مع بدء المرحلة الأولى من إنتاج حقل ظهر للغاز الطبيعي بكل ما يحمله من احتياطيات ضخمة وإمكانات واعدة، بدأت مصر تستعد لتصبح محطة ومحورا عالميا لإنتاج وتوزيع الغاز والطاقة، الأمر الذي لفت أنظار الصحف والمواقع الإخبارية الاقتصادية، التي نشرت تقارير عديدة حول مستقبل الغاز والطاقة المشرق في مصر.
وأوضح موقع وكالة “بلومبرج” الاقتصادية أن لجوء مصر لاستيراد الغاز الطبيعي خلال الأعوام القليلة الماضية لتشغيل محطات توليد الكهرباء سيصبح سريعا شيئا من الماضي، وذلك بعد بدء إنتاج حقل ظهر للغاز الذي يعد أكبر حقل للغاز في البحر المتوسط، ويمكن أن تمثل احتياطياته الهائلة تأمينا دائما لاحتياجات مصر التي تعد أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان من الطاقة، وتحقق لها الاكتفاء الذاتي.
وأضافت الوكالة في تقريرها إن حقل ظهر الذي يوصف بأنه “سوبر عملاق” تم اكتشافه في أغسطس 2015 ، وتقدر احتياطياته بنحو 30 تريليون قدم مكعب ويعادل احتياطيات إسرائيل وسلطنة عمان من الغاز مجتمعين مما يجعله أكبر اكتشاف من نوعه في البحر المتوسط.
وقال تقرير “بلومبرج” إن الحقل يغطي مساحة مائة كيلومتر مربع، مشيرا إلى أن افتتاح المرحلة الأولى من الإنتاج في 16 ديسمبر الماضي سيوفر 350 مليون قدم مكعب يوميا من الغاز، مشيرا إلى أن الرئيسي عبد الفتاح السيسي تعهد بحل مشكلة نقص الطاقة بجدية، كما أن المشروع سيتيح الفرصة لمصر لأن تعود إلى تصدير الغاز.
وأوضحت الوكالة أن الأحداث المصاحبة لثورة يناير 2011 أدت إلى تراجع حركة السياحة وانخفاض حصيلة النقد الأجنبي، وعدم قدرة مصر على سداد مستحقات الشركات الأجنبية مما أدى إلى حدوث أزمة في إتاحة الكهرباء للمستهلكين، ثم لجوء مصر إلى استيراد الغاز المسال بعد أن كانت مصدرة له خاصة مع حدوث عدة عمليات إرهابية لتفجير خطوط نقل الغاز في سيناء، حيث بلغت قيمة الواردات من الغاز 2.2 مليار دولار، غير أنه من المقرر أن تتوقف هذه الواردات بعد بدء إنتاج حقل ظهر، وهو الإنتاج الذي سيشجع المستثمرين الأجانب على ضخ استثمارات جديدة في قطاع الطاقة، خاصة مع صدور قانون جديد يسمح للقطاع الخاص بالإتجار في الغاز مستخدما البنية التحتية التي تمتلكها الدولة.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد شهد إزاحة الستار عن اللوحة التذكارية إيذاناً ببدء مرحلة الإنتاج المبكر لحقل “ظهر”، ثم استمع إلى شرح حول مشروع حقل “ظهر” وما يتضمنه من منشآت، وذلك أثناء الزيارة التفقدية التي قام بها الرئيس للمحطة الأرضية لحقل “ظهر” بمحافظة بورسعيد.
واستمع الرئيس السيسي في بداية الزيارة إلى كلمة من كلاوديو ديسكاليزى رئيس شركة إينى مستكشفة الحقل والمشغل الرئيسى له، أكد خلالها أن حقل “ظهر” يعكس مدى أهتمام الشركة بالاستثمار في مصر، خاصة وأنها من أولى الدول التي عملت بها شركة إينى، موضحاً أن الشركة تدير نحو 35% من انتاج الغاز في مصر.
وأكد رئيس الشركة أن افتتاح حقل “ظهر” يعد إنجازاً كبيراً يحسب لمصر، مشيراً إلى أن الحكومة المصرية وفرت الدعم لإنجاز المشروع، وأن الشركات المصرية حققت أرقامًا قياسية خلال مراحل العمل، موضحا أن الحقل ما زال به الكثير ليتم اكتشافه.
كما ألقى المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية كلمة أكد خلالها ما يمثله الحقل من إضافة هامة للاقتصاد المصري، مشيراً إلى أنه يعد نموذجاً لقدرة مصر على تحقيق الانجازات الكبرى فى توقيت قياسى.
