تحيي منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “فاو” غدا اليوم العالمي للتربة 2017 تحت شعار ” العناية بالكوكب تبدأ بالتربة ” ويهدف الاحتفال إلي إيصال رسائل حول أهمية جودة التربة من أجل تحقيق الأمن الغذائي ونظم إيكولوجية صحية ورفاهية الإنسان.
كما سيتم إعلان الفائز بجائزة غلينكا العالمية للتربة لعام 2017، ويتم منح الجائزة سنويا، بدعم من الاتحاد الروسي، تحت رعاية الشراكة العالمية للتربة في اليوم العالمي للتربة الموافق ليوم 5 ديسمبر 2017، وتتألف من ميدالية غلينكا و15 ألف دولار أمريكي، وتعترف جائزة غلينكا العالمية للتربة بالإنجازات المتميزة وتشجع صناع التغيير الديناميكي على تطوير وتنفيذ مفاهيم جديدة لحماية الأراضي والتربة، وتكرم الجائزة الابتكارات والمساهمات المتميزة سواء من الأفراد أو المؤسسات أو المنظمات لحماية موارد التربة للأجيال القادمة.
وكان الاتحاد الدولي لعلوم التربة قد أوصي في عام 2002 بيوم دولي للاحتفال بالتربة. وتحت قيادة مملكة تايلاند وفي إطار الشراكة العالمية من أجل التربة، دعمت منظمة الأغذية والزراعة الإنشاء الرسمي لليوم العالمي للتربة كمنصة توعية عالمية، وأقر مؤتمر المنظمة بالإجماع اليوم العالمي للتربة في يونيو 2013 وطلب اعتماده رسميا في الدورة الثامنة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي ديسمبر 2013، استجابت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتخصيص يوم 5 ديسمبر 2014 رسمياً كأول يوم عالمي للتربة.
وتعتبر التربة هي الأساس للأغذية والأعلاف والوقود وإنتاج الألياف والخدمات للنظم الإيكولوجية ورفاه الإنسان. وتحتوي على ما لا يقل عن ربع إجمالي التنوع البيولوجي العالمي، وبالتالي تتطلب نفس الاهتمام الذي يلقاه التنوع البيولوجي فوق سطح الأرض. وتلعب التربة دورا رئيسيا في توفير المياه النظيفة والقدرة على التكيف مع الفيضانات والجفاف، وتشكِّل التربة السليمة أكبر مستودع للكربون الأرضي. ويمكن للتربة عندما تدار بطريقة مستدامة أن يكون لها أثرها الهام في التخفيف من آثار تغير المناخ عن طريق تخزين الكربون (احتجاز الكربون) وتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي . ومعالجة وتعزيز موارد التربة العالمية هي مسألة ضرورية لضمان توافر الغذاء والماء اللازم للحاجة الإنسانية، وأمن الطاقة.
ويشير تقرير صادر عن منظمة الفاو بعنوان “حالة موارد التربة في العالم” ، أن التربة لم تنفك تتدهور بسرعة على الصعيد العالمي الشامل بسبب عوامل التآكل، واستنزاف المغذيات، وفقد الكربون العضوي، والتصلب وغير ذلك من التهديدات… لكن هذا الاتجاه يمكن تغييره إلى عكسه على أن تأخذ البلدان بزمام المبادرة لتعزيز ممارسات الإدارة المستدامة وتطبيق التكنولوجيات الملائمة.
وتنهض التربة بدور حيوي في إنتاج المحاصيل الغذائية من خلال تصفية وتنظيف عشرات الآلاف من الكيلومترات المكعبة من المياه سنوياً. وكمخزن هائل للكربون، تساعد التربة أيضاً في تنظيم انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغيره من غازات الدفيئة، وبالتالي تعد أساسيةً لتنظيم المناخ ذاته.
وأوضح تقرير “فاو” الدولي حول التربة، أن أغلبية مواردها في العالم هي في حالة متوسطة أو سيئة، أو بالغة السوء بل وأن أوضاعها لم تنفك تتفاقم بمعدلات تفوق بكثير معدلات تحسنها. وعلى وجه الخصوص، أصبح 33 % من مجموع الأراضي في العالم متدهوراً من التردي المعتدل إلى التردي الشديد بفعل عوامل التعرية، والملوحة، والإجهاد، والتحمض، والتلوث الكيميائي.
