جاء الإعلان عن مقتل صالح الصمّاد، الرجل الثاني في مليشيا الحوثي في اليمن، ليطرح تساؤلات عديدة حول مستقبل الأزمة اليمنية وآفاق الصراع الدائر حاليا بين قوات الحكومة اليمنية المدعومة من التحالف العربي وبين مليشيات الحوثيين الذين توعدوا بالثأر لزعيمهم وبمواصلة الحرب والصمود.
إذ يشكل مقتل الصمّاد، الذي أكدت مليشيا الحوثي أنه لقي حتفه مع ستة من مرافقيه في غارة جوية شنتها طائرات التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية على محافظة الحديدة الخميس الماضي، تطورا مهما في مسار الحرب الحالية في اليمن، سواء على ضوء رد الفعل المُتوقع من قبل الحوثيين على ذلك، أو بالنظر للموقع السياسي المهم الذي كان يشغله الرجل، حيث يرى المتابعون للشأن اليمني أن اغتيال الصمّاد يمثل ضربة قاصمة للجماعة ونجاحًا ميدانيًا كبيرًا لقوات التحالف العربي.
وبخسارته تكون المليشيا الحوثية قد خسرت أحد أبرز قياداتها السياسية، فيما يرى محللون أن مقتل الصماد ستكون له تداعيات قوية وموجعة على الحوثيين لكنها ستبقى تداعيات مؤقتة ولن يكون لها تأثير كبير على مجمل الوضع العسكري على الأرض.
ويعتبر الصمّاد أحد أبرز القادة السياسيين والعسكريين لمليشيا الحوثي، وهو الرجل الثاني بعد زعيم الجماعة عبد الملك بدر الدين الحوثي، وكان يرأس ما يسمى “المجلس السياسي الأعلى” في صنعاء وهو المجلس الذي شكلته مليشيا الحوثي عقب استيلائها على السلطة في صنعاء عام 2014، كما كان يشغل منصب القائد الأعلى لعناصر مليشيات الحوثي العسكرية.
وقد عُرف الصمّاد بالمناورة والذكاء الشديدين، إذ لعب دورا محوريا بعد سقوط صنعاء في تعزيز التحالف بين الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي بزعامة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، وكان بمثابة همزة الوصل بين مليشيا الحوثي وصالح، كما تمكن من اختراق بعض القبائل اليمنية، وفتح قنوات تنسيق مع القبائل الأخرى المعارضة، وهو ما ساهم في تمدد وتوسع الحوثيين في اليمن.
كما عُرف الصمّاد بتصريحاته النارية ضد المملكة العربية السعودية وتوعده بشن مزيد من الهجمات الصاروخية عليها، كما أنه توعد قبل مقتله بالزحف نحو المناطق الساحلية الغربية للاستيلاء على الموانئ اليمنية على البحر الأحمر، وهدد مرارًا بإغلاق الملاحة البحرية في منطقة باب المندب، وربما هذا ما يفسر وجوده لحظة مقتله في محافظة الحديدة الساحلية غرب اليمن.
كل ما سبق جعله المطلوب رقم (2) على قائمة المطلوبين لدى قيادة التحالف العربي لدعم الشرعية اليمنية، وهي قائمة تضم أربعين شخصًا من القيادات السياسية والعسكرية الحوثية المُتهمة بالإرهاب، على رأسها عبد الملك الحوثي، وقد رصد التحالف العربي مبلغ 20 مليون دولار لأي معلومة تؤدي إلى القبض عليه.
وبينما أعلنت مليشيا الحوثي اختيار مهدى المشّاط القيادي الحوثي البارز خلفًا للصمّاد في رئاسة المجلس السياسي الأعلى، والذي يعد بمثابة رئاسة البلاد في المناطق الخاضعة للمسلحين الحوثيين منذ عام 2014، فإنها توعدت بالانتقام لمقتله، متهمة التحالف العربي باستهدافه مع مرافقيه.
