يتطلع المثقفون العرب بكل الأمل نحو القمة العربية التي تنطلق غدا “الأحد” في مدينة الدمام بالمملكة العربية السعودية الشقيقة بعنوان “قمة لم الشمل العربي” لمواجهة تحديات خطيرة طالت الهوية العربية ذاتها .
ومع إدراك لخطورة التحديات التي تجابه المنطقة يتفق المثقفون العرب عبر طروحاتهم وتعليقاتهم على ان قمة الدمام هي قمة اللحظة الخطرة وتستدعي بالفعل جهدا برؤى مبدعة للاجابة على اسئلة تتعلق بوجود الأمة.
ورأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة الدكتور احمد يوسف احمد ان القمة العربية المرتقبة تعقد في ظل “تحديات استثنائية وتهديد حقيقي لكيان الدولة الوطنية العربية بل للهوية العربية أصلا وتفاقم غير مسبوق للارهاب والاختراق الخارجي”.
وفيما عرف باهتماماته الثقافية العميقة وشغل من قبل منصب مدير معهد البحوث والدراسات العربية التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، أكد الدكتور احمد يوسف على أهمية وضع استراتيجية عربية “للتعامل مع القوى الإقليمية غير العربية التي استباحت الأمن العربي” مشددا في الوقت ذاته على مركزية القضية الفلسطينية.
ورغم خطورة التحديات ، فان إشارات التفاؤل تتوالى في المشهد العربي ، كما أشار الدكتور احمد يوسف وغيره من المثقفين العرب حيث تتلاحق الهزائم بتنظيمات الإرهاب الظلامي التكفيري كتنظيم داعش في مقابل تعاظم إرادة الإنسان العربي كما هو الحال في مصر العربية لصياغة مستقبل افضل.
والقرارات المنتظرة والمأمولة في القمة العربية لابد وان تسهم ايجابا في حماية الهوية العربية بعد ان وجد العرب انفسهم في وضع اقليمي ضاغط ومستهدفين بمشاريع لقوى اقليمية غير عربية ، ومن هنا رأى معلقون ان اغلب صراعات القوى الاقليمية غير العربية بمشاريعها تأتي على حساب المصالح العربية والأمن القومي العربي .
واذا كانت “بعض الأطراف من دول الجوار في المنطقة تمارس أدوارا هدامة لاذكاء الصراعات المسلحة والحروب الأهلية وتقويض مؤسسات الدولة الوطنية” فان العديد من المثقفين العرب يتفقون في طروحات وتعليقات عبر الصحف ووسائل الاعلام على أهمية الاهتمام بالبعد المعرفي حفاظا على الهوية العربية والتصدي للمؤثرات المناوئة لقيم الاصطفاف العربي.
ورأى احد هؤلاء المثقفين في مصر وهو الكاتب الدكتور مصطفى عبد الغني الذي عرف بتبصراته الثقافية في جريدة الأهرام ان التأثير السلبي على الهوية العربية يزداد مع ازدياد حدة الصراعات في بعض الدول العربية مثل سوريا موضحا ان هذا التأثير السلبي طال “اللغة العربية”.
وكان بعض ابرز المثقفين العرب مثل الكاتب والمفكر البحريني الدكتور محمد جابر الأنصاري قد التفتوا لأهمية الحفاظ على اللغة العربية من اجل حماية الهوية ودعوا من قبل لقرارات ملزمة على مستوى قمم عربية بشأن دعم اللغة العربية.
وقال الدكتور محمد جابر الأنصاري ان الخطر الماثل يتمثل في ان جيلا عربيا جديدا لا يحسن استخدام لغته الأم لافتا الى انه اذا نظرنا الى حدود الوطن العربي الكبير “نجد ان الحدود اللغوية هي التي تحدده في غياب اي اعتبار اخر” وهذه الحدود اللغوية هي التي تجيب على سبب عدم انضمام قوى اقليمية مثل ايران وتركيا لهذا الوطن العربي الكبير.
وفي سياق طرح له حول أهمية عقد قمة ثقافية عربية ، أعاد المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري للأذهان ان “الفارسية الحديثة بلورها الفردوسي قرونا بعد الفتح الاسلامي لفارس ولايذكر التاريخ ان العرب وقفوا ضدها”.
ولن تخفى الدلالة الثقافية للقمة العربية التاسعة والعشرين التي ستعقد في ” القاعة الكبرى بمركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي” ويوصف هذا المركز المعروف بالاختصار “اثراء” بأنه بمثابة نافذة ثقافية على العالم بثقافاته المتعددة فيما يعبر تصميم القاعة الكبرى عن “الاحتفاء بتنوع الثقافات حول العالم”.
