حذر الكاتب نيكولاس جفوسديف، في مقال نشرته مجلة “ناشونال إنترست”، من مخاطر اندلاع المواجهات بين روسيا والولايات المتحدة في سوريا عقب هزيمة تنظيم داعش الإرهابي واستعادة جميع الأراضي التي سبق له أن استولى عليها.
ويذكّر الكاتب بأنه قبل عامين من الهزيمة النهائية للزعيم النازي أدولف هتلر، حينما كانت الجيوش الألمانية لا تزال تحتل جزءاً كبيراً من الجزء الأوروبي للاتحاد السوفيتي، فإن زعماء التحالف (ونستون تشرشل وجوزيف ستالين) كانوا بالفعل قد بدأوا المناقشات حول مصير أوروبا ما بعد الحرب، وحتى عندما كان الانتصار النهائي لا يزال غير محسوم، بدأ الحلفاء في تخصيص مناطق وإعادة تشكيل الحدود.
ويلفت الكاتب إلى أنه بعد هزيمة داعش في كل من سوريا والعراق والقضاء على خلافته المزعومة لا يزال يتم تأجيل المناقشات المهمة حول “ما بعد داعش” التي ينبغي أن تكون بدأت بين جميع أصحاب المصلحة، مؤكداً أن الأزمة الكردية هي أولى المظاهر الجدية للمشاكل المطروحة حول “المستقبل”، والأخطر هو احتمال استمرار الاشتباك حول مستقبل سوريا ما بعد داعش بين الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة والائتلاف الآخر بقيادة روسيا.
ويلفت الكاتب أنه خلال فترة إدارة أوباما كان الأمل معقوداً على أن تدرك روسيا (الداعم الرئيسي لنظام بشار الأسد) أنه ينبغي عليها التخلي عن الأسد من أجل الوفاء بالشرط الذي طالبت به الولايات المتحدة وهو “رحيل الأسد عن السلطة”، وكذلك إجبار إيران على قبول هذا الواقع أيضاً، ومن ثم تكون الولايات المتحدة قادرة على تشكيل حكومة من المعارضة في سوريا، ولكن تلك الأمال والطموحات تبددت لسببين؛ أولهما إصرار روسيا وإيران على الالتزام بالدفاع بقوة عن نظام بشار الأسد ومنعه من الانهيار مهما كانت الخسائر، وثانيهما هو إخفاق الولايات المتحدة في إنشاء قوة معارضة فعالة قادرة على محاربة الأسد من دون الحاجة إلى أعداد هائلة من القوات البرية الأمريكية، الأمر الذي اضطر واشنطن إلى الاعتماد على الأكراد السوريين رغم المخاطر التي ينطوي عليها ذلك من تقويض العلاقات الأمريكية التركية.
ويشير الكاتب إلى أن براعة روسيا في الدبلوماسية المتعددة الأطراف قد فاقت توقعات الولايات المتحدة بشكل كبير. وفي ظل القلق التركي من المساعدات العسكرية الأمريكية للأكراد، ومن خلال المشاركة في مفاوضات حقيقية مع السعودية، اكتسبت روسيا تأييداً لحلها المفضل وهو الإبقاء على بشار الأسد باعتباره رئيساً رسمياً لسوريا (مع سيطرة نظامه على الأجزاء الرئيسية في البلاد)، ولكن إقامة مناطق للنفوذ الفعالة (تحت اسم “مناطق تخفيف التصعيد”) تتيح لللاعبين الأساسيين المعارضين لنظام الأسد (بداية من تركيا) تأمين مصالحهم وتوفير مناطق آمنة لمؤيديهم.
ويضيف الكاتب أن “عملية أستانة”، التي سميت باسم عاصمة كازاخستان حيث اجتمعت تركيا وإيران وروسيا مع الحكومة السورية وأطراف المعارضة، قد حققت بعض النجاح، ولكن الولايات المتحدة لم توقع أبداً على هذه الوثيقة كنموذج لتسوية مستقبل سوريا، وكذلك الحال بالنسبة إلى اللاعبين الرئيسيين في المنطقة وخاصة إسرائيل، كما تتحفظ السعودية على هذا الأمر.
