يترقب العالم كله خلال الأسبوع المقبل القمة التاريخية بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية المقررة في سنغافورة في 12 يونيو الحالي، باعتبارها حدثاً استثنائياً يفتح صفحة جديدة في علاقات البلدين ويحولها من العداء إلى التعاون، ويدشن مرحلة جديدة من تاريخ العلاقات الدولية عامة، ويحدث متغيرات جديدة في موازين علاقات القوة والمصالح في أمريكا وآسيا وباقي قارات العالم، بحكم تشابك المصالح وتعقيداتها بصفة خاصة.
وفي إطار الاستعدات غير المسبوقة والتحضيرات المكثفة لهذا الحدث العالمي، يجري الجانبان الكوري الشمالي والأمريكي محادثات على مستوى مجموعة العمل في قرية الهدنة “بانمونجوم” قبل أيام على لقاء القمة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة.
إذ يقوم الجانبان الكوري الشمالي والأمريكي بالتنسيق النهائي لأجندة قمة سنغافورة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج- أون التي ستركز على نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية وضمان واشنطن لأمن النظام الكوري الشمالي، وكان الجانبان الكوري الشمالي والأمريكي قد عقدا خمس جولات من المحادثات للتحضير للقمة في بانمونجوم منذ يوم 27 مايو الماضي.
بجانب الاستعدادات الدبلوماسية للقمة المرتقبة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، يجري فريقا البلدين تحضيرات لوجستية في سنغافورة، ويقود هذه الترتيبات عن الجانب الأمريكي، نائب رئيس الموظفين في البيت الأبيض، جو هاجين، والمسؤول الكوري الشمالي، كيم تشانج سون.
وأكدت حكومة سنغافورة أنها وضعت منتجع جزيرة سينتوسا الجنوبي كـ”منطقة خاصة”، وذلك لعقد قمة الاسبوع المقبل بين الرئيس الامريكي دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، وكانت سنغافورة قد أعلنت منطقة مركزية، مقرها وزارة الخارجية والسفارة الأمريكية والعديد من الفنادق كمنطقة خاصة من 10 إلى 14 يونيو 2018.
وتشير تقارير إلى أن سنغافورة تحظى باستضافة القمة والحدث التاريخي، لتميزها بسياساتها المحايدة والمستقلة تجاه مختلف القضايا الإقليمية والدولية، فقد كان موقفها من الأزمة الكورية الشمالية حياديا معتدلا، وترتبط بعلاقات استراتيجية قوية مع الولايات المتحدة، وتحتضن سفارة لكوريا الشمالية، فضلاً عن ذلك تعتبر سنغافورة واحدة من أكثر مدن آسيا قدرة تأمينية على استضافة المؤتمرات الإقليمية والدولية، ونظرا لما تتمتع به من بنية تحتية أمنية متميزة مقارنة بأي دولة آسيوية أخرى، كما أنها مشهود لها بالكفاءة القانونية والانضباطية والأمنية.
ووسط هذا الزخم الإعلامي للحدث المرتقب عالمياً، تُثار التساؤلات العديدة من قبيل: ما هى السيناريوهات المطروحة للقمة، وهل ستنجح فى حل الأزمة النووية مع كوريا الشمالية وتتحول بيونج يانج إلى دولة سلمية ـ وفق الرؤية الأمريكية ـ بحيث لا تهدد الأراضى ولا القواعد العسكرية الأمريكية فى كوريا الجنوبية واليابان، كما لا تهدد جيرانها فى سول وطوكيو بالدمار الشامل أو إزاحتهما من على الخريطة؟
وهل يمكن أن تفشل القمة وتعود اللغة العدائية والتهديدات والتجارب النووية والصاروخية من جانب كوريا الشمالية والتهديد بالمزيد من العقوبات من جانب واشنطن؟ فضلاً عن التساؤلات التي تُثار عن مضمون الصفقة التى يتم إبرامها سرا بين الجانبين، وستكون مطروحة على أجندة القمة للتوقيع عليها من الطرفين.
ووفقاً لمحللين فإن هناك عدة عواصم عالمية يجرى فيها العمل لإتمام القمة وخروج الصفقة المقترحة بصورة ناجحة، هى واشنطن، وبيونج يانج بشكل أساسى ثم سول وبكين اللتان يهمهما نجاح القمة وبذلتا جهوداً حثيثة وقوية لإتمام قمة ترامب ـ كيم، ما بين وساطة وضغوط، ثم اليابان التى تأمل أن يكون نجاح القمة بداية لإزالة الشكوك والمخاوف من التهديدات الكورية الشمالية.
وفي إطار الترقب الدولي لقمة ترامب ـ كيم وتداعياتها على علاقات التفاعل بين القوى الكبرى في هيكل النظام العالمي وتقديراً لمصالحها الاستراتيجية المستقبلية، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده سوف تساهم في إنجاح القمة المرتقبة بكل الطرق الممكنة، وقال:”إن جميع الدول المعنية بالأمر يجب أن تضمن أمن وسلامة كوريا الشمالية حتى تتم تسوية الأوضاع في شبه الجزيرة الكورية”.
واعتبر بوتين “أن المرحلة التالية في تسوية الأوضاع في شبه الجزيرة الكورية تتمثل في مشاركة متعددة الأطراف من قبل جميع الدول المعنية، لاسيما الإقليمية، في تقديم الضمانات الأمنية لبيونج يانج” وأن روسيا سوف تساهم في مشاريع بُنى تحتية رئيسية في كوريا الشمالية، مثل إنشاء خط سكة حديد بين روسيا وكوريا الجنوبية وكوريا الشمالية، وكذلك تدشين خطوط لنقل الغاز الطبيعي.
وفي توقيت بالغ الدلالة على الأجواء التعاونية المتزامنة مع القمة المرتقبة، قررت شركة الطيران الوطنية الصينية (اير تشاينا) استئناف رحلات طيران منتظمة بين بكين وبيونج يانج أمس الأربعاء ، وكانت الشركة قد علقت رحلاتها بين المدينتين إلى أجل غير مسمى في نوفمبر 2017 في وقت توترت فيه العلاقات بسبب برنامج بيونج يانج النووي وتأييد بكين لعقوبات صارمة فرضتها الأمم المتحدة على كوريا الشمالية ردا على البرنامج.
وكان الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون قد قام بزيارة إلى الصين في مارس 2018، أحيطت بقدر كبير من السرية، ولم يتم الإعلان عنها إلا بعد انتهائها، وتم خلالها مناقشة القمة المرتقبة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية.
يبقى القول إن قمة “ترامب- كيم” المرتقبة سوف تكون نقطة البداية في تدشين مرحلة جديدة في العلاقات الأمريكية الكورية الشمالية، ولن تؤدي القمة للتوصل لاتفاق نهائي للأزمة، لكن من المنتظر أن يعقبها اجتماعات مكثفة بين الأطراف المعنية تستمر بضعة شهور لعقد مفاوضات على كافة المستويات قبل التوقيع على أي اتفاق رسمي ينهي أزمة شبه الجزيرة الكورية.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)