فى مؤشر ذى دلالة على تنامى الشراكة بين مصر واليونان وقبرص ، تجسد “القمة الثلاثية الخامسة ” التى تعقد بنيقوسيا يومى 20 و21 نوفمبر الجارى بمشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسى ورئيس وزراء اليونان اليكس تسيبراس ورئيس قبرص نيكوس انستاسياديس حرص الدول الثلاث على إضفاء البعد المؤسسى على الشراكة الاستراتيجية لمواجهة التهديدات فى منطقة شمال أفريقيا وشرق البحر المتوسط وفى مقدمتها الارهاب ، والهجرة غير الشرعية ، وتحديات التنمية وعملية السلام بمنطقة الشرق الأوسط ، وتعزيز الاستثمارات المشتركة وتنفيذ العديد من مشروعات التعاون الاقتصادى وزيادة حجم التجارة البينية.
وترتكز الشراكة الاستراتيجية بين الدول الثلاث على مبادئ احترام القانون الدولي والأهداف والمبادئ التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك الالتزام بالعلاقات الودية، والسلام والأمن الدوليين، واحترام السيادة الوطنية، واستقلال الدول والحفاظ على وحدة أراضيها مما جعلها نموذجاً لتعزيز الحوار وتشجيع العلاقات بين دول الاتحاد الأوروبي ودول المنطقة.
وأكد زعماء الدول الثلاث – خلال القمم الأربع الماضية – على الأهمية الحيوية لعلاقة قوية بين مصر والاتحاد الأوروبي من أجل السلام والاستقرار في كل من الشرق الأوسط وأوروبا، مشيرين الى أن قيام شراكة استراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبي يمثل إطاراً أساسياً لمواجهة التحديات المشتركة مثل الإرهاب والأيديولوجيات المتطرفة، والهجرة غير الشرعية، والتنمية المستدامة، وتحقيق الرخاء الاقتصادي.
وقد توافق القادة الثلاثة- خلال القمم الأربعة السابقة- على أهمية الدور الذى تضطلع به آلية التعاون الثلاثى كنموذج للحوار الإقليمى القائم على العمل المشترك وزيادة التنسيق داخل المحافل الدولية وتعزيز مستوى التواصل بين الدول الأوروبية والعربية ودفع العلاقات الأورومتوسطية مشددين على أن الثروات الهيدروكربونية فى شرق المتوسط واكتشافات الغاز الأخيرة فى مصر تزيد من فرص التعاون فى إطار احترام مبادئ القانون الدولى وحسن الجوار.
وشهد التعاون الاستراتيجى بين الدول الثلاث نموا ملحوظا منذ صدور “إعلان القاهرة ” عقب القمة الثلاثية التى جمعت لأول مرة زعماء مصر واليونان وقبرص فى الثامن من نوفمبر عام 2014 والذى أكد على الروابط التاريخية والقيم والأهداف المشتركة التي تجمع بين الدول الثلاث.
وتستمد القمة الثلاثية القادمة بنيقوسيا – التى تعقد للمرة الخامسة فى إطار آلية التعاون الثلاثي، واستكمالا لقمة القاهرة الثلاثية التى عقدت عام 2016 – أهميتها فى ضوء تنامى التهديدات الارهابية والصراعات المسلحة فى عدد من دول منطقة البحر المتوسط والشرق الأوسط ، وادراك الدول الثلاث لضرورة تعزيز التعاون فى المحافل والمنظمات الدولية والإقليمية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى بالإضافة إلى تعميق التعاون الثلاثى فى مجالات عديدة مثل النقل والسياحة والطاقة والزراعة وغيرها وتبادل الخبرات الاقتصادية وتدعيم الاستثمارات المشتركة .
وستركز قمة نيقوسيا القادمة على سبل تعزيز العلاقات بين مصر واليونان وقبرص فى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، ومكافحة الارهاب والهجرة غير الشرعية ، علاوة على تطورات الأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط .
