ترتبط مصر وفرنسا بعلاقات استراتيجية تاريخية ومتشعبة منذ زمن طويل ، غير أن هذه الروابط شهدت تطورات مهمة على كافة الاصعدة خلال الاعوام القليلة الماضية ويزيد من أهميتها الارادة السياسية لقيادتي البلدين.
وتأتى الزيارة المرتقبة للرئيس عبد الفتاح السيسى خلال الأيام القادمة إلى العاصمة باريس واللقاءات التى سيعقدها مع الرئيس الفرنسى ايمانويل ماكرون وكبار المسئولين الفرنسيين لتؤكد محورية تلك العلاقات وأهميتها والرغبة المشتركة فى توثيقها فى شتى المجالات وفى مواصلة التنسيق المشترك حيال كافة القضايا الآنية إقليميا ودوليا.
وتعد زيارة الرئيس السيسى المقبلة الثالثة من نوعها لباريس ، والأولى منذ تولى الرئيس ايمانويل ماكرون السلطة فى البلاد فى شهر مايو الماضى، وعلى مدار السنوات الأربع الماضية اعتبرت فرنسا الدولة المصرية حليفا وشريكا مهما لها في عدد من القضايا اولها الحرب الدولية على الارهاب.
جسور تواصل ممتدة واتصالات سياسية تربط بين القاهرة وباريس منذ زمن بعيد ، ولكنها كانت شاهدة خلال الأعوام القليلة السابقة على دفعة قوية وتنسيق متواصل بين الرئيس السيسى والرئيس الفرنسى السابق فرانسوا اولاند الذى انهى ولايته فى مايو الماضى، حيث قام الرئيس السيسى بزيارة باريس مرتين فيما حرص الرئيس الفرنسى السابق على حضور افتتاح قناة السويس الجديدة.
كما تعددت اللقاءات بين الرئيس السيسى والرئيس الفرنسى السابق على هامش الأحداث التى تشهدها المحافل الدولية، وبعد انتقال السلطة الى الرئيس الحالى ايمانويل ماكرون تواصلت الاتصالات بين الجانبين حرصا على مواصلة الارتقاء بالعلاقات المتميزة وعلى استمرار التنسيق المشترك وتبادل الرؤى حيال الأزمات الى تشهدها المنطقة وعلى رأسها الأوضاع فى ليبيا وسوريا والعراق ومستقبل القضية الفلسطينية بخلاف ملف الارهاب الذى تعانى منه فرنسا ومصر.
زيارة الرئيس السيسى الى عاصمة النور تتطلع اليها فرنسا بحديث جاء على لسان وزير خارجيتها جون ايف لودريان خلال مباحثاته مطلع الشهر الجارى بباريس مع وزير الخارجية سامح شكرى ، حيث أكد لودريان تطلع بلاده للزيارة المرتقبة للرئيس عبد الفتاح السيسي إلي باريس، مشيرا الي أهمية الإعداد الجيد للزيارة من جانب وزارتي خارجية البلدين لضمان النجاح في أن تؤدي إلى نقلة نوعية في مستوى التعاون بين البلدين والتنسيق بشأن العديد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك.
فرنسا تدرك جيدا الدور الذى تقوم به مصر فى منطقة الشرق الاوسط باعتبارها الأساس والضمانة للاستقرار الاقليمى كلمات أكد عيلها لودريان خلال اللقاء الأخير مع شكرى ، وأشار الى ان بلاده تنظر الي نجاح مصر واستقرارها كحجر زاوية لاستقرار الشرق الاوسط، وان فرنسا ستظل دائما داعمة لمصر، وان الزيارة القادمة للرئيس الي باريس، وما سيجريه من حوار مع الرئيس ماكرون حول مجالات وسبل تعزيز علاقات التعاون بين البلدين، من شأنها أن تعطي دفعة قوية للعلاقات.
وعلى المستوى الدبلوماسى، تتميز العلاقات بين القاهرة وباريس وتتعدد اللقاءات والاتصالات بين وزيرى الخارجية سواء فى العاصمتين أو على هامش الاجتماعات الدولية، الروابط الدبلوماسية يعبر الطرفان عن اهمية تعزيزها فى ضوء التوافق الكبير فى وجهات النظر حيال القضايا والأزمات الجارية.