وقدم وزير البترول عرضاً حول استراتيجية قطاع البترول ومواد الطاقة في مصر ومشروع حقل ظهر، مشيراً إلى ما شهده السوق المصرى في السابق من تحديات منها توقف أعمال البحث والاستكشاف وتباطؤ الاستثمارات، وظهور فجوة في الإنتاج المحلى، وحدوث أزمات في توافر مواد الطاقة.
وأكد المهندس طارق الملا أنه مع الاستقرار السياسى والأمنى نجحت الحكومة في استعادة عمليات البحث والاستكشاف والتنمية فى مشروعات الغاز وتطوير معامل البتروكيماويات والبنية الأساسية الخاصة بالمنتجات البترولية بهدف زيادة القدرة على إنتاج مواد الطاقة.
كما عرض وزير البترول تفاصيل مشروع حقل “ظهر”، ومراحل تنفيذه وصولاً لبدء إنتاج الغاز الطبيعي، مشيراً إلى أن احتياطيات حقل “ظهر” تقدر بحوالى 30 تريليون قدم مكعب غاز وهو ما يعادل 5,4 مليار برميل زيت مكافئ، كما أن احتياطيات الحقل تمثل أكثر من 135% من الإحتياطى الحالي للزيت الخام في مصر، وعرض أيضا أهمية المشروع للاقتصاد القومى، مشيراً إلى ما يساهم به في توفير فرص العمل، وجذب الاستثمارات الأجنبية لمصر والتي تقدر بحوالى 12 مليار دولار تم انفاق 5 مليارات منها خلال المرحلة الأولى، فضلاً عن زيادة إنتاج الغاز المصري، وسد احتياجات السوق المحلى والتوجه نحو التصدير.
وحرص الرئيس السيسي على تأكيد أهمية اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص بما يتيح المجال لبدء عمليات البحث والاستكشاف والتنقيب والاستفادة من الثروات، وشدد على أهمية مراعاة عدم التصدي لموضوعات حساسة تتعلق بمصير الشعب المصري بدون الإلمام الكامل بتفاصيل تلك الموضوعات وأهميتها للدولة.
وأشار الرئيس إلى ما كانت تتحمله الدولة من نفقات منذ سنوات منها مليار ومائتى مليون دولار شهرياً لشراء منتجات بترولية نتيجة لتوقف الإنتاج نتيجة لحالة الثورة التي كانت تمر بها مصر، ووجه الرئيس الشكر باسم الشعب المصري إلى شركة إينى ورئيسها، مشيراً إلى أن العلاقة مع الشركة أثبتت مدى قوة العلاقات المصرية الإيطالية.
ووجه الرئيس باستكمال توصيل الغاز الطبيعي لحوالي 1.35 مليون وحدة سكنية خلال العام الحالي، على أن يتم التوصل لحل لمشكلة التمويل اللازم.
كما نشرت شركة إيني على موقعها الإليكتروني تقريرا يشيد بجهود الحكومة المصرية في تسهيل اكتشاف حقل ظهر، الذي وصفته بأنه تم في وقت قياسي وبأنه أكبر اكتشاف غازي في تاريخ مصر وفي البحر المتوسط، وأنه من المتوقع أن يغير مشهد الطاقة في مصر تماما بحيث يسمح لها بتحقيق الاكتفاء الذاتي، وأن تتحول من مستورد للغاز إلى مصدر له في المستقبل.
ومن ناحية أخري، أشاد الرئيس عبد الفتاح السيسي بالاهتمام الذي أبداه المواطنون خلال الأيام الماضية بموضوع الغاز، بالنظر إلى ما يعكسه من حرص المصريين على مقدرات وطنهم.
وأشار خلال مداخلة أثناء زيارته لمقر وزارة الاستثمار إلى أن موضوع استيراد الغاز من إسرائيل قام به القطاع الخاص، منوهاً إلى دعم الحكومة لهذه الخطوات وأنه ليس لدينا ما نخفيه في هذا الموضوع على الإطلاق.
كما أكد الرئيس أن مصر تسعي إلى أن تكون مركزاً إقليمياً للطاقة، وهو ما يتطلب تعظيم الاستفادة مما لدي مصر من شبكات وقدرات ومنشآت في معالجة الغاز الخام الذي تم اكتشافه في حقول شرق المتوسط سواء في مصر أو الدول الأخرى.
وأضاف الرئيس أن الغاز الذي سيتم استيراده سيعالج في المنشآت المصرية مقابل القيمة المناسبة، وسيتم إدخاله على الشبكة القومية ليكون متاحاً إما للاستهلاك المحلي أو للتصدير، مشدداً على ما يمثله ذلك من خطوة مهمة لتصبح مصر مركزاً إقليمياً للطاقة بما لذلك من إيجابيات، لاسيما في ضوء وجود دول أخري منافسة بالمنطقة.
