تشهد اسبانيا حاليا أسوأ أزمة سياسية تمر بها منذ اربعين عاما ، حيث تنظم حكومة إقليم كاتالونيا، الواقع فى شمال شرق البلاد استفتاء غدا (الأحد ) ، الأول من شهر أكتوبر ، فى خطوة جديدة على طريق الانفصال عن إسبانيا ، رغم تأكيدات مدريد أن هذا الاستفتاء غير قانونى. وقد خرج آلاف الكاتالونيين أمس الأول فى مسيرة بشوارع برشلونة تطالب بدعم الاستقلال عن إسبانيا، بعد أن تحركت مدريد لعرقلة الاستفتاء على الانفصال عن إسبانيا على أثر طعن قضائى تقدم به رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوى، أدى إلى تعليق الاستفتاء من المحكمة الدستورية فى البلاد.
أسبوع زمنى واحد رشح كلمتى “استفتاء وانفصال ” لتكون القاسم المشترك ونقطة الالتقاء بين إقليمى كردستان العراق وكاتالونيا الاسبانى ، وخطوط تماسهما إصرار قادة الاقليمين على المضى قدما فى إجراءات الاستفتاء من طرف واحد ، رغم رفض الحكومة المركزية العراقية والاسبانية له والتحذير من إجرائه.
ولم تهدأ بعد عاصفة نتائج استفتاء أقليم كردستان العراق بالموافقة على الانفصال بنسبة ٩٢ فى المائة ، إلا وأعلن قادة إقليم كاتالونيا عزمهم على المضي قدما في إجراءات الاستفتاء على الاستقلال عن إسبانيا ، بالرغم من تكثيف مدريد عمليات المداهمة والتهديد بفرض عقوبات على المنطقة .
وقال رئيس هذه المنطقة الواقعة في شمال شرق إسبانيا كارلس بوتشديمون قبل يومين من الاستفتاء خلال اجتماعه مع ممثلي المراكز التعليمية، التي ستقام فيها مكاتب الاقتراع ،:”سنذهب حتى النهاية”، مشددا على أنه يتحمل مع حكومته كامل المسئولية عن تنظيم التصويت.
ومنذ أسابيع تسعى سلطات كاتالونيا إلى إخفاء صناديق الاقتراع وبطاقات التصويت، خوفا من مصادرتها من قبل السلطات المركزية. كما تعمل على فتح مواقع إلكترونية لتمكين الناخبين من معرفة أماكن مراكز الاقتراع للاستفتاء ، وقد تظاهر ما لا يقل عن عشرة آلاف طالب قبل يومين ومع بدء العد التنازلى للاستفتاء في عاصمة الإقليم برشلونة دفاعا عن الاستفتاء ، كما تجمع الطلاب المضربون عن الدراسة في المعاهد الثانوية والجامعات، أمام مبنى جامعة برشلونة التاريخي في وسط المدينة، وهم يهتفون “سنصوت استقلال”.
فيما أمهلت اسبانيا الاقليم 48 ساعة للتخلي عن الاستفتاء بالانفصال عن البلاد ، وقال وزير الخارجية خوسيه مانويل مارجايو “فرضية انفصال إقليم كتالونيا عن إسبانيا أمر غير شرعي ولن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي، وغير دستوري ، ويعتبر تفكيكا لوحدة الوطن الإسباني ، واعتبرت الحكومة الإسبانية أن هذا الاستفتاء غير قانونى، حيث إن إسبانيا دولة غير قابلة للتقسيم.
وكانت الحركة الموالية للاستقلال فى ذروة اتقادها فى عام 2012 أثناء الركود الاقتصادى الحاد فى إسبانيا، وعندها خرج حوالى مليون شخص إلى الشوارع ملوحين بالعلم الكتالونى ، ومرددين النشيد الوطنى للإقليم، لكن استطلاعات الرأى أظهرت انحسار دعم الاستقلال منذ ذلك الوقت، ليصبح مؤيدو الدولة المنفصلة أقلية، ومع ذلك فإن أغلبية الكتالونيين يريدون إجراء الاستفتاء ، وأجرى أهالى كتالونيا تصويتا رمزيا على الاستقلال عن إسبانيا فى 2014 وصوت حوالى 2 مليون لصالح الانفصال.