وبدا تصميم زعماء الدول الثلاث على المضى قدما فى تعزيز الشراكة الاستراتيجية جليا خلال قمتهم الأولى التى عقدت بالقاهرة فى نوفمبر 2014 والتى ركزت على مختلف جوانب التعاون وسبل الاستفادة من الامكانيات الاقتصادية للدول الثلاث .
وعقدت القمة الثانية فى نيقوسيا فى أبريل 2015 حيث اتفق زعماء الدول الثلاث على العمل على تعزيز أواصر العلاقات والتى تشهد نموا ملحوظا فى كافة المجالات.
وأكد زعماء الدول الثلاث – فى “اعلان أثينا” الصادر عن القمة الثالثة التى عقدت فى العاصمة اليونانية فى التاسع من ديسمبر عام 2015 على أهمية تعزيز أطر التعاون الثلاثى فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والسياحية، والبناء على ما يجمع بين مصر واليونان وقبرص من قيم مشتركة من أجل إرساء دعائم الأمن والاستقرار والسلام ودفع عملية التنمية فى منطقة شرق المتوسط.
وادراكا من جانب الزعماء الثلاثة لأهمية التعاون الاقتصادى تم الاتفاق خلال قمة أثينا على الارتقاء بمستوى التعاون من أجل تنفيذ مشروعات مشتركة بقطاعات الصناعات البحرية والسياحة، وتعزيز الربط البحرى، وتفعيل دور القطاع الخاص لدفع الشراكة الاقتصادية ، وإنشاء آلية مشتركة ودائمة للتعاون بين الدول الثلاث، بحيث تقوم بتحديد عدد من المشروعات المشتركة والعمل على تطويرها.
من جهة أخرى ، رسمت القمة الرابعة للآلية الثلاثية للتعاون بين مصر واليونان وقبرص التى عقدت بالقاهرة فى 11 أكتوبر عام 2016 خريطة طريق لتعزيز التعاون الاقتصادى والاستقرار والسلام بالمنطقة .. حيث ثمن الرئيس السيسى ما يحرزه التعاون القائم في إطار الآلية الثلاثية من تقدم في عدد من المجالات، باعتباره نموذجاً إقليمياً لعلاقات التعاون وحسن الجوار.
من جانبه ، أكد الرئيس القبرصي – خلال “القمة الرابعة” – أن آلية التعاون الثلاثي أصبحت بمثابة محفل ثابت يساهم في تحقيق الاستقرار بالمنطقة ويعزز التعاون بين دولها على أساس من الاحترام المتبادل والالتزام بالقانون الدولي ، في حين شدد رئيس وزراء اليونان على أن آلية التعاون الثلاثي تعد خيارًا استراتيجياً لبلاده، مشيداً بأنها أضحت تقليداً هاما تحرص بلاده على انعقادها بانتظام، لاسيما في ضوء المرحلة الحاسمة التي تمر بها المنطقة، وما تتطلبه من تعزيز التعاون بين الدول الثلاث من أجل التغلب على التحديات القائمة.
من جهة أخرى ، اتفقت مصر واليونان وقبرص على استكشاف كل الإمكانيات لتعزيز أوجه التعاون الاقتصادى بهدف خلق بيئة اقتصادية أكثر إيجابية للنمو للتصدى لتحديات الوضع الاقتصادى الدولى المتغير بسرعة، والاستفادة المشتركة من الفرص الاقتصادية المتاحة . ومن منطلق ادراك تلك الدول لأهمية السياحة والصناعة البحرية كمكونات حيوية لاقتصادياتها ، اتفقت حكومات الدول الثلاث، التى وقعت على مذكرة للتعاون المشترك فى مجال السياحة فى 29 أكتوبر عام 2014، على مواصلة العمل معا بشكل وثيق بهدف تعزيز التعاون فى مشاريع مشتركة من بينها تنظيم برامج سياحية ورحلات بحرية مشتركة، وتعزيز النقل البحرى.
