أمام مؤتمر نزع السلاح بجنيف.. شكري: وجود دولة غير طرف بمعاهدة عدم الانتشار النووي يفاقم الوضع بالمنطقة
أكد وزير الخارجية سامح شكري إن منطقة الشرق الأوسط تُعد من بؤر عدم الاستقرار الإقليمي والدولي، ويُفاقم من هذا الوضع وجود دولة بها غير طرف في المعاهدة عدم الانتشار النووي.
وأشار شكري في الكلمة التي ألقاها اليوم الثلاثاء، أمام الشق رفيع المستوى لمؤتمر نزع السلاح بجنيف، إلى ما أكدت عليه مؤتمرات مراجعة معاهدة عدم الانتشار النووي في أعوام 1995 و2000 و2010 بشأن مطالبة إسرائيل -الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي لا تزال خارج المعاهدة- بسرعة الانضمام للمعاهدة، وإخضاع جميع منشآتها النووية لنظام الضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما يسهم في صون السلم والحفاظ على الاستقرار ويحقق الأمن لجميع شعوب المنطقة.
وقال إنه “لمن المؤسف المواقف التي تتخذها بعض الأطراف في الإطار المتعدد وتُعد خروجا وعدم التزام بما قطعته دول أطراف على نفسها في هذا الصدد”.
وفيما يلي نص كلمة شكري:
“السيدة فيرونيكا بارد .. رئيس مؤتمر نزع السلاح
السيدات والسادة السفراء وممثلو الدول الأعضاء بمؤتمر نزع السلاح
اسمحوا لي في البداية أن أهنئكم، سيادة الرئيس، على توليكم مسئولية رئاسة مؤتمر نزع السلاح خلال هذه المرحلة الهامة من الدورة الجديدة للمؤتمر. كما أود أن أعرب عن تقدير بلادي لجهود السيد/ مايكل مولر، مدير عام مكتب الأمم المتحدة في جنيف وسكرتير عام مؤتمر نزع السلاح، والتي تساهم في توفير الدعم المستمر واللازم لأعمال المؤتمر. وأود أن أؤكد استمرار مساندة مصر لرئاسة المؤتمر وجهودها البناءة الساعية لاعتماد برنامج عمل شامل ومتوازن لمؤتمر نزع السلاح، وأن أعرب عن تطلع بلادي لنجاح دورة 2018 في استعادة الدور الفعال للمؤتمر، واضطلاعه بدوره الذي طالما كان محورياً في التفاوض على المعاهدات والاتفاقات الدولية في مجال نزع السلاح.
السيدة الرئيس،
يعانى مؤتمر نزع السلاح من حالة جمود وتعثر امتدت لأكثر من عقدين من الزمان، حيث لم يتمكن المؤتمر خلال هذه الفترة الطويلة، ورغم الجهود الحثيثة التي تم بذلها، من اعتماد برنامج عمل يتيح للمؤتمر القيام بالدور المنوط به. وهو أمر محبط للغاية وغير مقبول، ولابد أن يدفعنا جميعاً إلى مراجعة الأسباب التي أفضت لهذه النتيجة، ومضاعفة الجهود لتدارك الأمر وتغيير الوضع القائم، حفاظاً على مصداقية المؤتمر، وحرصاً على قدرته على القيام بمسئولياته في تعزيز الأمن الدولي، واستعادة دوره التقليدي باعتباره المحفل التفاوضي الوحيد متعدد الأطراف في مجال نزع السلاح.
إن استمرار حالة التأزم والجمود التي عرقلت عمل المؤتمر خلال هذه الفترة الطويلة لا تضر فقط دوره ومصداقيته، وإنما أصبحت تساهم في تكريس الانطباع الذي نلمسه بشكل متزايد في العلاقات الدولية في عالم اليوم، وجوهره هو اقتصار الكثير من الدول عند تحديد أهداف سياساتها الخارجية على تحقيق مصالحها الوطنية الضيقة، وتجاهل النظرة الشاملة للمصالح الأمنية المشتركة التي تتجاوز المصالح الفردية للدول. ولذلك، فإذا ما كانت الإرادة الدولية هي أن يتجاوز المؤتمر حالة التعثر التي يعاني منها، وأن يستعيد دوره التاريخي والمحوري في مجال نزع السلاح، فعلى جميع الدول أن تتجنب المواقف الأحادية التي تقوض من فرص تحقيق الأمن الجماعي، وأن تظهر المرونة اللازمة والإرادة السياسية المطلوبة لإعادة إطلاق المؤتمر وتفعيل دوره.
