اجريت اليوم الانتخابات الرئاسية في كينيا للمرة الثانية في العام نفسه وسط أجواء من التوتر والريبة في ظل مقاطعة المعارضة لها وتصاعد الأصوات المنادية بضرورة تأجيلها، وتوقعات بأن تقود تلك الانتخابات إلى تفاقم الأزمة السياسية داخل البلاد.
وتأتي تلك الانتخابات بعد شهرين من قرار المحكمة العليا فى كينيا إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في 8 أغسطس الماضي وفاز فيها الرئيس أوهورو كينياتا، وذلك بعد الكشف عن وقوع بعض التجاوزات.. وشمل قرار المحكمة إجراء انتخابات جديدة خلال 60 يوما وفقا لنص الدستور تنتهي في 31 أكتوبر الجاري، في خطوة مثلت سابقة في تاريخ القارة الأفريقية.
ورغم إجراء اللجنة الانتخابية بعض الإصلاحات تمهيدا للاقتراع الجديد إلا أن المعارضة وجدت أن هذه الإصلاحات تسمح بوقوع عمليات تزوير في الانتخابات وأن اللجنة الانتخابية بوضعها الحالي لا يمكن أن تسفر عن نتائج شرعية ونزيهة، مطالبة بضرورة تأجيل الانتخابات. وأدى هذا الوضع المتأجج إلى انسحاب مرشح المعارضة رايلا أودينجا من السباق الانتخابي في العاشر من أكتوبر الجاري مصرحا أن انسحابه يأتي لإعطاء اللجنة العليا للانتخابات فرصة لإجراء الإصلاحات اللازمة للحصول على انتخابات أكثر مصداقية..وزاد من حدة الأزمة السياسية إقرار البرلمان تعديلاً في قانون الانتخابات ينص على أنه في حال انسحاب أحد مرشحين من السباق الانتخابي يفوز المرشح الثاني تلقائيا، وذلك بعد يوم واحد من انسحاب أودينجا.
واندلعت العديد من المظاهرات التي نظمتها المعارضة وقمعتها الشرطة وأدت إلى سقوط عشرات القتلى منذ 8 أغسطس الماضي. كما شهد الأسبوع الماضي استقالة روزلين أكومبي، إحدى أعضاء اللجنة العليا للانتخابات، وهروبها إلى الولايات المتحدة بعد تلقيها تهديدات بالقتل. وكشفت أكومبي عن تعرض أعضاء اللجنة لـ”الترهيب السياسي”، معتبرة أن العملية الانتخابية ستكون استهزاء بالديمقراطية، في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس التنفيذي للجنة ذاتها أنه أخذ إجازة مدتها 3 أسابيع.
وتمثل هذه الأزمة واحدة من أخطر الأزمات السياسية التي مرت بها البلاد، فكينيا تعد من بين الدول الأكثر استقرارا فى المنطقة إلا أن الانتخابات الرئاسية التي جرت هذا العام قد تسببت في اندلاع أزمة سياسية حقيقية لم تشهدها البلاد من عدة سنوات وسيكون لها تداعيات خطيرة وطويلة الأمد.
ورغم أن هذه الانتخابات كان من الممكن أن تعزز مكانة كينيا كواحدة من أبرز الدول ديمقراطية في أفريقيا إلا أنها قادت البلاد إلى شهرين من أكثر الأوقات اضطرابا في تاريخها السياسي.
وتعتبر كينيا وجهة مفضلة للاستثمار والسياحة وأقوى اقتصاد في المنطقة إلا أن هذا الوضع المتأزم قد أثَر سلبا على اقتصاد البلاد إذ انخفضت العملة وتراجعت معدلات النمو وسادت أجواء من القلق لدى المستثمرين، كما ساهم قرار المحكمة في تأجيج الشقاق القبلي بين قبيلة كيكويو وحزبها السياسي التي ينتمي إليها اوهورو كينياتا ضد قبيلة لوه التي ينتمي إليها رايلا اودينجا.
ويتفق فريق واسع من المراقبين أن انتخابات اليوم لن تضع نهاية للأزمة الحالية بل إنها ستساهم في تصاعد أجواء التوتر داخل البلاد على الصعيد الأمني والسياسي، حيث أنه من المتوقع أن يخرج كينياتا فائزا في تلك الانتخابات وهو ما سترفضه المعارضة التي ستشكك في شرعية هذا الاقتراع ونزاهته، وقد يؤدي ذلك إلى تجدد أعمال العنف مما قد ينذر بتكرار الأزمة التي أعقبت انتخابات 2007 عندما هزم أودينجا أمام مواي كيباكي واندلعت اعمال العنف وراح ضحيتها ما يزيد عن ألف وأربعمائة قتيل من الجانبين، فضلا عن نزوح حوالي 6000 مواطن في مختلف أنحاء البلاد مما شكل أزمة إنسانية حادة ظلت البلاد تعاني منها لفترة ليست بالقصيرة.
ويرى هذا الفريق من المراقبين أن الازمة الحالية كشفت من جديد عمق الانقسامات الاجتماعية والجغرافية والاتنية في كينيا حيث لايزال التصويت يتم على أسس الانتماء الإتني والجغرافي أكثر من البرامج السياسية. ومن ثم فمن غير المرجح أن يؤدي قرار إعادة الانتخابات، بالرغم من أهميته، إلى تغيير كبير في الممارسة السياسية بالبلاد إلا إذا استطاعت القوى السياسية نفسها التخلص من التأثير الواضح للقبلية على الممارسة السياسية في البلاد.
ن.س/ أ ش أ