تحتفل شركة “مصر للطيران”- غدًا الاثنين- بعيدها السادس والثمانين، حيث تم تأسيسها في عام 1932، وطوال هذه السنوات ظلت مصر للطيران جزءًا مهمًا من تاريخ الوطن يتأثر به ويؤثر فيه.
“الخطوط الهوائية المصرية”، “مصر إيرورك”، “الطيران العربية المتحدة”، “مصر للطيران”، أسماء مختلفة لكيان وطني وُلد عظيمًا، عكست على مدار تاريخه مدى ارتباط هذا الكيان بالوطن مصر، سياسيًا واقتصاديًا.
فمصر للطيران ليست مجرد شركة طيران، بل هي تاريخ ومجهود لتحقيق حلم كيان معني بالطيران المدني يحمل اسم مصر، وحتى بعد تحقق الحلم وارتفاع مكانة مصر للطيران بين مصاف شركات الطيران العالمية، ظلت التحديات قائمة، ما بين أحداث سياسية يمر بها العالم أو مصر تتأثر بها الشركة فتعمل على تخطيها.
بدأت مصر للطيران كفكر للداعم الأكبر لإنشائها طلعت حرب باشا الاقتصادي الكبير، الذي حمل على عاتقه تحقيق حلم المحاولات الفردية لبعض الشباب المصري في ذلك الوقت بتكوين شركة مصرية للطيران المدني، وكان على رأس تلك المحاولات حلم كمال علوي في عام 1929 الذي سافر إلى باريس وتعلم فنون الطيران واشترى طائرة كانت هي الأولى التي يتم تسجيلها في مصر وحملت حروف التسجيل SU-AAA، وقد أهداها بعد ذلك إلى شركة “مصر للطيران”، وتلى ذلك تبنيه لحملة تكوين الشركة.
ومع وصول محمد صدقي كأول طيار مصري يصل بطائرته “الأميرة فايزة” من برلين إلى القاهرة في 26 يناير 1930، جاءت أول خطوة حقيقة في طريق تأسيس الشركة من خلال بنك مصر الذي أسسه طلعت حرب، وأثمرت الجهود عن صدور المرسوم الملكي في يوم 7 مايو 1932 بإنشاء مصر للطيران، وسميت الشركة باسمين أحدهما باللغة العربية وهو “شركة الخطوط الهوائية المصرية” والآخر باللغة الإنجليزية وهو “مصر إيرورك”، ونص عقد التأسيس على أن يمتلك المصريون 60% على الأقل من هذه الأسهم، وتحدد رأسمال الشركة في البداية عشرين ألف جنيه، وهكذا جاءت النواة الأولى مصرية بالأسهم وبالمؤسسين، في إشارة واضحة إلى أن الشركة لن تُدار إلا بمصر و أبنائها.
وسرعان ما بدأت الشركة في تكوين أول نواة لأسطولها، حيث وصلت في يونيو 1933 إلى مطار ألماظة أول طائرتين من طراز ديهافيلاند درجون 84 سعة الواحدة أربعة ركاب كنواة للأسطول، وكانت أولى رحلاتها إلى الإسكندرية ومرسى مطروح، وفي أكتوبر من العام ذاته، شهدت مصر دخول أول امرأة لعالم الطيران بحصول لطفية النادي على إجازة طيار خاص.
وبدأت الشركة في إعداد جدول تشغيلها، حيث سيرت رحلاتها إلى الإسكندرية ومرسي مطروح وأسوان، وأيضًا في العام التالي إلى مدينتي اللد وحيفا بفلسطين، وفي عام 1935 قامت الشركة بتزويد أسطولها بسبعة طائرات جديدة دفعة واحدة، ضمت طائرتين من طراز دي هافيلاند إكسبريس 86 (ذات 4 محركات، سعة 12-14 راكبًا) و5 طائرات من طراز دي هافيلاند رابيد 89 (ذات محركين، سعة 7-8 ركاب)، وفي العام ذاته أيضًا قامت الشركة بتوسيع شبكة خطوطها المحلية والدولية لتشمل بورسعيد والمنيا وأسيوط، كما أضافت لخطوطها الدولية يافا وقبرص وبغداد.
وجاءت درة أعمال الشركة في تلك الفترة حين سيرت أول رحلة بين كل من جدة والمدينة المنورة بالسعودية في العام 1936، فكانت طائرات مصر للطيران أولى الطائرات في العالم التي تهبط في كل من المدينتين.
وبعد الحرب العالمية الثانية عام 1939 بدأت الشركة مرحلة جديدة في تاريخها حيث أصبح رأسمالها مصري بالكامل بعد انسحاب “إيرورك” البريطانية الشريك الأجنبي، وحل المصريون محل البريطانيين ليصبح كل شيئ فيها مصري، وانتهى عصر الأجانب وتحول اسمها إلى الخطوط الجوية المصرية “Misr Airlines” في عام 1941.
