أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق النووي الإيراني الذي تم توقيعه في عام 2015 من إيران والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي (الولايات المتحدة والصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا) بالإضافة إلى ألمانيا والاتحاد الأوروبي.
وترى مجلة “ذا إيكونومست” البريطانية أن قرار ترامب يضعف الصفقة أو بالأحرى يقضي عليها. وبموجب هذه الصفقة تم تخفيف العقوبات على إيران في مقابل وقف برنامجها النووي، ولكن قرار ترامب الأخير يعني إعادة العقوبات، مما ينهي تعاملات الشركات الأمريكية مع إيران.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ إذ تجد الشركات الأوروبية أنها في مأزق. وتوضح “إيكونوميست” أن الولايات المتحدة قد فرضت عقوبات تتعلق ببرنامج إيران النووي في عام 2005 حينما أمر الرئيس جورج دبليو بوش بتجميد أصول الأفراد المرتبطين بالبرنامج، وبعد عامين قام الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات مماثلة وذلك من أجل الضغط على إيران للجلوس على طاولة التفاوض. ويمكن القول إن استخدام العقوبات قد نجح فعلاً.
وفي عام 2016، رفعت العقوبات عن إيران على الرغم من أن العقوبات المتعلقة بدعم إيران للإرهاب الدولي لاتزال قائمة. وتمكن العديد من الشركات الأوروبية وبعض الشركات الأمريكية من البدء في عقد صفقات تجارية مع إيران، ولكن الحذر من التعامل مع الحرس الثوري الإيراني الذي يسيطر على جزء كبير في اقتصاد إيران كان سبباً في انخفاض عدد الصفقات الاستثمارية طويلة الآمد التي تم الإعلان عنها.
وتشير مجلة “إيكونوميست” إلى أن إشكالية العقوبات الأمريكية بالنسبة للشركات الأوروبية تكمن في أنها خارج نطاق أراضيها؛ حيث تنطبق عقوبات الاتحاد الأوروبي على الشركات الأوروبية والمواطنيين الأوروبيين فقط، ولكن يختلف الوضع بالنسبة إلى العقوبات الأمريكية التي تتضمن عنصراً أساسياً ينطبق على المواطنيين الأمريكيين والشركات الأمريكية، ويشمل الحظر منع التجارة وتجميد أصول المواطنيين الذين ينتمون إلى البلد المفروض ضدها العقوبات، وكذلك فرض قيود على تصدير معدات محددة.
وتشمل العقوبات الأمريكية أيضاً مكوناً ثانوياً يتيح فرض العقوبات خارج الأراضي الأمريكية مما يشكل قيداً على الأفراد والشركات غير الأمريكية، ويعني ذلك أن أي شركة، حيثما وجدت، يجب أن تمتثل للعقوبات الأمريكية إذا كانت تستخدم الدولار في معاملاتها أو لديها شركة تابعة في الولايات المتحدة أو خاضعة لسيطرة الأمريكيين.
وترى المجلة أن بعض الكيانات الأوروبية سوف ينسحب من الصفقات مع إيران لتجنب العقوبات الأمريكية. وعلى سبيل المثال أعلنت شركة “توتال” (شركة فرنسية) أنها سوف تنسحب من صفقة تطوير حقل غاز إيراني ضخم، وفي الوقت نفسه ربما تلجأ شركات أخرى إلى الاستمرار في صفقاتها من خلال إجراء تعاملاتها الإيرانية باليورو، ولكن الكثير من الشركات سوف يضطر إلى الاختيار بين الصفقات التجارية الأمريكية والصفقات التجارية الإيرانية، وسوف تواجه الشركات التي تتعامل مع إيران صعوبة في التعاملات المصرفية نتيجة تردد البنوك الغربية في السماح بالمعاملات التي تدخل فيها إيران حتى ولو كانت قانونية.
وتلفت “إيكونوميست” إلى أن الاتحاد الأوروبي لا يزال لديه مساحة صغيرة للمناورة من خلال تفعيل “قانون التعطيل” المنصوص عليه في القوانين الخاصة بالاتحاد الأوروبي والذي يجعل امتثال شركات الاتحاد الأوروبي للعقوبات الأمريكية خارج حدودها أمراً غير قانوني. وإذا تم تطبيق قانون التعطيل، يمكن لشركات الاتحاد الأوروبي تجاهله وتطبيق العقوبات الأمريكية أو الامتثال لقانون التعطيل وانتهاك العقوبات الأمريكية.
وتختتم المجلة البريطانية قائلة: “ولكن بعضاً من دول الاتحاد الأوروبي هي التي طبقت التشريع الضروري لفرض تطبيق قانون التعطيل، ولذلك فإن الأمر برمته ربما يكون محل جدل. وكانت النمسا هي الدول الوحيدة التي رفعت دعوى ضد شركة لانتهاك قانون التعطيل، ولكن لم تذهب تلك القضية منذ عام 2007 إلى المحكمة أبداً؛ إذ تم إسقاط الإدعاء حينما حصلت الشركة على تراخيص أمريكية تسمح لها بالالتفاق على العقوبات التي تعتبرها الحكومة النمساوية غير قانونية”.
المصدر: وكالات