انتشار المواجهة لتشمل صراعات أخرى واحتمالات نشوب حروب بالوكالة.
وقال المحلل الروسي ديمتري ترينين من مؤسسى كارنيجي للسلام الدولي في مقال نشر بمجلة فورين بوليسي “مرحبا بالحرب الباردة الثانية”.
وأضاف “وضعت التطورات الأخيرة فعليا حدا لانقطاع الشراكة والتعاون بين الغرب وروسيا الذي ساد في ربع القرن الذي انقضى بعد الحرب الباردة.”
وترينين ليس وحيدا في النظر إلى الصراع على أوكرانيا باعتباره أكبر عامل لتغيير قواعد اللعبة في الأمن الأوروبي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991.
ورغم أنه لا يوجد من يتصور أن القوى العظمى عائدة إلى حافة المواجهة النووية أو الحشد العسكري المتبادل بين كتلتين إذ أن روسيا لم تعد لها كتلة مثلما كان للاتحاد السوفيتي فالتداعيات على المشاكل الأمنية الأخرى وعلى الاقتصاد العالمي كبيرة.
فمن الممكن إحياء صراعات مجمدة في مولدوفا وجورجيا وأذربيجان.
وفي برلين يشعر المسؤولون عن السياسات بالقلق خشية أن توقف روسيا التعاون مع الغرب بشأن برنامج ايران النووي والحرب الأهلية في سوريا والأمن في أفغانستان والتعامل مع زعيم كوريا الشمالية الذي يتعذر التنبؤ بخطواته.
وأي نقطة من هذه النقاط يمكن أن تقض مضاجع الولايات المتحدة وحلفائها في آسيا وأوروبا من خلال زعزعة استقرار الشرق الأوسط وجنوب آسيا أو زيادة التوترات في شبه الجزيرة الكورية.
وانشغلت العقول بما اتضح من أن ألمانيا القوة المحورية في اوروبا ليس لها نفوذ خاص لدى روسيا عندما تطرأ مشكلة وأن المستشارة انجيلا ميركل عجزت عن اقناع بوتين بتغيير رأيه رغم اتفاقهما في كثير من الأمور.
كان للتدخل العسكري الروسي في المناطق الانفصالية في جورجيا عام 2008 أثر أقل على المستوى العالمي من أحداث أوكرانيا لعوامل منها أن زعيما جورجيا أطلق الرصاصات الأولى كما أنه لم يسفر عن تغيير في الوضع القائم.
وعلى الرغم من مصالحها الاقتصادية الكبيرة في روسيا حيث تعمل 6500 شركة ألمانية واعتمادها على الغاز الطبيعي الروسي في سد 40 % من احتياجاتها فإن ستلزنمولر تتوقع أن تفاجيء ألمانيا الجميع بتشددها.
وتحتل موسكو المركز الحادي عشر بين شركاء برلين التجاريين وتأتي بعد بولندا، وقالت الهيئة الالمانية الرئيسية المختصة بالتجارة الاسبوع الماضي إن أي نزاع تجاري ينشب بين البلدين سيضر النشاط الالماني لكنه سيهدد في الوقت نفسه كيان الاقتصاد الروسي الراكد.
وكما يلاحظ حاكم هونج كونج السابق كريس باتن فإن جميع البيوت الأوروبية تقريبا بها سلع صينية لكن قلة منها لديها أي شيء أنتج في روسيا باستثناء الغاز والفودكا.
ومن الممكن أن يتعرض اقتصاد دول وسط أوروبا لمشاكل إذا تلاعبت موسكو بامدادات الغاز لكن المخزونات كبيرة والشتاء انتهى وروسيا تحتاج للايرادات.
وفي الحرب الباردة الأولى كان الصقور في حكومات الولايات المتحدة وأوروبا الغربية يخشون أن تبقى ألمانيا الغربية على الحياد في سعيها للوفاق مع الاتحاد السوفيتي وحلفائه في اوروبا الشرقية بما في ذلك ألمانيا الشرقية الشيوعية.
لكن هذا لم يحدث قط، وظلت بون طرفا أساسيا في المعسكر الغربي سياسيا وعسكريا. لكن هذه الفترة شهدت بعض المعارك الكبرى.
من ذلك صدام عام 1982 مع الولايات المتحدة حول صفقة لانشاء خط أنابيب للغاز بين ألمانيا والاتحاد السوفيتي كانت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان تخشى أن يجعل ألمانيا الغربية معتمدة اعتمادا كبيرا موسكو.
وأصر الألمان على موقفهم، وأقيم خط الانابيب وهو أحد الاسباب التي تجعل ألمانيا مرتبطة ارتباطا كبيرا بموارد الطاقة الروسية.
وهذا النزاع الذي جاء بعد عام من حملة عسكرية في بولندا بايعاز من موسكو قد يحمل دروسا لاي حرب باردة جديدة.
وبعد عام شهدت بون احتجاجات ضخمة وتهديدات من موسكو لكنها أصرت على نشر صواريخ نووية أمريكية متوسطة المدى على أراضيها ردا على نشر صواريخ اس اس-20 السوفيتية موجهة للغرب، وأدى ذلك في النهاية على وضع نهاية من خلال المفاوضات لسباق التسلح بين الشرق والغرب.
وآنذاك مثلما هو الحال الان وحد خطر روسي واضح الاوروبيين والامريكيين رغم الهواجس العلنية التي تنعكس اليوم في استطلاعات للرأي تشير إلى أنه لا الالمان ولا الامريكيين يحرصون على التشدد مع روسيا.
وآنذاك مثلما هو الحال الان اتجهت موسكو والغرب إلى الصين لمحاولة ترجيح الكفة.
وآنذاك مثلما هو الحال الان تبادل خبراء الاستراتيجية الامريكيون اتهامات بالسعي للتهدئة أو للحرب في جدالهم بين ضرورة احتواء روسيا وأخذ المصالح في الاعتبار.
وإذا تحرك بوتين لضم القرم فربما يضطر الاوروبيون للتفكير في تقديم بعض التضحيات لابداء مدى عزمهم.
وربما يعني ذلك لفرنسا تجميد عقد لبيع حاملة طائرات هليكوبتر لروسيا ولبريطانيا اغلاق قصورها وأقبية بنوكها في وجه كبار رجال الاعمال المقربين لبوتين ولألمانيا خطوات تدريجية أولى لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي.
وسيتطلب حدوث اي من هذه الأمور عزما وتصميما على غرار ما شهدته الحرب الباردة. وقد يتضح أن الحفاظ على الوحدة الاوروبية يمثل تحديا إذا ساءت الامور في ضوء العلاقات الوثيقة التي تربط دول في جنوب أوروبا مثل ايطاليا واليونان وقبرص وبلغاريا بموسكو
المصدر:رويترز