وبعد انتهاء الحرب استمرت الشركة في تطوير أسطولها وبحلول يوليو 1946 أصبح الأسطول الجوي المدني المصري يضم 18 طائرة وبدأ لأول مرة ظهور أطقم الضيافة على متن الطائرات.
وعندما جاءت ثورة 1952 أولت اهتمامها بمصر للطيران، حيث ساهمت في رأس المال ليرتفع من 300 ألف جنيه إلى مليون جنيه، وتمثلت أولى ثمار هذه المساهمة في إضافة 5 طائرات ذات المحركات الأربع والمقاعد الاثنين والخمسين، كما استقدمت الشركة أول جهاز محاكي لتدريب طياريها عليه لتصير الأولى والوحيدة في ذلك المجال في هذا الوقت وصار معهد مصر للطيران قبلة المتدربين والدارسين.
وفي الستينيات من القرن الماضي شهدت مصر للطيران ملامح التطوير بانضمام ثلاث طائرات من طراز دي هافيلاند “كوميت-4C” المزودة بأربع محركات نفاثة، وتسع أربعة وثمانين راكبًا، وثم تسيير أطول خطوط الشركة منذ نشأتها وهو خط القاهرة / روما / فرانكفورت / زيوريخ / لندن.
وفي عام 1960 صدر قرار جمهوري بتوحيد شركة مصر للطيران ومؤسسة الخطوط الجوية السورية في شركة واحدة تحت اسم “شركة الطيران العربية المتحدة” إثر الوحدة التي قامت بين مصرو سوريا في 1958.
وفي عام 1962 أعيد هيكلة الشركة لتصبح جزءًا من الدولة، ولتصبح الشركة مؤسسة تحت اسم المؤسسة العربية العامة للطيران، وتضم شركات الطيران العربية المتحدة للخطوط الخارجية، ومصر للطيران للخطوط الداخلية، والشركة العامة للخدمات وتموين الطائرات، وشركة الكرنك للسياحة، وبدءًا من مارس 1963 تقرر إقلاع جميع الرحلات من مطار القاهرة الجديد (الحالي)، وفي تلك الأثناء تأسست أسواق مصر للطيران الحرة في مطار القاهرة وافتتحت في 1963.
وجاءت نقلة أخرى في تاريخ الشركة في العام 1971 جعلت العمل في مجال الطيران المدني المصر أكثر تنظيما وهي صدور القرار الجمهوري بإنشاء الهيئة المصرية العامة للطيران المدني، لتنتقل إليه تبعية مؤسسة مصر للطيران، ولتستعيد مرة أخرى اسمها الذي أنشئت به “مصر للطيران”، كما تبعت الوزارة كل من الهيئة المصرية العامة للطيران المدني، والهيئة العامة للأرصاد الجوية، وهيئة ميناء القاهرة الجوي، والمعهد القومي للتدريب على أعمال الطيران.
وفي عام 1973 حققت الشركة إنجازات تحسب لها كاستخدام الحاسبات الآلية في أنشطة الحسابات لخدمة نظم المرتبات وحفظ السجلات والإيرادات وحسابات المخازن والأسواق الحرة و لحجز الركاب، كما تم افتتاح مجمع خدمات الطيران كأحدث وأكبر مجمع للخدمات الجوية في الشرق الأوسط هذا بخلاف التعاقد على إنشاء قرية البضائع.
وفي عام 1980 أصبح المهندس محمد فهيم ريان مفوضًا عامًا لمصر للطيران ثم تولى رئاسة مجلس إدارتها في 1981 وحتى عام 2002 شهدت خلالها مصر للطيران عدة نجاحات، حيث قام بوضع خطة تطوير قامت على دراسة شاملة لشبكة خطوط الشركة، ومن نتائج هذه الدراسة خلصت الشركة إلى الشكل الأمثل للشبكة، كما حددت الطرازات التي تحتاجها من حيث المدى والسعة بناء على ذلك وأيضا بناء على دراسات السوق.