وأشار الرئيس إلى أنه يوجد قانون منظم لتجارة الغاز في مصر بما يجعلها سوقاً حرة لتداوله، منوهاً إلى أن الدولة أتاحت هذا المجال للقطاع الخاص بهدف زيادة القيمة المضافة من الغاز وتعظيم العائد منه وإدخاله في صناعات السماد والبتروكيماويات.
ونظرا لاهتمام الرئيس السيسي بملف الطاقة في مصر، فقد شارك في افتتاح مؤتمر ومعرض مصر الدولي الثاني للبترول “إيجبس 2018″، وشاهد فيلما تسجيليا عن الصناعة ومواجهة التحديات والتطور والنجاحات التي تحققت في قطاع الطاقة والغاز ودعم الاقتصاد المصري وبرامج وسياسات الإصلاحات الاقتصادي وبناء الاقتصاد القوى، كما استعرض الفيلم التقدم الصناعي للبتروكيماويات ودفع الاقتصاد القومي.
ويعد المؤتمر فرصة لتبادل الآراء والخبرات الفنية، والتعرف على أحدث التكنولوجيات المطبقة في صناعة البترول والغاز العالمية، كما أنه ملتقى بترولي عالمي مهم لطرح الفرص الاستثمارية المتاحة في شتى المجالات البترولية المصرية أمام كبرى الشركات البترولية العالمية، وخاصة في مشروع مصر القومي للتحول لمركز إقليمي لتجارة وتداول الغاز والبترول الذي يتم تنفيذه حاليا.
وشارك في المؤتمر عدد من وزراء الطاقة والبترول، فضلًا عن سكرتير عام منظمة الدول المصدرة للبترول أوبك، وأمين عام الدول العربية المصدرة للبترول أوابك، وأمين عام منتدى الدول المصدرة للغاز، ورئيس مجلس البترول العالمي، بالإضافة إلى نحو 150 خبيرًا، وأكثر من 400 شركة محلية وعالمية، و10 آلاف مشارك و11 جناحًا لكبريات الدول في الصناعة البترولية، وشهد المؤتمر نحو 40 جلسة فنية إلى جانب الجلسات الرئيسية.
والهدف من مؤتمر ومعرض مصر الدولي للبترول “إيجبس 2018″، يتمثل في جذب أهم الأطراف المعنية بالصناعة على الصعيد الإقليمي لتحديد ملامح مستقبل قطاع الطاقة بالمنطقة، وعرض خططهم، والتعرف على أهم التطورات، وتعزيز فرص التعاون الاستثنائية.
ويدل المؤتمر على امتلاك مصر موارد وفيرة وبعض تكاليف الإنتاج الأكثر تنافسية على مستوى العالم، والتزام الحكومة بإصلاح قطاع البترول والغاز بالدولة.
وأشاد محمد باركيندو سكرتير عام منظمة أوبك بدور الرئيس السيسي في تحقيق الريادة لمصر، وقال في كلمة له بالمؤتمر “اليوم مصر تعد أحد أهم المصادر الرئيسية في محاور الطاقة بالمنطقة”، وأشاد بالاكتشافات المصرية الجديدة في مجال البترول خاصة حقل ظهر.
بينما أكد المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية، في كلمته بالمؤتمر “إن مصر أصبحت لاعبًا فاعلًا في هذا القطاع بالمنطقة”، وأضاف أن ما تحقق هو ثمرة نجاح صاغه الشعب المصري بعزيمة وتحدٍ.
وعرض الوزير إنجازات قطاع البترول والطاقة خلال السنوات الأربع الماضية، وقال إن القطاع حقق قصص نجاح غير مسبوقة خلال الأعوام الماضية، موضحا أنه تم إنجاز أربعة مشروعات كبرى لإنتاج الغاز الطبيعي في عام واحد.
وقد اوضح السفير بسام راضي المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية أن صفقة الغاز بين القطاع الخاص المصري وإسرائيل لها مردود إيجابي وغير مباشر على الحكومة المصرية، من حيث الرسوم التي يتم تحصيلها من خلال استيراد الغاز عبر شبكة الأنابيب التي تمتلكها الحكومة المصرية، وأضاف إن مصر ستقوم بعملية تجهيز الغاز حيث يأتي بشكل خام وتتم معالجته بشكل فني معين ليتم استخدامه في المصانع أو المنازل، أو إعادة تصديره.
وأشار السفير بسام راضي إلى أنه في حالة تسييل الغاز ومعالجته في مصر سيكون من خلال محطتين تمتلكهما مصر، وهذا ليس موجودا في كثير من دول المنطقة، مؤكدا أن هذه الإمكانات تؤهل مصر لإعادة تصدير الغاز، وفي كل الأحوال ستحقق الحكومة المصرية فوائد كبيرة.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)