أصدرت المحكمة الدستورية العليا في جلستها المنعقدة اليوم السبت برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي نائب رئيس المحكمة، حكما بعدم الاعتداد بكافة الأحكام القضائية، سواء الصادرة من قضاء مجلس الدولة، أو من محكمة الأمور المستعجلة، المتعلقة بالاتفاقية الخاصة بترسيم الحدود البحرية المبرمة بين مصر والسعودية والمعروفة باسم اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير.
وذكرت المحكمة الدستورية العليا، في أسباب حكمها، أن الأحكام الصادرة من قضاء مجلس الدولة (القضاء الإداري والمحكمة الإدارية العليا) مثلت عدوانا على اختصاص السلطة التشريعية، فضلا عن أن توقيع ممثل الدولة المصرية على اتفاقية تعيين الحدود البحرية هو أمر من الأعمال السياسية.
وأوضحت المحكمة أن العبرة في تحديد التكييف القانونى لأى عمل تجريه السلطة التنفيذية لمعرفة ما إذا كان من أعمال السياسة أم لا، وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة، رهن بطبيعة العمل ذاته، فإذا تعلق العمل بعلاقات سياسية بين الدولة وغيرها من أشخاص القانون الدولى العام، أو دخل فى نطاق التعاون والرقابة الدستورية المتبادلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية؛ أصبح عملا من أعمال السياسة.
وأشارت المحكمة إلى أنه بالبناء على هذا النظر؛ فإن إبرام المعاهدات والتوقيع عليها يعد من أبرز أمثلة هذه الأعمال، وذلك من وجهين؛ الأول: تعلقها بعلاقة بين السلطة التنفيذية، ممثلة للدولة، وبين سائر أشخاص القانون الدولى العام، من دول ومنظمات دولية، وذلك فى مراحل التفاوض والتوقيع والتنفيذ.. الثانى: وقوعها فى مجال الاختصاص المشترك، والرقابة المتبادلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، فبمقتضى المادة (151) من الدستور يراقب مجلس النواب السلطة التنفيذية فيما تبرمه من معاهدات، وله أن يوافق أو يرفض ما يدخل منها فى اختصاصه بموجب الفقرة الأولى من المادة المذكورة.
وأضافت المحكمة أن لمجلس النواب تقرير ما إذا كانت تلك المعاهدات تتعلق بالفقرتين الثانية والثالثة من المادة ذاتها، فيُحال ما يندرج منها فى الفقرة الثانية للاستفتاء، ويمتنع عن الموافقة، بأية صورة، على ما يتعلق منها بالنزول عن شئ من إقليم الدولة أو ما يخالف الدستور.
وأكدت المحكمة أن سلطة البرلمان فى ذلك سلطة حصرية لا يشاركه فيها غيره، فإذا ما استنفد مجلس النواب سلطاته، كان مرد الأمر، مرة أخرى، لرئيس الجمهورية وحده، بما له من سلطة، إن شاء صدق على المعاهدة، وإن شاء أبى، وذلك كله وفقا لتقديراته السياسية وما يتطلبه صون المصالح العليا للبلاد.
ولفتت المحكمة الدستورية العليا إلى أنه يمتنع على السلطة القضائية – بجميع جهاتها ومحاكمها – التدخل فى أى من هذه الشئون جميعها حتى تمامها، فإذا نُشرت المعاهدة وفقا للأوضاع المقررة فى الدستور، وأصبح لها قوة القانون، جاز مراقبتها قضائيا من وجهين، الأول:رقابة استيفائها للشروط الشكلية المقررة في الدستور، والثانى: الرقابة الموضوعية للمعاهدة، وهى رقابة تجد موجباتها فى نص الفقرة الأخيرة من المادة (151) من الدستور، التى حظرت مخالفة المعاهدة لأحكام الدستور كافة، وهذه الرقابة القضائية على المعاهدات، من وجهيها، هى رقابة دستورية وليست رقابة مشروعية، وهى، بهذه المثابة، منوطة استئثارا بالمحكمة الدستورية العليا، لا تشاركها فيها جهة قضائية أخرى أيا كانت.
وذكرت المحكمة أن توقيع ممثل الدولة المصرية على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين حكومتى مصر والسعودية يعد – لا ريب – من الأعمال السيادية.
وأكدت أن الحكم الصادر فى الدعويين رقمى 43709، 43866 لسنة 70 ق “قضاء إدارى” والمؤيد بالحكم الصادر من دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 74236 لسنة 62 ق “عليا”، قد خالف هذا المبدأ، بأن قضى باختصاص القضاء الإدارى بنظر صحة توقيع ممثل الدولة المصرية على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين حكومتى جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية، حال كونه ممنوعا من ذلك، عدوانا على اختصاص السلطة التشريعية، فإنه يكون خليقا بعدم الاعتداد به .
وأشارت المحكمة إلى أن المادة (190) من الدستور تنص على أن “مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل فى المنازعات الإدارية، ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه…..” وكان الحكم الصادر من محكمة القاهرة للأمور المستعجلة المؤيد بالحكم الصادر فى الاستئناف، قد خالف هذا النظر، وفصل فى منازعة تنفيذ موضوعية متعلقة بحكم صادر من المحكمة الإدارية العليا، فإنه يكون قد انتحل اختصاصا ممتنعا عليه دستورا، ويكون، والحال كذلك، جديرا بعدم الاعتداد به.
المصدر : أ ش أ