ما أسرع خطى شهر رمضان الفضيل ، يأتى على شوق وبفرحة وتمضى أيامه على عجل، بالأمس القريب استقبله المسلمون بفرحة قفزت على كافة الصعاب والمشكلات والمتاعب التي سببها ارتفاع درجات الحرارة فى الأسبوع الأول منه ، و تخلل امتحانات نهاية العام لبعض المراحل الدراسية بين أيامه.
واليوم بدأ العد التنازلي لرحيل الشهر الكريم ، بعدما وصلت أيامه لثلثها الأخير ، وشرع يستعد للرحيل، وبدأت روائح عيد الفطر تزاحم أجواء رمضان مع اقتراب رحيله بكل ما حملته أيامه من روحانيات وعمل صالح وطلب للعفو والمغفرة والثواب، وعلو سام فوق المشاكل، فهذا الضيف العزيز على قلوب المسلمين عامة والمصريين خاصة لا يأتى سوى مرة واحدة فى العام.
ففى تمام الساعة 8 مساء اليوم الأربعاء ، و32 دقيقة سيصل القمر إلى طور التربيع الأخير من الشهر ، طبقاً للحسابات الفلكية التى أجراها المعهد القومى للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية ، وفى هذا الطور يضاء 50 فى المائة فقط من القمر الذى يعد من أكثر الأجسام سطوعا في الليل ، إذ يعكس الأشعة الساقطة عليه من الشمس ، وسيظهر القمر فى تربيعه الأخير فى سماء القاهرة من أواخر الليل وحتى بدايات النهار ، كما سيكون كوكب عطارد فى اقتران علوى مع الشمس ، ويبعد كوكب نيبتون درجتين شمالا عن مركز القمر٠
المسلمون عامة والمصريون خاصة يبتهجون بقدوم شهر رمضان، ويحزنون لفراقه ، فهو زائر كريم كثير الهدايا سريع الارتحال ، وفيه تتفجر ينابيع الخير والعطاء، وتحدث حالة من التكافل الاجتماعي غير المسبوق ، وفيه تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار، وتصفد الشياطين، وفيه ليلة عظيمة هي ليلة القدر خير من ألف شهر، حيث تعتبر أكثر ليلة مقدسة فى العام ، إلى جانب أن الصيام سنة كونية، تستهدف الحفاظ على صحة الكائنات الحية حيث يصوم جميعها، إما عند المرض أو التعرض للخطر أو في حالة البيات الشتوي، وذلك طبقا لما أكدته الأبحاث والدراسات العلمية، وفترة استغناء الكائنات الحية عن الطعام تختلف من نوع لأخر، والإنسان يمكنه العيش بلا طعام من 30 إلى 40 يوما.
أيام قليلة ويرحل رمضان بعد أن اكسب الصائمين قوى إضافية راقية وسامية ، ويزيد من مقاومتهم للجوع والعطش والتدخين ، ويوفر لهم الراحة النفسية بالتقرب إلى الله، ويكسر رتابة الحياة والملل من أنماطها المتكررة طوال العام، و يوحد المسلمين فى سلوك جماعي يجعلهم بمثابة أسرة واحدة، لا تفرق بين غنى وفقير أو جنس وعرق، فالجميع يفطر و يتسحر في نفس الوقت تقريبا.
وقام الصائمون بعمل صيانة دورية لأجهزة الجسم، فهو وسيلة لتخليص الجسم من السموم المختزنة، والصوم له أثره الإيجابي على تنشيط الخلايا الأكولة “مايسترو المناعة والمسئولة عن حماية الجسم من الأخطار” التى تعيش فى الدم لفترة قصيرة حتى يتم استدعاؤها لمناطق الالتهاب، فتستكمل نضجها ويزداد حجمها وتتحول إلى كيانات كاسحة ضد أي عدو يهدد الأنسجة، وتنقيها من البكتيريا والفيروسات والفطريات والخلايا السرطانية وحطام الخلايا المريضة وبقايا الالتهابات، وهو أيضا وسيلة لتفريغ الهموم و الشحنات الضارة، الأمر الذي يؤدى إلى رفع وزيادة مناعة الجسم ضد الأمراض المختلفة.
وكما يؤكد الدكتور مجدى بدران عضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة واستشارى اطفال ، وزميل كلية الدراسات العليا بجامعة عين شمس ، فإن الصيام فرصة للتخلص من “القمامة الخلوية من بقايا الالتهابات، ومكونات ضارة “، تسبب شيخوخة الخلية وتضعف كفاءتها الوظيفية، كما أن الصيام فرصة للتخلص والنجاة من إرهاب التبغ ، الذي يدمر آلية الالتهام الذاتي، ويشجع الخلايا على الانتحار المبرمج ببطء، و يدفع خلايا الرئة خاصة نحو مرض الانسداد الرئوي المزمن ذلك المرض التنفسي المزمن الذي يقيد تدفق الهواء وانسداد الشعب الهوائية مما يتسبب فى قصور وظائف الرئة مهددا الحياة.
والعلاقة بين الصوم والالتهام الذاتي، علاقة تكاملية تضمن بقاء المكونات الخلوية أثناء الجوع “فترة الصيام”، عند مستويات الطاقة الخلوية المثلى، وفيها يتم عزل المكونات الضارة عن بقية مكونات الخلية تمهيدا للتخلص منها، واختلال هذه العملية يمهد للإصابة بالسرطانات والعدوى المتكررة بالأمراض، والشيخوخة المبكرة، ونقص المناعة، بالإضافة إلى زيادة فرص الإصابة بالزهايمر.
الصوم والجوع يرتبطان بطول العمر والاحتفاظ بالذاكرة ونشاطها وارتفاع مستوى الذكاء، والصيام المنتظم والتغذية الجيدة وممارسة الحركة والرياضة (وأبسطها المشى)، كلها عوامل هامة لتنشيط و تقوية عملية الالتهام الذاتي للخلايا، مما يزيد من كفاءتها ويحميها من الشيخوخة والتلف والفناء المبرمج، فهذه العملية البيولوجية التى تقوم بها خلايا الجسم تلقائيا هي سر شبابها الدائم، و طريقتها الوحيدة للتخلص من المكونات المسنة داخلها وإحلالها بمكونات جديدة شابة تساهم فى بقاء الكائن الحي على قيد الحياة.
المصدر: أ ش أ