وحصل اقليم كاتالونيا على الحكم الذاتي عام ١٩٣١ خلال الجمهورية الثانية الإسبانية ، وتميزت هذه الفترة بالاضطرابات السياسية ثم علق العمل به بعد تسلم الجنرال فرانسيسكو فرانكو الحكم في عام 1936 وحتى وفاته فى عام 1975، حيث قمع نظام فرانسيسكو أي نوع من الأنشطة العامة المرتبطة بالقومية الكاتالانية، الأناركية، الاشتراكية، الشيوعية أو الديمقراطية، بما في ذلك نشر الكتب عن هذه المواضيع أو مجرد مناقشتها في جلسات مفتوحة.
وكجزء من هذا القمع، تم حظر استخدام الكاتالونية في المؤسسات التي تديرها الحكومة وخلال المناسبات العامة ، وتعرض رئيس كاتالونيا للتعذيب في ذلك الوقت، وأعدم لجريمة “التمرد العسكري” من قبل نظام فرانكو ، ثم اعيد العمل بقانون الحكم الذاتي في الاقليم مرة أخرى فى عام 1979، وبعد الانقلاب العسكري في 1981 اقرت الحكومة بوجود 17 اقليما مع خصوصية لاقليمي الباسك ونافارا في تحصيل ضرائبهما، واستثناء كاتالونيا من هذا الحق.
ويعود العداء بين كاتالونيا وأسبانيا لفترة طويلة حيث ان الكتالونيين استمروا في نضالهم ضد الجنرال فرانكو منذ عام ١٩٣٦ حتى عام 1975 ، ومنذ ذلك الحين، ازدهرت كاتالونيا في كل شيء، وأصبحت المنطقة الاقتصادية الرائدة في اسبانيا التى توجه ما يقرب من ٢٠ فى المائة من الناتج القومي الإجمالي لهذه المنطقة التي تشكل ٦ فى المائة فقط من مساحة اليابسة في اسبانيا و١٥ فى المائة من السكان.
وأدى سوء الحالة الاقتصادية في إسبانيا إلى تعميق الأزمة ، حيث شعر سكان كاتالونيا بالاحباط ، فهم يزعمون أن كاتالونيا تقوم بتحويل ٢٠ مليار يورو إلى الحكومة المركزية، وأن هذه التحويلات أدت الى إفلاس المنطقة مما أجبر حكومة كاتالونيا على وضع خطة انقاذ ، وفرض سياسة تقشف وهذا ما ادى الى تدني الرعاية الصحية، والتعليم، وغيرها من الخدمات.
ويعتقد الكتالونيون المطالبون بالاستقلال ، أن كاتالونيا هي أمة لديها تاريخ لغة وثقافة ، وقد ساهم اضطهاد الجنرال فرانكو لشعب كاتالونيا في بداية القرن العشرين بزيادة النزعة الانفصالية لشعب لهذا الأقليم ، ويرون أن اقتصاد كاتالونيا تضرر كثيرا بسبب سياسات الحكومة الاسبانية التى فرضت ضريبة تقدر بـ ١٠ فى المائة من الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى ٢٠ مليار يورو ، في المقابل ليس هناك استثمارات او خدمات اجتماعية توازي هذه الضريبة الباهظة ، كما أن هناك عجزا في الاستثمار في البنى التحتية لأن الحكومة الاسبانية لا تريد أن تكون برشلونة افضل من مدريد.
وفي شهر سبتمبر من العام الماضى ، خرجت في برشلونة عاصمة منطقة الحكم الذاتي في كتالونيا، أغنى منطقة في أسبانيا مظاهرة ضخمة تنادي بالاستقلال ، بلغ عدد المشاركين فيها حوالى ٥ر١ مليون نسمة من اصل 5ر7 نسمة ، وسارت المظاهرة تحت شعار “كاتالونيا ـ الدولة القادمة في اوروبا” ، وأيدها غالبية الاحزاب السياسية في المقاطعة ، وفي نهاية الشهر صوت اقليم كاتالونيا لصالح اجراء استفتاء الاستقلال ، وطالب ارتور ماس، رئيس الحكومة المحلية الكاتالونية، الذى يدعو إلى جعل إقليم كاتالونيا “دولة ذات سيادة ” بنظام ضرائبي مستقل عن إسبانيا الا أن رئيس الوزراء الاسباني ماريانو راخوي رفض ذللك بحجة انه يتناقض مع الدستور.
وصوت البرلمان الإسباني على منع كاتالونيا من اجراء استفتاء على الاستقلال ، فيما فجر جوردي ترياس عمدة مدينة برشلونة مفاجأة من العيار الثقيل ، عندما أعلن إن فريق برشلونة قد ينتقل للمنافسة في الدوري الفرنسي في حالة انفصال إقليم كاتالونيا عن إسبانيا.
المصدر : وكالة أنباء الشرق الأوسط ( أ ش أ )