ومع سقوط الأجزاء الأخيرة من الأراضي التي استولى عليها داعش، تواجه روسيا بعض الاختبارات الجادة بحسب الكاتب، وفي مقدمتها مصير محافظة دير الزور (مركز صناعة النفط في سوريا)، تُرى من سوف يتحكم في مثل هذه الأصول البالغة الأهمية؟ هل الحكومة السورية مدعومة بقوات جوية روسية أم قوات المعارضة السورية مدعومة بالمساعدات العسكرية الأمريكية؟ إن سيطرة الحكومة السورية على العائدات النقدية لحقول النفط من شأنه أن يصب في مصلحة خزائن دمشق، بينما سيطرة المعارضة عليها سيقود إلى تعزيز موقفها عند التفاوض. ويُقال إن ثمة تواصلاً مستمراً بين الجيشيين الروسي والأمريكي لمنع أي اشتبكات بين حلفائهما أو قواتهما العسكرية الجوية، ولكن هذا لا يمنع احتمالية وقوع الحوادث بحسب الكاتب.
ويوضح الكاتب أن قضية “ممر إيران إلى البحر المتوسط” هي التحدى الآخر بالنسبة إلى روسيا التي ستظهر عند استعادة الحكومة السورية للمواقع الحدودية الرئيسية على طول الحدود العراقية، لاسيما أن الهدف الاستراتيجي من التزام طهران بمشاركة قوات برية من الحرس الثوري الإيراني في الحرب السورية يتمثل في الحفاظ على الجسر البري الذي يربط بين إيران وحزب الله في لبنان عبر العراق من خلال المناطق الشيعية والعلوية في سوريا، ويُعد هذا الجسر خط الإمداد الحيوي بالنسبة للحرس الثوري لتعزيز حزب الله، وهو أيضاً أحد الأسباب التي دفعت إسرائيل إلى شن ضربات لتدمير القوافل المتجهة إلى لبنان في السنوات الأخيرة.
ونظراً للتحول في سياسة إدارة ترامب إزاء إيران، فإن منع توطيد هذا الجسر البري سيكون أولوية إستراتيجية عالية، بيد أن محاولة منع القوات السورية (وبخاصة الوحدات الإيرانية المتضمنة في قوات بشار الأسد) أو حتى إدراج قوات المعارضة في موقعها مرة أخرى من شأنه أن يسفر عن المخاطرة بحدوث تصادم غير مقصود مع الروس.
ويقول الكاتب: “علاوة على ذلك لا يزال مصير الأسد نفسه غامضاً، إذ لم تتنصل إدارة ترامب بصورة رسمية من الموقف الأمريكي بحتمية رحيل الأسد عن السلطة، حتى إذا اقترحت أن الرحيل الفوري للأسد ليس شرطاً مسبقاً للمحادثات حول مستقبل سوريا، ولكن يبدو أن موسكو قد حسمت أمرها في أن بشار الأسد سيظل رئيساً لسوريا. واستخدمت روسيا يوم الثلاثاء الماضي حق الفيتو ضد تمديد ولاية تحقيقات الأمم المتحدة في استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، لكن الولايات المتحدة ترى أن احتمالية استمرار حيازة الأسد واستخدامه لمثل هذه الأسلحة يشكل تهديداً، وتقترح أنه حتى بعد استعادة الأراضي التي استولى عليها داعش في سوريا، فإن واشنطن لن تعتبر أن الحرب الأهلية السورية قد انتهت. وبالنسبة إلى روسيا التي كشفت أن تدخلها قد اكتمل إلى حد كبير، فإن استمرار التدخل الأمريكي لن يمنع انسحاب القوات الروسية وتحويل الموارد العسكرية إلى مشاكل أخرى فحسب، ولكنه سيجعل سوريا منطقة محتملة للصراع مع الولايات المتحدة”.
ويختتم الكاتب أن داعش يسيطر الآن على أقل من خمسة في المائة من أراضي سوريا، وبمجرد دحر هذا التهديد المشترك لكل من روسيا والولايات المتحدة، فإن احتمالات المواجهة بين البلدين تتصاعد.