فى السياق ذاته ، وفر التعاون الاقتصادى القوة الدافعة لتعزيز التعاون المصرى اليونانى فى كافة المجالات استنادا الى رغبة البلدين فى الاستفادة من الفرص التجارية والاستثمارية المتاحة والاصلاحات الاقتصادية التى تنفذها البلدان. وبدا حرص الجانب اليونانى على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع مصر واضحا فى تأكيد رئيس الوزراء اليونانى اليكس تسيبراس أن بلاده ملتزمة بالتعاون مع مصر من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية، منوها إلى أن استقرار مصر يساهم بفعّالية في استقرار المنطقة بأكملها، لاسيما في ضوء الأزمات القائمة بالشرق الأوسط وما ينتج عنها من تداعيات سلبية على أمن أوروبا.
وفى إشارة تؤكد حرص مصر على دعم التعاون الاقتصادى مع اليونان، شارك الرئيس السيسى – خلال زيارته لأثينا فى ديسمبر عام 2015 – فى منتدى رجال الأعمال المصرى اليونانى لبحث سبل تطوير التعاون بين البلدين فى مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية وفى مقدمتها قطاع الطاقة بما يتناسب مع العلاقات المتميزة بين البلدين .
ووقعت مصر واليونان العديد من الاتفاقيات لدعم التعاون الاقتصادى عام 2015 من بينها اتفاقية فى مجال النقل البحرى ، ومذكرتى تفاهم، الأولى بين ميناء كافالا اليونانى وميناء الاسكندرية، والثانية بين ميناء الكسندروبولى اليونانى وميناء دمياط.
وينظم العلاقات التجارية بين مصر واليونان اتفاقية المشاركة المصرية الأوروبية التي تم توقيعها في يونيو 2001 وبدأ العمل بالشق التجاري منها اعتبارا من أول يناير 2004، ثم دخلت حيز التنفيذ في يونيو 2004.
وتشير الاحصائيات الى أن حجم الاستثمارات اليونانية في مصر تصل الى حوالى 3 مليارات دولار، وهو ما يجعلها تحتل المركز الخامس بقائمة أكبر الدول الاوروبية المستثمرة فى مصر. وبلغ اجمالي حجم المشروعات الاستثمارية اليونانية في مصر ما قيمته 155 مليون دولار (160 مشروعا) تغطى قطاعات الصناعة والخدمات والإنشاءات والسياحة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ، والتمويل والزاعة .
وفى السياق ذاته أعلن المهندس طارق قابيل وزير التجارة والصناعة – خلال مباحثاته التى أجراها فى نوفمبر الجارى بأثينا مع وزير الاقتصاد والتنمية اليوناني- أنه تم الاتفاق مع الجانب اليوناني على وضع آلية جديدة لتعزيز وتنمية التعاون الاقتصادى بين البلدين تتيح انسياب حركة التجارة البينية والاستثمارات المشتركة خلال المرحلة المقبلة . مشيرا الى أنه سيتم تشكيل مجموعة عمل مشتركة من الجانبين لمتابعة تنفيذ خطة تنمية العلاقات الاقتصادية المشتركة تتضمن تنظيم زيارات لمجتمع الأعمال اليوناني إلى مصر للتعرف على أهم الفرص الاستثمارية المتاحة وإقامة شراكات مع نظرائهم من رجال الأعمال المصريين.
وتشير احصائيات وزارة الصناعة والتجارة المصرية الى أن حجم التجارة بين مصر واليونان ارتفع خلال الفترة يناير – سبتمبر 2017 الى 53ر894 مليون يورو مقارنة بنحو 62ر869 مليون يورو خلال نفس الفترة من عام 2016 بنسبة زيادة 8ر2 فى المائة ، كما ارتفع حجم الصادرات المصرية غير البترولية بنسبة 39 فى المائة خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 2017 مقارنة بنفس الفترة من 2016.