وأعلن المجلس السياسي أن هذا الأمر لن يمر دون ما وصفه بـ”رد مزلزل وموجع”، فيما قال عبد الملك الحوثي في خطاب متلفز بثته قناة “المسيرة” الناطقة باسم الحوثيين إن اغتيال الصمّاد “لن يكسر إرادة شعبنا”.
ومن جانبه، أعلن ما يسمى “مجلس الدفاع الوطني”، التابع للحوثيين في صنعاء، حالة استنفار أمني عام عقب مقتل الصمّاد، وقال المجلس، في بيان، إنه عقد اجتماعًا استثنائيًا أمس الاثنين أعلن خلاله “حالة الاستنفار ورفع الجاهزية إلى الحالة القصوى”.
في المقابل، عبرت الحكومة اليمنية عن ارتياحها لنبأ مقتل الصماد، ووصفته على لسان المتحدث باسمها راجح بادي، بأنه يشكل “ضربة كبيرة لميلشيا الحوثي”، معتبرًا أن هذا التطور مؤشر كبير على انهيار قوات الحوثي وتراجعها “في ظل الانتصارات الكبيرة التي يحققها الجيش الوطني اليمني في مختلف الجبهات بمساندة قوية وكبيرة من التحالف العربي”.
ويتفق المحللون على أن اغتيال الرجل الثاني في مليشيا الحوثي، سيكون له ما بعده، وسيلقي بظلاله بشكل كبير على مجمل المشهد السياسي والعسكري في اليمن، ومن ثم على مستقبل الأزمة اليمنية برمتها، إلا أن ثمة تباينا في المواقف والتقديرات بشأن التداعيات والانعكاسات المحتملة لذلك.
إذ يرى بعض المحللين أن غياب الصمّاد ستكون تداعيات كبيرة على مستقبل الحوثيين وبالتالي مسار الأزمة اليمنية، حيث يتوقع أن يؤدي إلى مزيد من الارتباك والانهيار في صفوف هذه الجماعة، بما قد يدفعها لتقديم تنازلات سياسية عسكرية وصولا لتسوية سياسية للازمة اليمنية، أو قد يساعد قوات الشرعية اليمنية على حسم المعركة عسكريا لصالحها، خصوصا أن الصمّاد لم يكن فقط رمزًا سياسيًا كبيرًا بل كان يمتلك مهارات اتصال ساعدته على كسب ولاءات وإطفاء حرائق الخلافات، كما أنه كان يمثل الوجه الناعم للحوثيين، وكلها مهارات لا تملكها القيادات الحوثية الأخرى.
في مقابل ذلك، يعتقد محللون آخرون أنه لن يكون هناك كبير تأثير لمقتل الصمّاد على مسار العمليات العسكرية على جبهات القتال بين الحوثيين وقوات الشرعية اليمنية، لاسيما أنه كان واجهة سياسية أكثر من كونه قائدًا عسكريًا، ووفقا لهذا الرأي فإن غياب الصمّاد سيؤدي إلى إرباك مؤقت في صفوف الحوثيين، لكن كلما طال أمد الحرب اليمنية، واستغل الحوثيون ذلك لتأجيج مناصريهم من الجناح القبلي، كلما كان تأثير مقتله على سير العمليات العسكرية محدودًا.
ولا يستبعد البعض أن يدفع مقتل الصمّاد الحوثيين إلى مزيد من التشدد في مواقفهم عسكريًا وسياسيًا وتصعيد عملياتهم العسكرية سواء على صعيد جبهات المواجهة في الداخل، أو خارجيًا باستهداف الأراضي السعودية بمزيد من الهجمات الصاروخية.
ويستند أصحاب هذا الرأي إلى الموقف المتشدد لمهدي المشّاط، الذي عين خلفًا للصماد على رأس “المجلس السياسي الأعلى”، فالمشّاط الذي ينحدر من السلالة الإمامية (عائلة الإمام الحوثي) يوصف من قبل المراقبين بأنه النقيض لكل ما كان يمثله الصمّاد، وأن تعيينه يمثل نكسة للتيار السياسي داخل الجماعة الحوثية لصالح التيار المذهبي المتشدد في صفوفها.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)