وفى هذا الإطار، أود أن أعرب عن ترحيب مصر باعتماد مؤتمر نزع السلاح في وقت سابق من هذا الشهر مقرراً يقضى بإنشاء خمسة أجهزة فرعية حول بنود جدول أعمال المؤتمر. وتتطلع مصر إلى أن تمثل هذه الخطوة تحركاً مهماً وتطوراً نوعياً في أعمال المؤتمر، يمكن البناء عليها خلال الدورة الحالية، وبما يمهد الطريق نحو اعتماد برنامج عمل شامل ومتوازن لمؤتمر نزع السلاح في المستقبل القريب.
السيدة الرئيس،
على الرغم من النداءات المتكررة من جانب مصر والعديد من أطراف المجتمع الدولي -على مدى عقود طويلة وفي مناسبات ومحافل كثيرة- المطالبة بتحقيق الإزالة الكاملة للأسلحة النووية، والوفاء بأحد أركان معاهدة عدم الانتشار النووي، فإن هذه النداءات لم تجد آذانا صاغية حتى الآن؛ فالأسلحة النووية لا تزال موجودة في العالم بأعداد كبيرة، الأمر الذي يمثل تهديداً خطيراً للأمن على المستوى الدولي. كما أن مفهوم الردع النووي يظل سائداً لدى بعض التحالفات العسكرية، وتبقى الأسلحة النووية كركيزة أساسية في العقائد الدفاعية الإستراتيجية لعدد من الدول. ونشهد استمرار بعض تلك الدول في تطوير أجيال جديدة من الأسلحة النووية، ونشر أسلحة نووية في أراضى دول أخرى، وإجراء مراجعات شاملة لسياساتها بهدف تطوير ترساناتها النووية. وتصر بعض الدول على التصدي لأية جهود وتحركات دولية تهدف إلى حظر الأسلحة النووية، على غرار مقاطعة المفاوضات الخاصة بمعاهدة حظر الأسلحة النووية التي عقدت في إطار الأمم المتحدة خلال العام الماضي. وهى كلها أمور تدفعنا للتساؤل حول مدى جدية بعض الأطراف الدولية في تحقيق هدف إخلاء العالم من الأسلحة النووية، بينما تتصدر ذات الدول بالدعوة لإحكام منظومة عدم الإنتشار إزاء أطراف تُعدها مُهددة لمصالحها الإستراتيجية، وهو ما يُفقدها المصداقية بل قد يُحفز دولاً على السعي لإمتلاك هذا السلاح المُدمر في محاولة للخروج من دائرة الاستهداف.
وفى مواجهة كل هذه التطورات، تؤكد مصر على ضرورة تمسك جميع الدول بالتزامات معاهدة عدم الانتشار النووي نصاً وروحاً. كما تعرب عن شديد قلقها من أنه بعد انقضاء ثمانية وأربعين عاماً على دخول المعاهدة حيز النفاذ، وما نصت عليه في مادتها السادسة من التزام قانوني واضح يطالب الدول النووية بنزع أسلحتها النووية،. فلا تزال الأسلحة النووية تنتشر في العالم، الأمر الذي يقوض من متطلبات الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، ويزيد من مصادر التوتر وعدم الاستقرار في مختلف أرجاء العالم، في ظل مشهد دولي يعانى من تعاظم التحديات وتزايد المخاطر في مختلف المناطق. إن هذا التقويض لمصداقية المُعاهدة لهو أمر خطير تتحمل مسئوليته الدول النووية التي تحرص على تكريس هذا الوضع التمييزي للمعاهدة، ويسلبها الأرضية المعنوية للسعي لإحكام منظومة عدم الانتشار.
إن الطرح الذي تدفع به بعض الدول النووية، والقائم على أن البيئة الأمنية والأوضاع السياسية الدولية غير مواتية للمضي قدماً في الإزالة الكاملة للسلاح النووي، يُمثل في تقدير مصر منطقاً مغلوطاً وغير مقنع. فعلى العكس من ذلك، يعد المضي قدماً نحو نزع السلاح النووي في حد ذاته عنصراً رئيسياً لخلق مناخ أمنى أقل خطراً ووضع دولي أكثر استقراراً. وسيظل العالم يعاني من المخاطر والتهديدات وانعدام الأمن طالما لم يتم البدء باتخاذ إجراءات جادة وملموسة على هذا الطريق. فضلاً عن أن نزع السلاح النووي هو في الأساس التزام قانوني لا يجب أن يرتبط الوفاء به بتقديرات أو موائمات سياسية. لذلك تطالب مصر الدول النووية بأن تتحمل مسئولياتها دون إبطاء، وأن تفي بالتزاماتها بنزع أسلحتها النووية بالكامل والبدء في التقدم نحو تحقيق ذلك، اتساقاً مع ما التزمت به في إطار معاهدة عدم الانتشار النووي، والذي لم تُوف به حتى الآن بما يقود إلى شُبهة عدم الامتثال لأحكام المعاهدة.