وزاد الأسطول بشكل لم تشهده مصر للطيران إلا وقتها، فتم شراء 8 طائرات آيرباص لتغطية أسواق أوروبا والشرق الأوسط، ثم ثلاث طائرات بعيدة المدى من طراز بوينج 767/200، وتلاها شراء طائرتين من طراز بوينج 767/300 للوفاء بمتطلبات حركة النقل المتزايدة للأسواق البعيدة، تلا ذلك شراء 7 طائرات جديدة من طراز آيرباص (A320-200) ولخدمة مناطق الجذب السياحي في مصر ولنقل الحركة السياحية إليها من الخارج مباشرة، وقامت الشركة بشراء 5 طائرات جديدة من طراز بوينج 737/500، بالإضافة إلى شراء 3 طائرات بوينج 777/200 و3 طائرات آيرباص (A340-200) فائقة المدى لتغطية متطلبات سوقي أمريكا الشمالية واليابان، وتلا ذلك شراء أربع طائرات آيرباص (A321-200) لخدمة سوق الطيران العارض الجديد والواعد، وبذلك بلغ إجمالي تكاليف عمليات الإحلال والتجديد لأسطول الشركة ما يزيد على 3,112 مليار دولار.
وفي اتجاه موازٍ، قامت الشركة بتطوير بنيتها التحتية؛ ففي مجال التدريب زُود مركز التدريب بمحاكيات طائرات البوينج 707 و737 ومحاكيات آيرباص، إضافة إلى محاكيات تدريب أطقم الضيافة على أعمال خدمة الركاب وإجراءات الطوارئ والإخلاء السريع، كما تم إنشاء مجمع هندسي مجهز فنيًا بأحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا الدعم الفني للطائرات وملحقاته من هناجر وورش، ووحدات تعمير وإصلاح واختبار المحركات، أما القطاع التجاري فأصبح قطاعا ضخما يضم بين جنباته خمس إدارات كبيرة، هي: الإدارة العامة للمبيعات، وإدارة البحوث التجارية، وإدارة الشئون الدولية، وإدارة الخدمات السياحية، وإدارة المحطات.
كما شهدت هذه الفترة إنشاء المجمع الإداري للعاملين بالشركة ومستشفى مصر للطيران على أعلى مستوى خدمي، وتم تشكيل أول وزارة للطيران ألمدني في 2002 وأصبحت مؤسسة مصر للطيران شركة قابضة، تتبع مباشرة وزارة الطيران المدني، وتم تحويل القطاعات التي كانت موجودة في السابق إلى شركات تابعة بدأت بشركة الخطوط، وشركة الصيانة والأعمال الفنية، وشركة الخدمات الأرضية، وشركة الخدمات الجوية، وشركة الشحن، وشركة السياحة والأسواق الحرة، إضافة إلى شركة الخدمات الطبية.
وتمثل أول النجاحات في حصول الشركة على شهادة الأيوزا التي تمنحها المنظمة الدولية للنقل الجوي (أياتا) كأول شركة طيران في أفريقيا والمنطقة والسابعة عشر في العالم تحصل على هذه الشهادة وذلك في 2004، ثم أُنشأت شركتا إكسبريس للخطوط الداخلية والصناعات المكملة، ليلي ذلك تلقي مصر للطيران دعوة من اتحاد ستار العالمي للانضمام إليه وقد انضمت بالفعل في 2008 لتصبح العضو الحادي والعشرين في أكبر التحالفات العالمية في مجال صناعة النقل الجوي، ثم افتتحت مصر للطيران مبنى الركاب رقم 3 في مطار القاهرة الدولي الذي أصبح مركزًا لرحلات مصر للطيران وباقي شركات تحالف ستار.
وتعاقدت مصر للطيران على صفقة شراء (12) طائرة من طراز بوينج 737/800 وصلت خلال عامي 2008 و2009 في إطار تطوير أسطولها بما يواكب التغيرات العالمية في مجال النقل الجوي، تلا ذلك استلام مصر للطيران في 2010 تسع طائرات من أحدث الطرازات منها أربعة طائرات من طراز البوينج 777-300ER وطائرة من طراز الآيرباص 330-300.
وكانت لثورة 25 يناير تبعات تأثرت بها الشركة، حيث انخفضت نسبة السياحة بشكل ملحوظ نظرًا لعدم استقرار الأوضاع وتعرضت الشركة لخسائر كبيرة وصلت إجماليها إلى 10 مليارات جنيه في 5 سنوات بسبب انخفاض التشغيل والأحداث السياسية والحروب في المنطقة العربية التي أدت إلى إغلاق بعض الخطوط، فقامت مصر للطيران بعمل العديد من حملات الترويج السياحي لوفود بعض الدول تنشيطا لحركة السياحة في محاولة منها لاستعادة نسبة التشغيل على رحلاتها مرة أخرى، ورغم الفترة التي تلت ذلك من عدم استقرار، إلا أن الشركة بدأت تتخطى هذه المرحلة في 2013 حين بدأت الشركة في تطبيق خطتها لتقليل الخسائر وترشيد النفقات التي أتت ثمارها في العام المالي 2014-2015 حيث تم تخفيض حجم الخسائر بنسبة 75% عن العام السابق له.
