بات التقارب بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية أحد العوامل المهددة والضاغطة على علاقة واشنطن وطهران باتجاه احتمالات عزل إيران وانسحاب أمريكا من الاتفاق النووي الإيراني الموقع في 14 يوليو 2015.
وفي نفس الوقت تناور إيران لتحقيق بعض المكاسب من التقارب بين واشنطن وبيونج يانج، على خلفية العلاقات التاريخية بين طهران وبيونج يانج وباعتبارهما من الدول التي صنفتهم أمريكا بمحور الشر إضافة إلى العراق وسوريا وليبيا والسودان بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
تأثيرات سلبية على إيران
ووفقاً للخبراء في العلاقات الدولية، فإن القمة المرتقبة بين ترامب وكيم الثالث والمقرر لها في مايو الحالي أو يونيو المقبل، ستكون ذات تأثيرات سلبية على إيران الآن وفي المستقبل، وليس فقط على علاقات إيران الإقليمية والعالمية، بل تحمل تأثيرات سلبية على الداخل الإيراني على خلفية الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة والتي طالبت برحيل نظام الملالي في إيران، وذلك في ضوء الاعتبارات التالية:
.. الأول: أنه في حالة نجاح القمة المرتقبة بين ترامب وكيم الثالث والبدء في مرحلة سياسية جديدة بين واشنطن وبيونج يانج، تكون إيران قد خسرت حليفا مناوئا للسياسة الأمريكية وهو كوريا الشمالية، وباتت وحيدة في مواجهتها مع واشنطن، ومن هنا أصبحت طهران في بؤرة الاستهداف الأمريكي والإسرائيلي والدول الغربية على وجه العموم من أجل الحيلولة والحد من قدراتها النووية والعسكرية والصاروخية، والحد كذلك من تدخلاتها المستمرة في قضايا الشرق الأوسط.
وبالتالي ترى طهران أن موقفها في شأن استدامة الاتفاق النووي الموقع مع الغرب سيكون ضعيفاً وأنها ربما ترضخ في النهاية للمطالب الأمريكية المدعومة بمطالبات أوروبية لوضع حد لطموحاتها النووية والباليستية بعد عام 2025 وهو موعد انتهاء صلاحية الاتفاق النووي، إذ ترى الدول الغربية خاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا ضرورة التوصل لاتفاق تكميلي يحد من قدرات إيران النووية بعد 2023 وليس الانتظار حتى 2025.
وبناء على ذلك، ستجد إيران نفسها بمفردها في معركة الدفاع عن ما تعتبره حقوقها المشروعة في امتلاك برنامج نووي سلمي ترى أن تحقيقه أضحى ممكناً من خلال التزام كافة الأطراف المعنية بالاتفاق النووى الموقع عام 2015.
الاعتبار الثاني لتخوف إيران من التقارب الأمريكي مع كوريا الشمالية وتأثيرات ذلك التقارب سلبياً على طهران : هو خشية إيران من افتقاد الدعم التقني والتكنولوجي من جانب بيونج يانج وخسارة طهران البناء المعرفي الكوري الشمالي الذي اعتمدت عليه إيران في بناء منظومتها النووية والصاروخية ومعظم مجالات التعاون العلمي والتكنولوجي.
وفي حال التئام القمة الكورية الشمالية الأمريكية، بالتأكيد ستتباعد العلاقات بين طهران وبيونج يانج، وستكون الأخيرة حريصة على تفكيك أزمتها مع واشنطن وتكثيف علاقاتها مع كوريا الجنوبية تمهيدا لتحقيق حلم الوحدة الكورية ونزع السلاح النووي من المنطقة.
أما الاعتبار الثالث للمخاوف الإيرانية من التأثيرات السلبية للقمة الأمريكية الكورية الشمالية المرتقبة، وهو ذيوع قناعة لدى الغرب وأمريكا بأن الاستمرار في ممارسة الضغوط سوف يجبر الطرف الآخر على الاستسلام وتقديم التنازلات للطرف الأقوى، وبالتالي هذه القناعة ستخلق ليس فقط حالة من الإكراه والضغط النفسي والمعنوي على طهران للخضوع للمطالب الأمريكية حيال الاتفاق النووي، وإنما ستخلق قناعة لدى الدول الأوربية بضرورة استمرار الضغط على إيران للالتزام بما يريده الرئيس ترامب.
ليس هذا فحسب، وإنما نجاح واشنطن في علاقتها مع بيونج يانج بشأن وقف برنامجها النووي وتجاربها الصاروخية، سوف يحمل رسالة سلبية للداخل الإيراني بأنه من الأفضل الدخول في صفقة جديدة مع واشنطن، تنهي التوتر والعداء بين البلدين، وخطورة ذلك أن حدة هذه التأثيرات السلبية على إيران تتزامن مع تركيز أمريكي مدعوم من حلفاء إقليميين حريصين على نجاح إسقاط النظام الإيراني من الداخل ودعم تأسيس معارضة داخلية في إيران وتغذية تيارات الرفض داخل إيران للنظام الحاكم وسياساته وليست الاحتجاجات والمظاهرات الإيرانية على النظام ببعيد.
وساطة روسية غير مأمولة
فضلاً عن ذلك، إذا كان البعض يراهن على توسط روسيا لتقليص مساحة الخلافات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، خاصة مع اقتراب انتهاء المهلة التي حددتها الإدارة الأمريكية في 12 مايو الحالي، على نحو سوف يُدخل أزمة الملف النووي الإيراني مرحلة جديدة من التوتر والتصعيد، إلا أن روسيا لا تمتلك خيارات كثيرة في حالة ما إذا قبلت القيام بهذا الدور، خاصة في ضوء:
أولاَ: التشدد الذي تبديه إيران فيما يتعلق بإجراء مفاوضات جديدة حول القضايا الخلافية العالقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى رأسها برنامج الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي الإيراني في المنطقة والتفتيش على منشآتها النووية والعسكرية وغيرها.
ثانياً: الخلافات المتصاعدة بين روسيا والدول الأوروبية حول بعض الملفات الأخرى، وخاصة ما يتعلق بتطورات الأزمة في سوريا والتوتر المتصاعد مع بريطانيا حول محاولة اغتيال الجاسوس الروسي السابق سيرجي سكريبال، في 4 مارس 2018.
يدعم المخاوف الإيرانية من احتمالات الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، ما أقدم عليه ترامب من تغييرات في كبار المسئولين بإدارته وإقالة ريكس تيلرسون وزير الخارجية وتعيين المتشدد مايك بومبيو، ثم إقالة مستشار الأمن القومي الأمريكي هربرت ماكماستر واستبداله بالسفير جون بولتون، وهي تعديلات تجعل قرار السياسة الخارجية الأمريكية في أيدي أعتى المتشددين والأكثر عداءً لإيران والأكثر تحمساً لإنهاء ارتباط الولايات المتحدة الأمريكية بالاتفاق النووي الموقع مع إيران.
يبقى القول أن الفترة المقبلة سوف تشهد المزيد من الضغوط والتهديدات المتبادلة بين واشنطن وطهران حيال الاتفاق النووي، خاصة مع اقتراب التئام القمة الأمريكية الكورية الشمالية وتدشين صفحة جديدة في العلاقات بين واشنطن وبيونج يانج.