قبل 146 عاما، وبتكلفة قدرها مليون و400 ألف جنيه شهدت مصر في عهد الخديوي إسماعيل، حفل افتتاح أسطوري مبهر لقناة السويس التي استمر العمل بها لمدة عشر سنوات، احتفال وصفته الإمبراطورة أوجينى إمبراطورة فرنسا وضيفة شرف الافتتاح بأنه أجمل ما رأت في حياتها، وشيدت بهذه المناسبة دار الأوبرا في 5 أشهر بتكلفة قدرها 160 ألف جنيه.
وحينها تحولت “مدينة الإسماعيلية “، التي أنشئت عند نقطة العمل والتقاء البحرين، وكذلك مدينة بورسعيد التي أنشئت على شاطئ البحر المتوسط ، بهذه المناسبة إلى مدينتان تموجان بالزائرين الذين توافدوا عليها للمشاركة في حفل قران البحرين الأحمر والمتوسط، والذين تجاوز عددهم نحو 100 ألف من الأجانب والمصريين على مدى يومي الاحتفال (17 ، 18 نوفمبر عام 1869)، واكتسب الاحتفال بافتتاح قناة السويس مظاهر لا تنسى بقى التاريخ شاهدا عليها حتى الآن، وقبل عامين أضاف إليها إنجازا أسطوريا عملاقا جديدا ، بافتتاح تميز بنفس مظاهر الإبهار “لقناة السويس الجديدة ” ، قناة حفرها الأحفاد بسواعدهم وأموالهم ، وللمرة الثانية وبفاصل زمني مقداره ١٤٤ عاما كانت لحظة افتتاح المجرى الملاحي للقناة ونجاح فكرة المشروعين القديم والجديد موضع ترقب واهتمام مختلف دول العالم.
استهدف الخديوى إسماعيل من حفل الافتتاح المبهر لقناة السويس ( الأم ) منح فرصة لملوك أوروبا وأباطرتها وأمرائها على ما أسماه “بالنهضة ” التي عمت مصر في عهده، ولذلك فقد أبحر إلى أوروبا مع وزير خارجيته نوبار باشا خصيصا لتوجيه دعوة حضور حفل الافتتاح إلى كبار شخصيات العالم من الملوك والرؤساء والأمراء ورجال العلم والآداب والسياسة والصحافة وعظماء مصر والسودان، واستقدم عددا كبيرا من الطهاة والخدم من فرنسا وإيطاليا لمساعدة الطهاة والخدم المصريين والأتراك الذين كانوا في خدمته.
وفي يوم ١٥ أكتوبر عام ١٨٦٩ ، وقبل بدء المهرجان الرسمي لافتتاح قناة السويس بحوالي شهر، بدأ المدعوون الوصول إلى الإسكندرية ، و نظمت لهم رحلات إلى الوجه القبلى عبر النيل على متن سفن أعدت وجهزت خصيصا لهذا الغرض.
اكتمل عدد المدعوين فى يوم 16 نوفمبر ، وعنده انتشر المصريون من جنود وأهالي على ضفتي القناة بخيامهم وأدواتهم لمشاهدة هذا المهرجان العظيم، وفى الساعة الثانية بعد ظهر هذا اليوم رأست الإمبراطورة أوجينى الحفلة الدينية وحضرها جميع المدعوين ، وصدحت الموسيقى ودوت المدافع إيذانا بابتداء الاحتفال، ثم تحرك الركب من بورسعيد لدخول القناة مقسما إلى خمس قوافل، وفى مقدمة هذا الركب جاء يخت الإمبراطورة أوجينى وكان بجوارها “دليسبس “، وورائها باقي اليخوت والأساطيل والبواخر التي نقلت المدعوين.
واليوم يشبه البارحة تحت قاسم مشترك عنوانه “قناة السويس “، حيث جاءت دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى، لحفر مجرى ملاحي جديد موازيا للمجرى القديم لقناة السويس ، بطول 35 كيلو متر وتوسيع وتعميق تفريعات بطول 37 كيلومتر، بهدف زيادة الطاقة الاستيعابية والعددية لها ضمانا لاستمرارية كونها الأسرع والأكثر أمانا بين مثيلاتها من الطرق المنافسة والبديلة، وفور إعلان الرئيس عن المشروع وتمويله عن طريق الاكتتاب العام، تنافس المصريون وتكدسوا بالبنوك للمشاركة بأموالهم في هذا المشروع القومي الجديد كما شارك أجدادهم من قبل بالجهد والعرق، و بلغت مدة تنفيذ المشروع 12 شهرا، وشملت مراحله أعمال الحفر على الناشف والتكسية والتجريف وتوسيع وتعميق التفريعات الحالية لعمق 24 مترا، ليسمح بعبور سفن حتى غاطس 66 قدما، وبلغت تكاليف حفر القناة الجديدة 60 مليار جنيه بتمويل مصري خالص، وما زالت المشاريع على إقليم قناة السويس قائمة ومستمرة لتحقيق تنمية حقيقية للإقليم وتنفيذ ” مشروع تنمية محور قناة السويس ” على أرض الواقع لما يمثله من أهمية للاقتصاد المصري.