وفي عيد مصر للطيران الثالث والثمانين، تم افتتاح المرحلة الأولى من متحف الشركة ليخلد تاريخها ومجهودها، متضمنًا مجموعة نادرة من الصور التاريخية والنماذج المجسمة لأسطول مصر للطيران منذ نشأتها وصور تاريخية لأبرز الشخصيات في تاريخ الطيران المدني ومصر للطيران والمؤسسين للشركة الوطنية الذين كانت لهم علامات بارزة في النهوض بالشركة على مدي تاريخها، كما يضم المعرض صور لسك عملات معدنية وطوابع بريد تحمل شعار مصر للطيران في مراحل تاريخية مختلفة وكذلك صور لبعض القادة والزعماء والمشاهير العالميين والمصريين والذي سافروا على متن رحلات مصر للطيران.
وكركن اقتصادي ووطني مهم في مصر مرتبط بكل ما يشهده الوطن من لحظات فرح بمشاريع عملاقة، كانت مصر للطيران الناقل الرسمي لحدثين من أهم الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية بل والعالم أجمع، وهما المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في شرم الشيخ في مارس 2014 وافتتاح قناة السويس الجديدة في أغسطس 2015 لتحمل فرحة مصر بالتغيير للعالم أجمع لمسافريها وعلى متن طائراتها.
ووقعت شركة الصيانة والأعمال الفنية مع شركة جنرال إلكتريك اتفاقية TrueChoiceTM Materials للخدمات الاستشارية في مجال صيانة محركات الطائرات وإصلاحها وفحصها للمساعدة في تطوير إمكانات مصر الطيران لإصلاح محرك الـCFM56-7B، وتغطي الاتفاقية الشاملة الدعم الفني والخدمات الاستشارية لعمليات صيانة محركات الطائرات وأجزائها وإصلاحها وفحصها، مما يؤكد حرص مصر للطيران على متابعة وتطبيق كل ما هو جديد ومتوافق مع المعايير والتكنولوجيا العالمية في صناعة النقل الجوي بالتعاون مع كبرى الشركات العالمية العاملة في هذا المجال.
وفي خطوة جديدة لشركة الصيانة والأعمال الفنية، تم افتتاح مشروع تطوير هنجر 7000 بهدف زيادة استيعاب هناجر الشركة لعدد أكبر من طائرات العملاء على المستويين المحلي والدولي، وأيضًا بهدف تقديم خدمات متميزة لعملائها نظرًا لكون الأنظمة التي تم إضافتها للهنجر تعد من أحدث الأنظمة التي تساعد على إنجاز أعمال الصيانة بكفاءة عالية وتوفر المناخ المناسب للأطقم الفنية العاملة بالهنجر.
ولعل أكبر إنجاز حققته الشركة خلال تلك الفترة هو إعلانها عن صفقة شرائها لتسع طائرات جديدة تنضم لأسطولها من أحدث طرازات البوينج وهي الـ800-737 بقيمة تقدر بنحو 864 مليون دولار بما يعادل 9 مليارات جنيه مصري تقريبا، وتم تمويل ثماني طائرات من هذه الصفقة من قبل شــركة دبي لصناعات الطيران Dubai Aerospace Enterprise (DAE) Ltd، التي يقع مقرها بدبي بالإمارات العربية المتحدة.
وتمكن هذه الصفقة مصر للطيران من استكمال استراتيجيتها نحو تعزيز وتحديث أسطولها بأحدث الطرازات التي تتناسب مع تشغيلها لرحلات متوسطة وطويلة المدى إلى نقاط متعددة بشبكة خطوطها، خاصة أن شركة بوينج استطاعت من خلال الجيل الجديد من طرازها البوينج NGS737-800 أن تنال ثقة العديد من كبريات شركات الطيران العالمية لما يمنحه هذا الطراز من اقتصادية في التشغيل وكفاءة في الأداء ومستوى عالٍ من الرفاهية، فضلًا عن إضافة مواصفات خاصة في التعاقد الجديد من حيث اتساع المقاعد وتنوع وزيادة مستويات الرفاهية.
وشهدت نهاية عام 2017 تعاقد مصر للطيران في معرض دبي للطيران علي إيجار وشراء 45 طائرة من أحدث الطرازات بمعدل 24 من طراز الـCS300s لشركات بومباردييه الكندية وست طائرات من طراز البوينج دريملاينر 787-9 تعمل بمحركات رولز رويس، بالإضافة إلى إيجار 15 طائرة من طراز الآيرباص A320Neo التي تعمل بمحركات CMF LEAP، وتصل هذه الطائرات اعتبارًا من عام 2019، وهو ما عرف بصفقة القرن التي لم تحدث في تاريخ الشركة من قبل.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط ( أ ش أ )