أثار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض ضرائب جمركية على استيراد الصلب والألومنيوم من الخارج موجة غضب عالمية عارمة خاصة بين مصدرى الصلب والألمونيوم للولايات المتحدة، وتنذر ردود الفعل المنددة بالقرار بنشوب حرب تجارية بين واشنطن وعشرات الدول حول العالم تستورد منها الصلب والالومنيوم، حيث لا يغطي الإنتاج الامريكى من الألومنيوم إلا ربع احتياجات البلاد .
ومن المقرر تطبيق القرار الذى يستثنى كلا من المكسيك وكندا خلال 15 يوما، حيث أشار ترامب إلى أنه من المقرر أن يحصلان على إعفاء أثناء إجراء مناقشات حول اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية “نافتا”، شريطة تنفيذهما مطالب البيت الأبيض الخاصة بإعادة النظر في الاتفاقية .
وتتضرر العديد من الدول التي تمثل شريكا تجاريا هاما لواشنطن من قرار فرض الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألمونيوم لامريكا، ومن أكبر تلك الدول تركيا –روسيا – الصين – تايوان – اليابان – البرازيل – المكسيك –كوريا الجنوبية – الاتحاد الاوروبي – كندا ، وبالتالي فهم الخاسرون الأكبر من تداعيات هذا القرار.
ورغم تحذيرات الخبراء من عواقب القرار، وإبداء العديد من الدول تذمرها ورفضها له ، إلا إن ترامب ضرب بكل هذا الزخم من الغضب والتحذير عرض الحائط ، ووقع قرارا بفرض جمارك تبلغ 25 فى المائة على واردات الصلب، و10 بالمائة على واردات الألومونيوم، مؤكدا أن هذه الخطوة ستعزز الصناعة الأمريكية .
ويعلل ترامب القرار بأنه ينقذ الاقتصاد الامريكى من الممارسات السياسية غير العادلة، وأنه بذلك يدافع عن الأمن القومي الأمريكي ، ويحمي العامل الامريكي ، وذلك وفاءا لوعد انتخابي كان قد قطعه على نفسه خلال الانتخابات الرئاسية في 2016 ، مدافعا عن خطته، بإشارته إلى تراجع صناعة الصلب الأمريكية التي شهدت انخفاضا في الإنتاج، من 112 مليون طن فى عام 2000، إلى 86.5 مليون طن فى عام 2016، وما ترتب على ذلك من إنخفاض عدد العاملين في هذا القطاع خلال نفس الفترة، من 135 ألف عامل إلى ٨٣ ألف ، و٦٠٠ عامل فقط .
ورغم تبريرات ترامب ، يواجه القرار منذ الإعلان عنه باعتراضات داخلية وخارجية ، حيث عارضه نحو 100 عضو من أعضاء الحزب الجمهورى الذى ينتمى إليه ترامب ، والذين رأوا في القرار إعلانا لحرب تجارية ، وعلى إثره استقال جارى كوهين كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس ، وهو أحد مؤيدي التجارة الحرة .
من جانبها اعتبرت صحيفة “الواشنطن بوست” قرار ترامب بفرض الجمارك بإهانة من واشنطن لحلفائها ، وأبدت الصحيفة تخوفها من مخاطر التصعيد، مما يوجه ضربة قاصمة لنظام التجارة الحرة يقلب الاقتصاد العالمى الحديث، كما أن ترامب أشار إلى رغبته في أن يكون هدفه القادم مصنعي السيارات الأوروبية.
وحذر صندوق النقد من أن هذه الخطوة ستضر بالولايات المتحدة، كما ستضر بالدول الأخرى ، متخوفا من أن دولا أخرى ربما تحذو حذو الولايات المتحدة الأمريكية، وتدعي ضرورة فرض قيود تجارية صارمة، بحجة الدفاع عن أمنها القومي.
وأعلن مسؤولون في الاتحاد أنهم يدرسون فرض تعريفات جمركية، بنسبة 25 في المائة على واردات الاتحاد من الولايات المتحدة، التي تقدر بنحو 3.5 مليار دولار، ومن جانبها أكدت مسئولة السياسة الخارجية بالاتحاد الاوروبي ،،فيديريكا موجيريني ان الاتحاد سيدافع عن مصالحه ، وفي حالة اقراره للتعريفات الجمركية سينعكس ذلك بالسلب على مصالح واشنطن .
وقال المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، روبرتو أزيفيدو “الحرب التجارية ليست من مصلحة أي طرف”، لكن حدة التصريحات تصاعدت، بعدما وصف ترامب على تويتر الحروب التجارية بأنها شيء جيد.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان ، أن على أوروبا أن ترد بحسم على الرسوم الجمركية الأمريكية ، واصفا إياها بالحواجز التجارية التي ستضر بالمصالح الأمريكية في المدى الطويل، ووصف وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لو مير قرار ترامب بحرب تجارية لن تُسفر سوى عن خاسرين، مشددا على ضرورة اتخاذ رد فعل أوروبي مناسب.
وشددت وزيرة الاقتصاد الألمانية بريجيته تسيبريس على ضرورة أن يرد الاتحاد الأوروبي على الرسوم الجمركية ، وأن يتقدم الاتحاد بشكوى أمام منظمة التجارة العالمية تجاه هذا القرار.
وفى ذات السياق ، قال الممثل التجاري الروسي لدى الولايات المتحدة ألكسندر ستادنيك ، إن قرار الرئيس الأمريكي بفرض رسوم جمركية على واردات بلاده من الصلب والألومنيوم، التى تعد ثالث أكبر دولة مصدرة للألومونيوم وتاسع أكبر دولة موردة للولايات المتحدة ، لا يفضي إلى نتائج إيجابية .
وفي البرازيل ثاني أكبر مصدر للصلب إلى الولايات المتحدة، أعرب دييجو بونومو رئيس التجارة الخارجية فى اتحاد الصناعات الوطنى البرازيلى عن شعور بلاده بالمفاجأة من القرار، وأن الولايات المتحدة عندما تفرض رسوما للإضرار بالصلب البرازيلى فإنها تضر بصادراتها من الفحم ومن المنتجات التى يدخل فيها الصلب.
وفى الصين، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية أنه إذا حذت كل الدول حذو الولايات المتحدة، فإن ذلك بلاشك سيؤدي إلى آثار خطيرة على النظام التجاري العالمى ، مهددا برد “ملائم وضروري” على القرارات الأمريكية في حال نشوب أي حرب تجارية ، فيما قال مدير مكتب الاستقصاء التجاري بوزارة التجارة الصينية، إن الرسوم التي أقرها الرئيس ترامب تعتبر “حمائية تحت مسمى الأمن القومي” و “إن سوء استخدام الولايات المتحدة لبند الاستثناء من أجل الأمن القومي” ، يعد هجوما غاشما على نظام التجارة متعدد الأطراف الذي تمثله منظمة التجارة العالمية، وسيكون له بالتأكيد تأثير خطير على نظام التجارة العالمى.
ووصف وزير التجارة الياباني هيروشيجي سيكو قرار ترامب بفرض رسوم على واردات الصلب والألومونيوم “بالمؤسف بشدة ” ، مؤكدا أنه سيؤثر سلبا على أنظمة التجارة متعددة الأطراف ، وأن اليابان لا تعتزم فرض رسوم انتقامية على المنتجات الأمريكية ، لكنها “ستدرس اتخاذ الإجراءات الضرورية في إطار منظمة التجارة العالمية”، مؤكدا الإجراءات الانتقامية “لن تفيد أي دولة”.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)