وقال “جوزيه غرازيانو دا سيلفا” المدير العام لمنظمة فاو، تعليقا على صدور هذا التقرير، إن المزيد من فقد التربة المنتجة سيلحق أضراراً جسيمة بإنتاج الغذاء والأمن الغذائي، ويضخم التقلبات في أسعار المواد الغذائية، وربما يغرق الملايين في لجة الجوع والفقر.
وأضاف دا سيلفيا ، لكن التقرير يورد أدلة مع ذلك على أن خسارة موارد التربة ووظائفها يمكن تجنبها، وتعزى التغيرات في حالة التربة أساساً إلى عوامل النمو السكاني والاقتصادي، كمحركات من المتوقع أن تتواصل خلال العقود المقبلة. معربا عن اقتناعه بأن محتويات التقرير ستساعد كثيراً في تحفيز العمل على المستويات كافة من أجل إدارة أكثر استدامة للتربة. وأشار إلى أن ذلك يتماشى والتزام المجتمع الدولي بتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ويشير التقرير إلى أن تلبية الاحتياجات الغذائية لسكان العالم الذين بلغت أعدادهم 3ر7 مليار نسمة اليوم ، استلزم تحويل أكثر من 35 % من مساحة اليابسة غير الجليدية إلى أغراض الزراعة، والنتيجة أن مناطق التربة التي نزع منها غطاء النباتات الطبيعية لغرض زراعة المحاصيل وتربية الماشية باتت تعاني من ارتفاع حاد في مستويات التآكل وخسارة حادة في محتواها من الكربون العضوي والمغذيات والتنوع البيولوجي. في الوقت ذاته، خلف التوسع العمراني بصمته الثقيلة أيضاً حيث نجم عن النمو السريع للمدن والصناعات تدهور متزايد في مناطق واسعة من الأراضي، شاملة تلوث التربة بالملوحة المفرطة والتحمض والمعادن الثقيلة، وتدمكها بفعل المكائن الثقيلة، وأخيراً لا آخراً دفنها على الدوام تحت أغطية من الأسفلت والخرسانة.
وأبرز التقرير أن تغير المناخ ، يشكل دافعاً قوياً للعمل على تحسين أوضاع التربة. مشيرا إلى أن ارتفاع درجات الحرارة بما يصاحبه من ظواهر جوية متطرفة كالجفاف والفيضانات والعواصف، يؤدي للإضرار بكم التربة ونوعيتها وخصوبتها عبر عدد من الطرق، بما في ذلك تقليص رطوبتها واستنزاف طبقاتها السطحية الغنية بالمغذيات؛ مثلما يساهم أيضاً في تفاقم معدل تآكلها وتراجع الخطوط الأمامية للسواحل.
ويركز تقرير الفاو على التهديدات العشرة الرئيسية لوظائف التربة وهي : التآكل ؛ فقد الكربون العضوي ؛ الإخلال بتوازن المغذيات؛ التحمض ؛ التلوث، التشبع بالمياه؛ التدمك وهو إعادة ترتيب حبيبات التربة بطرد الهواء من فراغات التربة باستخدام وسائل ميكانيكية مما يؤدي إلى تقلص فراغاتها لزيادة كثافتها ؛ التصلب وهو طرد تدريجي للمياه من التربة باستخدام إجهاد مستمر مما يؤدي إلى نقص الحجم ؛ الملوحة؛ فقد التنوع البيولوجي.
ولاحظت دراسة الفاو أن ثمة توافق عام في الآراء حول الاستراتيجيات المتعلقة بالتربة والتي يمكن من جهة أن تزيد كم المعروض من الغذاء، ومن جهة أخرى أن تحد من الآثار البيئية الضارة. وتنصب الحلول المقترحة على الإدارة المستدامة للأراضي من خلال المشاركة الواسعة النطاق بين أصحاب الشأن، عبر فئات تتراوح من الحكومات إلى صغار المزارعين.
وعلى سبيل المثال، يمكن كبح جماح التآكل عن طريق خفض الحرث أو التوقف عن عمليات العزق كلية- من حفر، وتحريك، وتقليب لسطح التربة مع استخدام مخلفات المحاصيل في حماية سطح التربة من آثار الأمطار والرياح. وبالمثل، يمكن استعادة صحة التربة التي تعاني من عجز المغذيات وزيادة غلتها من خلال إعادة تدوير بقايا المحاصيل والمواد العضوية الأخرى إليها، وتطبيق تناوب المحاصيل باستعمال المواد الطبيعية المثبتة للآزوت (النتروجين)، وترشيد عمليات التسميد العضوي والمعدني.