ويؤكد وزير الخارجية سامح شكرى أيضا فى مناسبات عدة خصوصية العلاقات التاريخية والمتميزة بين الجانبين المصرى والفرنسى وأهمية التنسيق المشترك وخاصة فيما يخص محاربة الارهاب الذى تواجهه البلدان بعد تعدد الاعمال الارهابية التى شهدتها عدة مناطق فرنسية وايضا ما تشهده مصر من عمليات ارهابية خسيسة.
وعلى الصعيد الاقتصادى، تعد فرنسا سادس أكبر مستثمر أجنبى فى مصر التي تتواجد فيها نحو ١٦٠ شركة فرنسية تعمل فى مختلف القطاعات ويعمل بها ما يقرب من ٣٣ ألف شخص، وتؤكد فرنسا دوما على لسان كبار مسئوليتها دعمها للاصلاحات الاقتصادية والسياسة التى تنتهجها مصر حاليا.
كما تتسم المبادلات التجارية الثنائية بديناميكية كبيرة وهي في تزايد منتظم ، وبلغ حجم التبادل التجاري فى الفترة من يناير الى أغسطس ٢٠١٧ مليارا و546 مليون يورو، مقارنة بمليار و380 مليون يورو، في الفترة ذاتها من العام الماضي، بمعدل ارتفاع بلغ 12%”، وحققت الصادرات المصرية نموا بمعدل 21%، حيث بلغت 401 مليون يورو مقابل 332 مليون يورو خلال نفس الفترة من العام الماضي.
وكانت التبادلات التجارية قد شهدت نموا كبيرا خلال الاعوام القليلة الماضية حيث وصلت الى ملياري يورو في عام 2015، وبلغ حجم الصادرات الفرنسية 1,5 مليار يورو وحجم الواردات 0,5 مليار يورو. ومثّل تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر الفرنسي إلى مصر 250 مليون يورو خلال عامي 2015- 2016 .
وبحسب مصادر فرنسية فان المنشآت الفرنسية تتمتع بمزايا حقيقية في القطاعات الواعدة في الاقتصاد المصري أي الصناعة والصناعة الزراعية، والمعدات الكهربائية والأدوية والتوزيع واستغلال النفط والغاز والسياحة والبنى التحتية.
كما تتعاون فرنسا مع مصر ايضا فى العديد من المجالات الاقتصادية والخدمات والمرافق والبنى التحتية، ففي قطاع النقل، يمثل مشروع قطار مترو الأنفاق في القاهرة مشروعًا بارزا في التعاون الثنائي بين البلدين، بمشاركة هامة للمنشآت الفرنسية بفضل الدعم المالي الفرنسي الاستثنائي (أكثر من ملياري يورو من التمويل بشروط ميسرة منذ عام 1980). وفي هذا الصدد، فازت المنشآت الفرنسية مؤخرا بعقد المرحلة 4A من مشروع الخط 3 من قطار مترو الأنفاق في القاهرة (بقيمة 440 مليون يورو)، فضلا عن العقود المتعلقة بتنظيم الإشارات (بقيمة 170 مليون يورو) والكهروميكانيكية (بقيمة 480 مليون يورو) من المرحلة 3 من مشروع الخط 3 إلى جانب العقد الخاص بالهندسة المدنية لهذه المرحلة (بقيمة 1,12 مليار يورو).
وتقوم الوكالة الفرنسية للتنمية بدور كبير فى هذه الشراكة حيث تربطها اتفاقات ومذكرات تفاهم للتعاون مع مصر كما تقوم بالمساهمة فى مشروعات فى قطاعات عدة من بينها الطاقة والغاز والمواصلات والزراعة.
وعلى الصعيد العسكرى والدفاعى والأمنى.. تشهد العلاقات الثنائية زخما كبيرا اذ قام الجانبان هذا العام بتشكيل اللجنة العسكرية العليا برئاسة رئيسى الاركان فى البلدين .. كما تحرص الدولتان على مواصلة التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة.