وانخفضت قيمة الواردات المصرية غير البترولية من اليونان بنسبة 3ر11 فى المائة خلال الفترة من يناير – سبتمبر 2017 حيث بلغت 83ر93 مليون يورو مقارنة بـنحو 77ر105 مليون يورو خلال نفس الفترة من عام 2016 .
وحرصت اليونان على التأكيد على لسان وزير اقتصادها ديمتريس باباديمتريو مؤخرا حرصها على تنمية العلاقات المشتركة مع مصر باعتبارها أحد أهم الشركاء الرئيسيين لليونان في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.
وأكد أثانسيوس سافاكيس رئيس اتحاد صناعات سالونيك اليونانية -خلال لقائه مع وزير الصناعة والتجارة طارق قابيل مؤخرا – أن مصر تمثل محور ارتكاز لنفاذ صادرات اليونان الصناعية إلى دول القارة الإفريقية . مشيرا إلى أنه يجرى حاليًا دراسة إنشاء خط ملاحى مباشر بين سالونيك وأحد الموانى المصرية، لتسهيل انسياب حركة التجارة بين مصر واليونان.
من جهة أخرى ، تسعى مصر وقبرص الى تعزيز علاقات التعاون الاقتصادى والتجارى ليرقى الى مستوى العلاقات السياسية المتميزة .
وفى ذلك الصدد ، أكد الرئيس القبرصي خلال لقاءاته السابقة مع المسئولين المصريين أن بلاده تقوم بتشجيع رجال الأعمال القبارصة على الاستثمار في المشروعات المشتركة بمصر، مرحبا بالتعاون في مجالي السياحة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فضلاً عن مواصلة تفعيل التعاون في مجالي الحفاظ على البيئة البحرية والطاقة.
وتشير أحدث البيانات الصادرة عن الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة الى أن إجمالى عدد الشركات التى توجد مساهمة قبرصية فى رأسمالها حتى 31 أغسطس 2016 بلغ 163 شركة بإجمالى رأس مال مصدر لها 07ر1 مليار دولار ، حيث بلغ إجمالى المساهمات القبرصية فى رأسمال تلك الشركات 3ر283 مليون دولار .
وأظهرت بيانات التبادل التجارى بين مصر وقبرص عن الفترة يناير/يوليو 2017 ارتفاع الصادرات المصرية ( بما فيها البترول) الى قبرص لتبلغ قيمتها 5ر22 مليون يورو مقابل 5ر20 مليون يورو فى نفس الفترة من عام 2016 بزيادة نسبتها 10 فى المائة نتيجة ظهور منتجات جديدة على قائمة الصادرات المصرية لقبرص مثل هياكل وأجزاء المراكب وسفن الكروز والرحلات ، والمستلزمات الطبية والخضروات والفاكهه سواء الطازجة أوالمعلبة والمحفوظة ولفائف الحديد والصلب والكابلات.
وعلى صعيد الواردات السلعية من قبرص ( بدون البترول) ، انخفضت واردات مصر من قبرص بشكل ملحوظ خلال الفترة يناير/يوليو 2017 لتبلغ قيمتها 5 ملايين يورو فقط مقابل 8 ملايين يورو عن نفس الفترة من عام 2016 بنسبة انخفاض بلغت 5ر37 فى المائة ، وشكلت بعض البنود التقليدية مثل لفائف النحاس والمستحضرات والإضافات الخاصة بعلف الحيوانات أهم بنود الواردات المصرية من قبرص.
وحقق الميزان التجارى مع قبرص فائضاً لصالح مصر خلال الفترة من يناير حتى يوليو 2017 بلغت قيمته 7ر2 مليون يورو مقابل 5ر12 مليون يورو خلال نفس الفترة من عام 2016.
وتؤكد المؤشرات أن تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين مصر واليونان وقبرص سيدعم الأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية فى منطقة البحر المتوسط وسيصب فى مصلحة الأمن والاستقرار فى دول الاتحاد الاوروبى.
أ ش أ