ويحدد التقرير 4 أولويات للعمل: الحد من تدهور التربة الجاري واستعادة إنتاجيتها حيثما يعد سكان مناطقها أشد عرضة للآثار السلبية ؛ تثبيت الأرصدة العالمية من المواد العضوية في التربة بما في ذلك كربون التربة العضوي والكائنات الحية في التربة ؛ تثبيت أو تقليل الاستخدام العالمي من للآزوت والفوسفور والأسمدة مع زيادة استعمال الأسمدة في مناطق نقص المغذيات ؛ تحسين مستوى المعارف حول أوضاع واتجاهات التربة.
وتتطلب هذه الإجراءات أن تدعمها سياسات هادفة، بما في ذلك دعم تطوير نظم معلومات التربة للرصد و التنبؤ بالتغيير ؛ رفع مستويات التثقيف والتوعية حول قضايا التربة من خلال دمجها في التعليم النظامي والمناهج الدراسية- من تخصصات الجيولوجيا إلى الجغرافيا، ومن علم الأحياء إلى الاقتصاد ؛ الاستثمار في البحوث والتطوير والارشاد، لاستنباط واختبار ونشر تكنولوجيات وممارسات الإدارة المستدامة للتربة ؛ تطبيق التنظيمات والحوافز الملائمة والفعالة. ويمكن أن يشمل ذلك ضريبة تثني عن الممارسات الضارة كالإفراط في استخدام الأسمدة ومبيدات الأعشاب والمبيدات الحشرية. ويمكن تطبيق نظم التقسيم إلى مناطق لإتاحة حماية أفضل للتربة الزراعية من الزحف العمراني. وبالوسع استخدام الإعانات لتشجيع الأفراد على شراء الأدوات والمستلزمات ذات التأثير الأقل إضراراً بالتربة، في حين أن توثيق الممارسات المستدامة لإنتاج المحاصيل وتربية الماشية يمكن أن يجعل المنتجات أعلى جاذبية تجارياً للتسويق وبأسعار أعلى ، ومساندة تحقيق هدف الأمن الغذائي محلياً وإقليمياً ودولياً، من خلال احتساب موارد التربة لدى البلدان وقدراتها على إدارتها المستدامة.
وأشار التقرير إلي بعض النتائج الرئيسية وتتمثل في :
1- التآكل : ويهدر 25-40 مليار من التربة السطحية كل عام، ويؤدى إلى انخفاضات كبيرة في غلال المحاصيل وقدرة التربة على تخزين الكربون وتدويره، ويقلص كميات المغذيات، والمياه. وتقدر خسائر الإنتاج السنوي من الحبوب بسبب التآكل، بحدود 7.6 مليون طن كل عام. وما لم تتخذ إجراءات للحد من تآكل التربة، سيصبح بالوسع تقدير أن ما يتجاوز 253 مليون طن من الحبوب يمكن أن تفقد سنوياً بحلول عام 2050. ويعادل ذلك إزالة 1.5 مليون كيلومتر مربع من رقعة إنتاج المحاصيل أو ما يقرب من جميع الأراضي الصالحة للزراعة في الهند.
2- نقص مغذيات التربة: وهو أكبر عقبة أمام تحسين الإنتاج الغذائي ، وفي إفريقيا ، تَستخرج بلدان القارة جميعاً باستثناء ثلاثة منها مغذيات من التربة كل عام بكمياتٍ تفوق ما تعيده إليها من خلال استخدام الأسمدة وتدوير المخلفات المحصولية، والتسميد الطبيعي، واستعمال غير ذلك من المواد العضوية.
3- تراكم الأملاح في التربة: يقلل من إنتاجية المحاصيل ويمكن أن يفضي إلى وقف إنتاج المحاصيل تماماً، وتؤثر الملوحة التي يسببها الإنسان على نحو 760 ألف كيلومتر مربع من الأراضي في جميع أنحاء العالم ، كمساحة تفوق جميع الأراضي الصالحة للزراعة في البرازيل.
4- حموضة التربة: تشكل معوقاً خطيراً لإنتاج الغذاء في جميع أنحاء العالم. وتقع التربة ذات الطبقات السطحية الأكثر حمضية في العالم بمناطق أمريكا الجنوبية التي شهدت أنشطة مكثفة من إزالة الغابات والزراعة.
المصدر: أ ش أ