جاء قرار حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم في جنوب أفريقيا، اليوم الثلاثاء، بعزل الرئيس جاكوب زوما من منصبه ليضع البلاد أمام تحد سياسي جديد، وليطرح أسئلة حول ما إذا كان هذه الخطوة ستضع نهاية للأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ نحو عامين، أم أنها ربما تكون بداية لأزمة جديدة، لاسيما في حال تمسك زوما بالبقاء في منصبه حتى نهاية فترته الرئاسية الثانية والمقرر أن تنتهي منتصف العام المقبل.
وقد اتخذت اللجنة التنفيذية الوطنية، التي تمثل القيادة العليا للحزب، قرارها بعزل زوما من رئاسة البلاد في ساعة مبكرة من صباح اليوم عقب اجتماع طويل وعاصف استمر على مدى 13 ساعة، وذلك بعد رفضه التخلي طواعية عن منصبه بناء على مطالبات الحزب له بذلك.
ويعطي النظام الأساسي للحزب هذه اللجنة، التي تضم 107 أعضاء من القيادات العليا في الحزب، سلطة إصدار أوامر للرئيس، بصفته أحد قيادات الحزب بالاستقالة من منصبه، لكن لا توجد نصوص دستورية تلزم رئيس الدولة بتنفيذ هذا القرار.
ومنح الحزب مهلة 48 ساعة للرئيس زوما للاستقالة من منصبه، فيما أشارت تقارير إعلامية محلية في جنوب أفريقيا إلى أن زعيم الحزب “سيريل رامافوسا”، الذي يشغل أيضًا منصب نائب الرئيس، توجه عقب اجتماع اللجنة التنفيذية إلى مقر زوما في وسط بريتوريا ليسلمه الرسالة شخصيًا.
وهذه ليست المرة الأولى التي تتخذ فيها قيادة حزب المؤتمر الوطني قرارًا بإقالة الرئيس، حيث سبق أن اتخذت نفس هذه الخطوة مع الرئيس السابق “ثابو مبيكي” عام 2008، لكن الفارق هنا أن “مبيكي” استجاب لقرار الحزب وقدم استقالته طواعية، وهو ما يرفضه زوما حتى الآن.
وكانت الدعوات المطالبة بتنحي زوما عن منصبه تصاعدت داخل حزب المؤتمر الوطني، منذ انتخاب “سيريل رامافوسا” زعيما للحزب في شهر ديسمبر الماضي، وذلك مع تراجع شعبية الحزب وتصاعد الانقسامات داخل صفوفه.
وسعى سيريل منذ توليه زعامة الحزب إلى التعجيل برحيل زوما عن الرئاسة، حيث يرى كثيرون من قيادات المؤتمر الوطني أن بقاءه في منصبه أصبح يمثل عبئًا سياسيًا على الحزب وفرصه في الانتخابات العامة المقررة عام 2019.
وبينما تأمل قيادات حزب المؤتمر الوطني في أن تسهم هذه الخطوة في استعادة الحزب لشعبيته التي تراجعت بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة من حكم زوما بسبب شبهات الفساد التي لاحقت الرئيس زوما وحكومته، لا سيما في فترته الثانية، فإن محللين لا يستبعدون استمرار الأزمة التي يعشيها الحزب الحاكم في جنوب أفريقيا حاليًا، خصوصًا في ضوء التقارير التي أشارت إلى أن زوما قد يرفض قرار اللجنة التنفيذية للحزب ويصر على البقاء في منصبه، وذلك خشية ملاحقته قضائيًا في حال ترك منصبه، بتهم تتعلق بقضايا فساد.
ويرى مراقبون أن سبب تمسك زوما بالسلطة يعود إلى رغبته في الحصول أولًا على حصانة من الملاحقة القضائية في هذه الاتهامات وبعضها يتعلق برشاوى في صفقة أسلحة.
وبالتزامن مع الجهود التي تبذلها قيادات حزب المؤتمر الوطني منذ أسابيع لإقناع الرئيس زوما بالاستقالة، دخلت المعارضة في جنوب أفريقيا على خط الأزمة لتمارس مزيدًا من الضغوط على الحزب.
وطالبت – في بيان لها أمس – بحل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة؛ كسبيل للخروج مما اعتبرته الأزمة السياسية التي سببها رفض زوما التنحي.
كما أعلنت المعارضة أنها تنوي طرح مذكرة جديدة لحجب الثقة عن الرئيس وحكومته في البرلمان يوم 22 فبراير الجاري، إذا استمر زوما في منصبه حتى هذا التاريخ، وفي هذه الحالة سيكون تاسع طلب لحجب الثقة تقدمه المعارضة منذ تولي زوما السلطة عام 2009.
وفي حال استجاب زوما لقرار الحزب وقبل التنحي عن منصبه، فإن “رامافوسا” هو الذي سيتولى رئاسة البلاد بصفته نائب الرئيس، وذلك لفترة مؤقتة لا تتعدى شهرًا حتى يتمكن البرلمان من انتخاب رئيس جديد، لكن ذلك لن ينهي الأزمة، إذ سيواجه “رامافوسا” العديد من المصاعب والعقبات في سبيل تحقيق الانتقال السياسي السلس للسلطة من ناحية، والحفاظ على وحدة الحزب واستعادة شعبيته من ناحية أخرى.
وعلى رأس المصاعب، تمسك زوما بالبقاء في السلطة، والانقسامات والخلافات التي تعصف بحزب المؤتمر المؤتمر الوطني حاليًا، وهي الخلافات التي أقر بها رامافوسا نفسه، حيث دعا أعضاء الحزب إلى تجاوز الخلافات والتوحد خلف القيم السياسية التي دافع عنها الزعيم التاريخي الراحل لجنوب أفريقيا نيلسون مانديلا.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)