لم يتوقف الفلسطينيون منذ 42 عاماً عن إحياء يوم الأرض في الـ30 من مارس فى كل عام، تمجيداً لذكرى فلسطينيين قضوا في مثل هذا اليوم في الداخل الفلسطيني احتجاجاً على مصادرة إسرائيل لآلاف الدونمات من أرضهم، وتأكيداً على تمسكهم بالأرض، لكن رسالة هذا العام كانت مختلفة، صوتها أعلى، معمّدة بالدم الكثير، والرسائل المختلفة، وتكاد تشكل «بروفة» لمواجهة أوسع وأشمل في ظل غياب الأفق السياسي أمام الفلسطينيين.
بالنسبة إلى المسؤوليين الفلسطينيين كان هناك أسباب كثيرة ووجيهة، من أجل الدفع بأكبر عدد من الناس في مسيرة «سلمية» قرب الحدود مع إسرائيل. لقد استمر الحشد لأكثر من شهر وشجعت عليه كل الفصائل الفلسطينية بلا استثناء، الكبيرة والصغيرة، لكن لأغراض مختلفة.
لقد أرادت السلطة إرسال رسائل للولايات المتحدة الأميركية بأن لا أحد سيقرر مصير الفلسطينيين وأن لديهم خيارات أخرى.
وكان أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات واضحاً عندما قال إن «خروج عشرات الآلاف من الجماهير الفلسطينية في يوم الأرض الخالد وإحياءهم الذكرى الـ42 في فلسطين المحتلة وأراضي الـ48 وفي المنافي ومخيمات اللجوء، يوجّه رسالة سياسية قوية من الشعب الفلسطيني بكل فئاته ومكوناته إلى سلطة الاحتلال وجميع دول العالم برفض الحلول والإملاءات الأميركية والإسرائيلية، وأنه قادر على مواجهة وإسقاط المؤامرة ومشروعات التصفية لقضيته العادلة، بما فيها محاولة إسقاط القدس وقضية اللاجئين وتجفيف المساعدات عن وكالة الأونروا».
وأكد عريقات أنه «بعد سبعين عاماً على النكبة الكبرى، وخمسين عاماً على الاحتلال، و42 عاماً على يوم الأرض الخالد، فإن شعبنا باق وصامد على هذه الأرض يؤكد أن قضيته ستبقى حية حتى استعادة حقوقه التاريخية غير القابلة للتصرف وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير والاستقلال والعودة، وأن حق شعبنا بعاصمته السيادية وحق اللاجئ بالعودة لا يسقطه قرار مارق، وأن الحصار وسياسات التطهير العرقي التي تنفذها قوة الاحتلال لن تلغي الوجود الفلسطيني من أرضه، ولن يسمح بالاستفراد به في ظل هذه الظروف المعقدة».
وهذه الرسالة التي تهم حركة «فتح» كذلك، أرادت أن تضيف إليها، كما قال محمود العالول نائب رئيس الحركة، أن خروج الناس بهذه الطريقة في الضفة وغزة يؤكد «التفافهم حول القيادة في مواجهة الضغوط والمؤامرات».
وإذا كانت السلطة سعت إلى إرسال رسالة محددة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن لـ«حماس» التي تصدرت المشهد في غزة، رسائل أخرى إضافية.
فقد أيّد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، الدكتور عريقات، في أن آلاف الفلسطينيين يردّون بهذه المسيرات على قرار الرئيس دونالد ترمب في خصوص القدس «بأنه لا بديل عن فلسطين وحق العودة»، مضيفا أنه «في الوقت الذي بلغت فيه الهجمة على قضيتنا ذروتها منذ قرار ترمب بإعطاء القدس للاحتلال الغاصب والحديث المتزايد عن التحضير لما يعرف بصفقة القرن ويسارع البعض للتطبيع مع الكيان ويشتد الحصار والاستيطان والتهويد وغير ذلك، فإن هذه الجماهير خرجت لتقول كلمتها الفاصلة، لا بديل عن فلسطين ولا حل إلا بالعودة».
لكن زعيم «حماس» في غزة يحيى السنوار عبّر عن رسالة أخرى قد تكون أهم بالنسبة إلى حركته، قائلاً إن على «مُحاصري الشعب الفلسطيني في قطاع غزة إعادة حساباتهم والتقاط رسالة مسيرة العودة الكبرى».
وقال السنوار خلال مشاركته في «مسيرة العودة» شرق جباليا شمال القطاع، إن «مسيرة العودة ستستمر، ولن تتوقف حتى ننطلق في اللحظة الحاسمة التي نقتلع فيها هذه الحدود الزائلة».
ويتضح من حديث السنوار أن الفلسطينيين لا ينوون التوقف عند حدود يوم الأرض، وهي المسألة الأكثر حساسية بالنسبة لإسرائيل.
ويخطط الفلسطينيون لمواصلة هذا الحراك وتصعيده في يوم النكبة الذي قد يصادف كذلك موعد افتتاح السفارة الأميركية في القدس ما سيجعل هذا اليوم متوتراً على نحو أكبر.
وأعلن القائمون على مسيرة العودة أن فعالية الأمس لن تقتصر على اعتصام ليوم واحد بل ستتواصل، على أن تصل الاحتجاجات إلى ذروتها في الـ15 من مايو الذى يصادف ذكرى النكبة الفلسطينية، وهو اليوم الذي تحتفل فيه إسرائيل بإنشائها.
وآخر ما تريده إسرائيل هو اشتباك مستمر على الحدود مع غزة لأنه ببساطة قد يتحول إلى حرب جديدة.
وعلى الرغم من حرص جميع الفصائل الفلسطينية بما فيها «حماس» (على غير العادة) على التأكيد على «سلمية» مسيرات العودة، سقط كثير من الضحايا في مسيرة أمس برصاص القناصة الإسرائيليين، في مشهد يوحي بـ«الأسوأ».
المصدر : جريدة الشرق الاوسط