وقد ساهمت القناة الجديدة التي تم افتتاحها في عام 2015 في زيادة عدد السفن العابرة للقناة بنسبة 3.1 فى المائة ، بواقع 14486 سفينة مقابل 14053 سفينة خلال العام الماضي، فيما زادت الحمولات العابرة للقناة بنسبة 5.6 فى المائة بواقع 858 مليون طن خلال نفس الفترة من العام الجاري، مقارنة 813 مليون طن خلال العام الماضي، وسجلت حركة الملاحة خلال شهر أكتوبر الماضي زيادة ملحوظة في أعداد السفن بعبور 1552 سفينة مقابل 1440 سفينة خلال نفس الشهر فى العام الماضي بزيادة 112 سفينة بنسبة 7.8 فى المائة ، فيما زادت حمولات السفن العابرة خلال نفس الشهر بنسبة 13. فى المائة بإجمالي 93.2 مليون دولار.
قناة السويس فى الحاضر والماضى أسطورة مصرية لا تنتهى، وملحمة وطنية تسطر قصصا بطولية للمصريين في صفحات التاريخ الحديث، فمنذ قيام ثورة ٢٣ يوليو وإنهاء الملكية، قرر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر تأميم شركة قناة السويس، إذ كان يعتبر إعادتها لمصر واحدا من أهم أهداف الثورة ، وكان جلاء الإنجليز عن مصر هو الخطوة الأكثر أهمية لتنفيذ عملية تأميم القناة ، وبدونه كان من المستحيل التفكير في التأميم في ظل وجود أكبر قاعدة بريطانية في الشرق الأوسط مهامها الرئيسية حماية قناة السويس ، قرار تأميم القناة الذي استقبله المصريون باحتفاء كبير في كل ميادين الجمهورية، وكان بمثابة لطمة قوية للمستعمرين ، وجاء الرد بتجميد بريطانيا وفرنسا الأموال المصرية فى بنوك بلادهما ، ومن جانبها قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتجميد أموال شركة القناة لديها والتي كانت تقدر وقتها بنحو 43 مليون دولار، ثم شنت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عدوانا ثلاثيا على مصر قوبل بمقاومة عسكرية مسلحة ومقاومة شعبية وفدائية من أبناء السويس تذكر حتى الآن.
سطر المصريون صفحة مجد جديدة بطلتها قناة السويس ، وذلك عقب معركة نصر أكتوبر ونجاح القوات المسلحة المصرية فى عبور القناة وحصن بارليف المنيع، حيث قام المصريون بتطهير مجرى قناة السويس بعد توقف الحياة تماما بالمجرى الملاحي ومرافق قناة السويس لثماني سنوات كاملة ما بين حربى يونيو 1967 و أكتوبر 1973، حول المجري الملاحي للقناة إلى خرائب وأطلال لا تصلح لشيء ، وأسندت عملية التطهير للسواعد المصرية ، وبدأت مشاركة القوات البحرية في عمليات تطهير القناة من الألغام حيث تم تشكيل فريق عمل من 100 رجل من ذوي الكفاءة العالية قاموا بتنفيذ ٩٥ فى المائة من عمليات التفجير تحت الماء وانتشلوا 420 من الحطام والبقايا الحرب التي دارت عبر وفوق القناة ، وأمضوا 180 ألف ساعة تحت قاع القناة ، منفذين واحدة من أكبر وأسرع عمليات التطهير في العالم.
ولقناة السويس أهمية كبيرة للملاحة والتجارة العالمية، وأهمية خاصة لمصر تكمن فى كونها مصدرا رئيسيا للعملات الصعبة، ووفقا لأحدث البيانات الإحصائية الأخيرة الصادرة عن الحركة في ممر القناة، وقد حققت قناة السويس في العام الحالي من شهر يناير إلى شهر أكتوبر زيادة قدرها 3.4 فى المائة من حجم إيراداتها بالدولار ، وسجلت عائدات بقيمة 4,343 مليار دولار مقارنة بـ 4.202 مليار دولار خلال نفس الفترة في العام الماضي، وتتوقع هيئة قناة السويس ارتفاع الإيرادات من مرور السفن إلى 13.2 مليار دولار سنويا بحلول 2023.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)