ومن نفس المنطلق .. يظل نزع السلاح النووي أمراً يكتسب أولوية متقدمة في إطار مؤتمر نزع السلاح، لابد من العمل على وضعه موضع التنفيذ بشكل قابل للتحقق وغير تمييزي. ولعلى أشير في هذا السياق إلي تنامي إدراك المجتمع الدولي للآثار الإنسانية الخطيرة للأسلحة النووية، وما أفرزته نتائج المؤتمرات التي عقدت في النرويج والمكسيك والنمسا من حقائق لا جدال فيها في هذا الخصوص. ولا شك أن الإدراك المتنامي للمخاطر الإنسانية للأسلحة النووية ساهم في توصل المجتمع الدولي إلي معاهدة لحظر الأسلحة النووية، كنتيجة للمفاوضات التي جرت في نيويورك لهذا الغرض. وإذ ترحب مصر بهذه الاتفاقية، تعرب عن تطلعها إلى استمرار الجهود لإخلاء العالم من الأسلحة النووية، وتخليص كافة الشعوب من مخاطرها.
وفى هذا الإطار، تؤكد مصر دعمها للجهود الساعية إلى البدء في مفاوضات للتوصل لمعاهدة دولية لحظر إنتاج المواد الانشطارية لأغراض الأسلحة النووية والأجهزة التفجيرية الأخرى، مع التأكيد على ضرورة أن تتناول هذه الاتفاقية المخزون من تلك المواد الانشطارية حتى تصبح أداة لتحقيق نزع السلاح النووي، وليس مجرد آلية جديدة يُراد منها تكريس الاختلال في الأوضاع القائمة واقتصار التركيز على قضايا عدم الانتشار.
السيدة الرئيس،
تتعرض معاهدة عدم الانتشار النووي لتحديات خطيرة ومتصاعدة بشكل غير مسبوق، إلى الحد الذي يدفع مصر للشعور بالقلق البالغ من احتمالات تآكل مصداقيتها. ولا شك أن عدم احترام بعض الدول الأطراف للالتزامات المنصوص عليها في المعاهدة يمثل جوهر تلك التحديات. ونشير في هذا الإطار مجدداً إلى عدم الوفاء بالالتزامات الخاصة بنزع السلاح النووي، والإقدام على التعاون في المجال النووي مع دول غير أطراف في المعاهدة، ومحاولة وضع تدابير فردية وجماعية من شأنها عرقلة التعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية التي تمثل احدي ركائز المعاهدة.
وعلى نفس القدر من الأهمية، نؤكد أن عدم نجاح المجتمع الدولي في تحقيق عالمية المعاهدة حتى الآن أثر سلباً علي جدواها، وأدى استمرار عدد محدود من الدول في رفض الانضمام للمعاهدة إلى إلقاء ظلال من الشك على قدرتها على تحقيق كامل أهدافها. وتطالب مصر مجدداً الدول غير الأطراف بسرعة الانضمام للمعاهدة كدول غير نووية، وتحث كافة الدول الأطراف بالعمل بشكل جاد وملموس لتحقيق عالمية المعاهدة في أسرع وقت ممكن، ومما يُضاعف من تآكل هذه المصداقية للمعاهدة ما نرصده من استعداد من قبل دول أطراف لحماية مصالح دول غير أطراف، والإستعداد لإعاقة آلية مراجعة المعاهدة إعلاءً لمواءمات سياسية بعيدة عن مقاصد المُعاهدة وأهدافها.
إن منطقة الشرق الأوسط تُعد من بؤر عدم الاستقرار الإقليمي والدولي، ويُفاقم من هذا الوضع وجود دولة بها غير طرف في المعاهدة، ومن نعيد التذكير بما أكدت عليه مؤتمرات مراجعة معاهدة عدم الانتشار النووي في أعوام 1995 و2000 و2010 بشأن مطالبة إسرائيل -الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي لا تزال خارج المعاهدة- بسرعة الانضمام للمعاهدة، وإخضاع جميع منشآتها النووية لنظام الضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما يساهم في صون السلم والحفاظ على الاستقرار ويحقق الأمن لجميع شعوب المنطقة. وأنه لمن المؤسف المواقف التي تتخذها بعض الأطراف في الإطار المتعدد وتُعد خروجاً وعدم التزام بما قطعته دول أطراف على نفسها في هذا الصدد.