ورأى الأكاديمي والشاعر اليمني الدكتور عبد العزيز المقالح وهو رئيس المجمع العلمي اللغوي في اليمن انه اذا كان هناك اكثر من اسلوب في الحفاظ على الهوية القومية وحماية مكوناتها فان الثقافة هي الجزء الأقوى في تحدي المخاطر “لأنها الأقدر على التسرب في ثنايا النفس الى ان تصبح جزءا لايتجزأ من مخزونها المعرفي والروحي والأدبي”.
وإذ يدعو “الى توحيد الجهود واستنفار الطاقات الفكرية والابداعية لاحياء فكرة وحدة ثقافية عربية تقوم على التنوع والتعدد” يقول المقالح انه “اذا انهار الجدار الثقافي فلا شييء يمنع من تفتيت الشعوب وتحويلها الى بؤر للتناحر والخصومات”.
وفيما يشكل الإرهاب احد اخطر تحديات المرحلة الراهنة ثمة اجتهادات ثقافية لافتة لباحثين عرب بشأن التحديات الراهنة في المشهد العربي ومن بينها الإرهاب وهو ما يتجلى على سبيل المثال في كتاب صدر عن معهد البحوث والدراسات العربية بعنوان “الأمن القومي العربي:تحول خريطة التهديدات والاستراتيجية المقترحة للمواجهة”.
وفي هذا الكتاب تتناول المؤلفة الدكتورة إيمان رجب وهي باحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الكيانات الإرهابية كمصدر رئيسي لتهديد الأمن القومي العربي وإضعاف الدول الوطنية إضافة لتهديدات دول الجوار عير العربية وتعرض لمجموعة من الاستراتيجيات لمواجهة هذه المخاطر.
ومثل هذه الاجتهادات الثقافية العربية تعكس إدراكا بالتهديدات التي تتعرض لها العروبة كرابطة جامعة لدول العالم العربي وشعوب الأمة العربية الواحدة كما تشكل نوعا من التجديد لأطروحات وتنظيرات مفكرين عرب من رواد الفكر العربي كساطع الحصري وقسطنطين زريق وشبلي العيسمي واهتماما بمسألة الربط بين العامل الثقافي الجامع والتكامل الاقتصادي بصيغ عملية.
ووسط الأجواء المثيرة للأسى في بعض الدول العربية فان ثمة حاجة لنوع من “التحليق الفكري” في الأجواء الثقافية العربية بحثا عن اجابات لتحديات اللحظة وشواغل المرحلة ناهيك عن الأسئلة الكبرى التي تفرضها تحديات وشواغل المستقبل وهو ما قد يتطلب “نضالا فكريا من اجل ثقافة عربية تأخذ بأسباب الحداثة وتتفاعل مع تحولات العصر دون تنكر لثوابت لم تتعارض يوما مع قيم الحق والخير والجمال “.
واذ تتهدد المخاطر البشر والحجر والمستقبل والتراث بين جنبات بلدان عربية لترسم المشهد المخيف الظاهر اليوم امام كل ذي عينين يبقى الرهان صائبا على بناء ثقافة عربية جديدة للمقاومة وتغيير الحقائق الاقتصادية والاجتماعية نحو الأفضل على قاعدة معرفية تتيح فهم حركة التاريخ وامكانية توظيفها إيجابيا ولعل ذلك هو “جوهر النضال الفكري المطلوب من جانب المثقفين المؤمنين بفكرة الأمة العربية الواحدة”.
ولئن ذهب البعض الى أن كلمة مثل “القومية” او “العروبة” باتت تثير حساسية حتى لدى بعض المثقفين العرب بعد ان جرى ابتذال كلمتي القومية
والعروبة في كثير من المواقف المحزنة فان احدا لايمكنه انكار واقع تجسده الثقافة القومية لأنه “واقع لغوي وجغرافي وتاريخي وروحي”.
وإذا كان السؤال قد تردد مرارا في منابر ثقافية عربية :هل تحولت افكار الوحدة والطروحات القومية لمجرد انشائيات رخوة او متهدلة ومترهلة وبعيدة عن الجدة بقدر ماهي عاجزة عن الاستجابة لتحديات الراهن وهي مختلفة الى حد كبير عن تحديات زمن مضى فلعل “ثقافة الاصطفاف العربي” بنزعتها العملية وتوجهها التطبيقي المخلص وتجلياتها على الأرض تسهم في الاجابة على مثل هذا السؤال.
