تسبب مشروع قانون “المصالحة الإدارية” الذي وافق عليه مجلس نواب الشعب في تونس في جلسة استثنائية مساء أمس، في حالة من الجدل الشديد بين أوساط السياسيين الذين انقسموا بين مؤيد للقانون باعتباره يخدم صالح الدولة، ومعارض يراه خروجا على مسار الديمقراطية الذي تنتهجه البلاد منذ الثورة.
ويتيح مشروع القانون “الذي اقترحه الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي قبل نحو عامين” العفو عن الموظفين العموميين المتورطين في قضايا فساد (كبار الموظفين في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي)، شريطة أن يكونوا غير مستفيدين ماديا أو معنويا من هذا الفساد، وطبقوا التعليمات مكرهين أو مجبورين، على أن تكون الفترة التي يشملها القانون من يوليو عام 1955 حتى ثورة 14 يناير 2011.
وحاول مدير الديوان الرئاسي التونسي سليم العزابي بعث رسالة طمأنينة للرافضين لمشروع القانون، بالتأكيد أن المشروع “لا يبيض (يحمي) الفساد”، وهدفه تحرير الطاقات داخل الإدارة التونسية وإعادة الاستثمار ودفع العجلة الاقتصادية، خاصة وأن تونس تحتاح إلى المصالحة والتوافق والوحدة الوطنية.
ودافع حزب “نداء تونس”، الفائز بأغلبية المقاعد البرلمانية في الانتخابات الأخيرة، بشدة عن مشروع القانون، حيث اعتبر أن الموافقة عليه “مكسب تاريخي لا يوجد فيه منتصر ومهزوم، بل منتصر وحيد هو تونس”.
ويرى الحزب أن مشروع القانون يفتح المجال أمام مرحلة جديدة في تاريخ تونس عنوانها: المصالحة والتكاتف والوحدة بين جميع التونسيين لكي يسهموا في بناء بلدهم، والانتقال الديمقراطي نحو مربع المصالحة والوئام الوطني بعيدا عن منطق العنف والاقتتال والفوضى.
بدورها، شددت حركة النهضة، الشريك الرئيس في حكومة الوحدة الوطنية التونسية، على لسان رئيسها راشد الغنوشي على أن المصالحة ركن من أركان الوحدة الوطنية ونجاح لعملية الانتقال الديمقراطي، معتبرا أنه بدون مصالحة حقيقية شاملة لن تتحقق مصلحة تونس العليا، وأنه من الخطأ الشنيع إقصاء أية كفاءة وخبرة في إدارة الدولة.
وعلى الجانب الآخر، صدرت تحذيرات من العديد من نواب المعارضة من أن مشروع القانون سيوجه ما وصفوه بـ “ضربة قاضية للديمقراطية التونسية الوليدة”، ومارس هؤلاء النواب وهم من كتلة “الجبهة الشعبية”، و”الكتلة الديمقراطية” أقصى درجات الضغط على رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر في محاولة منهم لعدم مناقشة مشروع القانون، حيث وقفوا في القاعة ورددوا النشيد الوطني لمنع قراءة التقرير الخاص بالمشروع وهم يضربون بأيديهم على الطاولات ويرددون شعارات على غرار “الوفاء لدماء الشهداء” و”المحاسبة قبل المصالحة”، في مشهد يعد سابقة في البرلمان التونسي.
وعقب إجراء عملية التصويت وموافقة المجلس، أعلن أيمن العلوي النائب عن الجبهة الشعبية المعارضة أنه تم توقيع عريضة للطعن في مشروع القانون من جانب نحو 40 نائبا، معتبرا أن القانون “يسيء لتاريخ المسار الثوري في تونس”.
ووصف عدنان منصر أمين عام حزب “حراك تونس” –الذي أسسه رئيس الجمهورية التونسي السابق المنصف المرزوقي- مشروع القانون بأنه “قانون الفساد”، مؤكدا أنه سيتم الطعن في دستوريته.
وعلى مستوى الحملات الشعبية، نظمت حملة تطلق على نفسها اسم “مانيش (غير) مسامح” الرافضة لمشروع القانون، وقفة احتجاجية ضمت العشرات من المناصرين لها أمام مجلس نواب الشعب، بالتزامن مع مناقشة مشروع القانون، للمطالبة بسحبه دون قيد أو شرط.
وقابل نواب الأغلبية – الذين وافقوا على مشروع القانون – هذه الأصوات المعارضة بانتقادات شديدة، حيث وصفوا المعارضين بأنهم “دعاة فوضى ولا يتقبلون الرأي الآخر”، خاصة بعد حسم الأمر بأغلبية الأصوات لصالح المشروع.
وتعكس هذه الأجواء حالة الجدل والاختلاف الشديدين حول مشروع القانون، الذي ظل مطروحا على مجلس نواب الشعب لنحو عامين قبل أن يتم حسمه في جلسة استثنائية عاصفة.
وكان مجلس نواب الشعب التونسي برئاسة محمد الناصر قد وافق في جلسة استثنائية عقدت مساء أمس، على مشروع قانون “المصالحة الإدارية”، بأغلبية 117 صوتا مقابل امتناع نائب واحد عن التصويت ورفض 9 آخرين من إجمالي عدد أعضاء المجلس البالغين 217 نائبا.
ويهدف مشروع قانون المصالحة الإدارية – وفقا للنصوص الواردة في أحكامه – إلى تهيئة مناخ ملائم يشجع على تحرير روح المبادرة في الإدارة وينهض بالاقتصاد الوطني التونسي ويعزز فرص الثقة في مؤسسات الدولة تحقيقا للمصالحة الوطنية.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)