أما على الصعيد العسكري، فتم إبرام عدة عقود تصدير مهمة: فاشترت مصر من مجموعة “دي سي ان اس” سفنا بحرية (مايو 2014)، ومن مجموعة “داسو أفياسيون” 24 طائرة رافال، ومن مجموعة “دي سي ان اس” سفينة حربية متعددة المهام، وكذلك، اشترت مصر في أكتوبر 2015، سفينتين حربيتين من نوع ميسترال ، كما قام وزير الدفاع الفرنسى آنذاك جان-إيف لودريان، بزيارة إلى القاهرة في 16 و17 فبراير 2015 للتوقيع باسم فرنسا على اتفاقية تسليح استثنائية بالنسبة لصناعات الدفاع الفرنسية، ومنها أول عقد تصدير لطائرات الرافال.
وكان هذا التوقيع منعطفاً للعلاقات الثنائية الفرنسية-المصرية المبنية على ثقة متجددة، وعكس ايضا تعزيز الشراكة الاستراتيجية في مواجهة تحديات مشتركة، وبقيمة إجمالية تصل إلى 5.2 مليار يورو، ينص هذا العقد الكبير على الإمداد بـ 24 طائرة قتال من طراز رافال وفرقاطة متعددة المهام وأنظمة صواريخ، وينص ايضاً على نواح تدريبية وصيانة.
ويتضمن العقد، الذي تم توقيعه في 16 فبراير، بيع 24 طائرة قتال من طراز رافال، وبالفعل تسلمت مصر حتى الان عددا من هذا النوع من الطائرات التى انضمت الى التشكيلات الجوية، كما احتفلت مصر بالأمس وبمشاركة الرئيس السيسى القائد الأعلى للقوات المسلحة بوصول الفرقاطة ” الفاتح”.
كما تتميز العلاقات المصرية الفرنسية التاريخية على المستوى الثقافى بشكل كبير حيث يعرف المواطن الفرنسى بولعه بالحضارة المصرية العريقة التى يقوم بالاطلاع عليها فى أحد مراحل الدراسة وهو ما تعكسه السياحة الفنرسية الى مصر والتى تركز على المزارات الثقافية والتاريخية.
كما يلعب المعهد الفرنسي في مصر دورا كبيرا بالأساس فى تنشيط التعاون بين البلدين، ويملك المعهد ثلاثة فروع (في وسط القاهرة واسكندرية ومصر الجديدة) ويتمثل الحضور الفرنسي في مجال البحوث بوجه خاص في معهد البحوث من أجل التنمية ومركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والقانونية والاجتماعية، اللذين يختصان بالعلوم الإنسانية والاجتماعية ويجريان البحوث في مجالات ثلاثة (الحكم الرشيد والسياسات العامة، والتنمية-الميدنة- السير، والعلوم الإنسانية الرقمية).
أما في مجال علم الآثار، فتتبوأ فرنسا الصدارة في هذا المجال في مصر عبر المعهد الفرنسي لعلم الآثار الشرقية (IFAO)، والمركز الفرنسي المصري لدراسات معابد الكرنك، ومركز الدراسات الاسكندرانية، والبعثات الأثرية الفرنسية في مصر.
وقد تميزت النخبة المصرية بالتقليد الفرنكوفوني، فقد تولى السيد بطرس بطرس غالي منصب الأمين العام الأول للمنظمة الدولية للفرنكوفونية من عام 1998 وحتى عام 2002، وبالإضافة إلى المؤسستين التعليميتين ذات الإدارة الفرنسية المباشرة والمؤسسات المعتمدة، تمثل المدارس ثنائية اللغة أساس الفرنكوفونية فهي تهيئ الطلاب للدخول إلى فروع التعليم العالي في اللغة الفرنسية والجامعة الفرنسية في مصر وهي مؤسسات تهدف إلى توفير تعليم ممتاز.
جسور تواصل ممتدة وحرص على مواصلة الارتقاء بالعلاقات المتميزة وترسيخ الشراكة والتعاون القائم بما يحقق مصالح الشعبين والبلدين.. ومستقبل واعد تنتظره العلاقات الثنائية نحو مزيد من التوثيق فى ضوء النهضة السياسية والاقتصادية التى تشهدها مصر حاليا والمشروعات الضخمة غير المسبوقة الجارية.. وزخم فى العلاقات تدفعها الزيارة المرتقبة للرئيس السيسي الى باريس نحو آفاق أوسع.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)