وفيما طرح الباحث والكاتب الصحفي المصري الدكتور عبد المنعم سعيد مؤخرا تصورات حول “تطور مفهوم القومية والفهم الجديد لمعنى العروبة” فان مدير مكتبة الإسكندرية الدكتور مصطفى الفقي يؤكد على ان العامل الثقافي هو “عامل رئيسي في مفهوم القومية” غير انه شدد في الوقت ذاته على أهمية “التكامل الاقتصادي والبناء الذاتي”.
ورأى الفقي صاحب كتاب “تجديد الفكر القومي” ان كتابه الذي صدر في مطلع العقد الأخير من القرن الماضي “تضمن بوضوح رؤية حديثة لمعنى القومية ومفهوم الأمة” ويخرج بهما عن الاطار العاطفي التقليدي منوها بأهمية “دعم العامل الثقافي بشبكة مصالح مشتركة ومتوازنة”.
وكان مصطفى الفقي قد اصدر في العام الماضي كتابا بعنوان “العروبة المصرية” لفت فيه الى ان “عروبة مصر ذات مذاق خاص يرتبط بعبقرية المكان والزمان والسكان” وقال ان “العروبة الثقافية متأصلة في مصر” فيما اكد أن “القومية العربية تحديدا هي واحدة من اكثر الأطروحات ثراء وعمقا لأنها تعتمد على عامل ثقافي واسع ورحب”.
وخلص الدكتور مصطفى الفقي الى رؤية فحواها ان “القومية انتماء انساني يحكمه العامل الثقافي بالدرجة الأولى” مؤكدا أيضا أهمية دعم هذا العامل بالمصالح والمشاريع المشتركة التي تعزز جوهر القومية وتشكل بديلا افضل بكثير من الاكتفاء بالشعارات “حتى تصبح القومية مظلة حقيقية للتعايش المشترك بين أبناء الأمة الواحدة”.
وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية احمد أبو الغيط قد أشار الى التأثير السلبي للصراعات على التجارة البينية للدول العربية ومعدلات التوظيف والتشغيل وغيرها من أوجه النشاط الاقتصادي “التي نالها اذى كبير في ظل تصاعد التهديدات الإرهابية واستمرار حالة انعدام الاستقرار في بعض الدول العربية”.
وقال أبو الغيط انه “بات مطلوبا من الدول العربية في ظل الأوضاع الراهنة أن تخوض معركتين في آن واحد وبنفس الدرجة من التصميم والعزم احداهما معركة القضاء على الإرهاب واستئصال جذوره من التربة العربية ومعركة التنمية والتحديث على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي”.
وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية قد اكد في مقابلة صحفية أهمية الادراك العربي لطبيعة التغير الذي لحق ببنية النظام الدولي ومنظومة العلاقات الدولية واللحاق بالثورة المعلوماتية الهائلة وثورة وسائل التواصل الاجتماعي والتعامل معها بشكل متوازن.
فالتحديات الجديدة تتطلب “لغة جديدة” و”ابداعات ثقافية استراتيجية” و”ادوات مختلفة عن السائد والتقليدي من اساليب الماضي كما تستدعي هذه الحالة تنظيرات ثقافية جادة لاتركن للسائد ولاتعتمد على المألوف وانما ترتقي لمستوى التحديات الجسام و اللحظات الخطيرة وتطرح اسئلة بقدر ماتسهم في اجابات وتثري عملية التراكم الثقافي للخبرات وصولا لتأسيس “ثقافة الاصطفاف العربي ومفاهيم حقيقية للجسد العربي الواحد”.
ولعل حزمة قرارات “قمة الدمام” ككل تفضي لمزيد من تحديد الهوية العربية وتأصيلها في ظل التحديات الجديدة ومهددات السيادة الوطنية للدول العربية وبما يعكس ثقافة استراتيجية عربية قادرة على التعامل مع المتغيرات في الاقليم والعالم.
انها لحظة الإجابة على السؤال الكبير :من الذي سيقوم بالدور الأكثر اهمية في صياغة “منظومة القيم” داخل المنطقة العربية؟!.. هل هم العرب ام قوى الجوار الاقليمي؟!!..وكل من ينتمي صدقا وحقا للأمة العربية لايمكن ان يقبل ان تفرض علينا قوى خرجية منظومة قيمنا وكل عربي صادق العروبة ينظر الأن بالأمل نحو قمة الدمام التي تعد حقا واحدة من اخطر القم في تاريخ العرب.. ان هذه القمة العربية لها ان تكتب صفحات مضيئة دفاعا عن الهوية والقيم العربية.
المصدر: أ ش أ