السيدة الرئيس،
شهد الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة تطورات خطيرة ومتسارعة في الأوضاع الأمنية والسياسية، الأمر الذي يتطلب من جميع دول المنطقة والعالم التعامل مع تلك التطورات وما تمثله من تهديد للأمن الإقليمي والدولي بكل جدية وحزم. ويظل إنشاء المنطقة الخالية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط على رأس قائمة الخطوات اللازمة للحفاظ على أمن المنطقة وسلامة شعوبها. وكانت مصر ولا تزال في طليعة الدول المنادية بتحقيق هذا الهدف، والساعية بشكل ملموس لبلوغه، انطلاقاً من اقتناعها الكامل بأن الطريق إلى تحقيق السلام والأمن في الشرق الأوسط يجب أن يرتكز على مفهوم “الأمن الجماعي”، وليس مفهوم “الأمن الانتقائي”، وبما يحقق مكاسب متبادلة لكافة الدول بالمنطقة.
لقد احتلت مسألة إنشاء المنطقة الخالية في الشرق الأوسط تدريجياً وعن استحقاق، مقدمة اهتمامات مؤتمرات مراجعة معاهدة عدم الانتشار النووي واجتماعاتها التحضيرية. وأصبحت التطورات ذات الصلة بهذه المسألة وكيفية التعامل معها أحد مؤشرات نجاح أو إخفاق مؤتمرات مراجعة المعاهدة. ولذلك، كان من المؤسف أن نشهد قيام عدد محدود من الدول بإحباط الجهود المضنية التي بذلت لدفع مسار إنشاء المنطقة الخالية خلال مؤتمر مراجعة معاهدة عدم الانتشار النووي عام 2015.
وتؤكد مصر على ضرورة إيلاء هذه المسألة اهتماماً خاصاً خلال عملية الإعداد لمؤتمر مراجعة المعاهدة القادم في عام 2020، ليس فقط لأسباب أخلاقية وموضوعية، وإنما لارتباط التمديد اللانهائي للمعاهدة في مؤتمر المراجعة عام 1995 بالقرار الخاص بالشرق الأوسط. إنه لمن المؤسف بعد مضى ما يقارب ثلاثة وعشرين عاماً على صدور قرار الشرق الأوسط، ألا نشهد أية خطوات عملية نحو تفعيل هذا القرار والتقدم نحو إنشاء المنطقة الخالية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل في المنطقة، وأن نلمس تقاعساً غير مبرر أو مقبول عن تنفيذه، بل نجد محاولات لوأد وإعاقة أية مبادرات أو أفكار جادة وفاعلة للتحرك نحو ذلك الهدف رغم موضوعيتها واستنادها للحوار ومبدأ التوافق في اتخاذ أي قرارات أو إجراءات. وتود مصر هنا أن تشدد على المسئولية الخاصة للدول الثلاث المودع لديها الاتفاقية عن تنفيذ قرار الشرق الأوسط عام 1995، وتحذر من أن الاستمرار في المماطلة في تنفيذ القرار من شأنه أن يعقد مجدداً منظومة مراجعة معاهدة عدم الانتشار النووي، وهو أمر ستعمل مصر بكل جدية وإخلاص لتفاديه، وستمد يدها في هذا الإطار لكل طرف راغب في احترام قرارات مؤتمرات المراجعة السابقة وتفعيلها .. حفاظاً على مصداقية المعاهدة ومؤتمرات المراجعة.
السيدة الرئيس،
تؤكد مصر حرصها على استمرار المشاركة البناءة والنشطة في مؤتمر نزع السلاح، وتتطلع لتقديم المزيد من الإسهامات خلال الاجتماعات المختلفة التي تشهدها أجندة نزع السلاح هذا العام. وتشير مصر في هذا الإطار بصفة خاصة إلى مؤتمر الأمم المتحدة رفيع المستوى بشأن نزع السلاح النووي المقرر عقده في نيويورك خلال مايو القادم.
إن مستقبل آليات عمل الأمم المتحدة متعددة الأطراف في مجال نزع السلاح يتوقف على إيمان كافة الدول بمقاصد وأهداف نزع السلاح ودعمها لها. وبنفس القدر، فان التحديات الخطيرة التي تواجه المجتمع الدولي تستلزم تعاونا دولياً متعدد الأطراف أكثر من أي وقت مضى. فإذا أردنا أن نحقق عالماً أكثر أمناً وسلاماً، فعلينا إعلاء مفاهيم الشراكة والعمل الجماعي فوق المصالح الضيقة والمحدودة للدول. وأؤكد لكم أن مصر ستظل في طليعة الدول التي تعمل بشكل بناء في هذا الاتجاه.
وشكراً سيادة الرئيس”.
المصدر: بيان من الخارجية