ينظر الغالبية العظمى من التونسيين إلى حكومة يوسف الشاهد، التي حظيت بثقة مجلس نواب الشعب في جلسة استثنائية أمس امتدت لنحو 14 ساعة، على أنها فرصة الأمل الأخير لاستمرارها، إذا استطاعت الوفاء بعدد من الاستحقاقات السياسية والاقتصادية.
وحكومة يوسف الشاهد، المؤلفة من 28 وزير وأجرى تعديلا وزاريا عليها شمل 13 وزيرا، هي العاشرة منذ ثورة 14 يناير 2011 والرابعة منذ انتخاب الباجي قايد السبسي رئيسا لتونس.. وهي الوحيدة التي حصلت على فرصة تشكيل حكومة مرتين خلال السنوات الست الماضية، ما يعني، وفقا لتقديرات الخبراء والسياسيين، أنه لن يكون هناك فرصة ثالثة أمامها إذا لم تحقق التطلعات التي يصبو إليها المواطن التونسي.
وتدفع تصريحات أغلب المسؤولين والسياسيين التونسيين في هذا الاتجاه، حيث أكد رئيس الدولة الباجي قايد السبسي أن التعديل الوزاري هو “فرصة الأمل الأخير” من أجل وضع الأمور في نصابها، فضلا عن أن كلمات غالبية الكتل الرئيسة في مجلس نواب الشعب في جلسة منح الثقة والأحزاب التونسية تركزت على الالتفاف حول هذه الحكومة ليس من أجل أية اعتبارات سوى مصلحة الوطن في هذه المرحلة وتحقيق آمال الشعب وتطلعاته، وأنهم سيراقبون أداءها وينتقدون أي تباطؤ في هذا الصدد ويفعلون كل الأدوات الرقابية بأيدهم متى تطلب الأمر ذلك.
وتعكس هذه الأجواء حجم الضغوطات التي تعمل فيها حكومة الوحدة الوطنية التونسية من جانب السياسيين التونسيين من ناحية، والمواطن من ناحية أخرى، حيث أظهر أحدث استطلاع للرأي أعدته مؤسسة (سيجما كونساي) بالتعاون مع جريدة (المغرب) التونسية عن مستوى رضا المواطن عن أداء الحكومة خلال شهر أغسطس الماضي أن 89% من التونسيين يرون أن الحكومة أخفقت في تحسين ظروف العيش، و83% يرون أنها أخفقت في الحد من البطالة.. وهو ما يؤشر بقوة أن تلقى هذه الحكومة، التي تشكلت منذ ساعات، المصير نفسه الذي لقيته سابقاتها وهو العجز عن تحقيق انتظارات وطموحات التونسيين والنمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي المنشودين إذا واصلت العمل بطريقة غير قائمة على برنامج مفصل ودقيق واكتفت بتصريف الأعمال ومجاراة المتطلبات اليومية.
وتأتي تصريحات يوسف الشاهد رئيس الحكومة لتعكس إدراكه بحجم المسؤولية، والفرصة المتاحة له ولحكومته هذه المرة وفهم واضح للمتطلبات في هذه المرحلة، حيث أكد الشاهد فور الإعلان عن التعديل الوزاري وأثناء جلسة منح الثقة أن حكومة الوحدة الوطنية ستتحول إلى “حكومة حرب” ضد الإرهاب والفساد والبطالة، حكومة حرب من أجل التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، وأن حكومته بالنسبة للاستحقاقات السياسية العاجلة مستعدة للانتخابات البلدية التي تشغل بال الشارع السياسي التونسي خاصة بعدما تردد عن احتمالية تأجيلها عن موعدها المقرر في ديسمبر المقبل، حيث أكد قيام حكومته بالدور المطلوب منها نحو هذه الانتخابات وأنها مستعدة تماما لها.
وقدم الشاهد بالنسبة للاستحقاقات الاقتصادية برنامجا تفصيليا لحكومته محددا بفترة زمنية تمتد حتى 2020، ويتضمن “ترسانة” من الإصلاحات، على رأسها: إصلاح ضريبي، وتعديل مسار التنمية ليقوم على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وإصلاح منظومة الدعم، وإصلاح المنظومة البنكية، والصناديق الاجتماعية، وإعادة هيكلة المؤسسات العامة، والتحكم في كتلة الأجور، وتقليص عجز الميزان التجاري ونسبة المديونية، إضافة إلى دفع النمو والوصول به إلى 5% بدلا من النسب الحالية التي تصل إلى النصف تقريبا.
وعلى صعيد الملف الأمني ومكافحة الإرهاب والفساد، الذي يشغل بال الكثير من التونسيين.. أكد يوسف الشاهد أن أولوية عمل حكومة الوحدة الوطنية ستكون مكافحة الإرهاب في ظل الأوضاع غير المستقرة لبعض دول الجوار مع مواصلة خوض حربها ضد الفساد، وأنه لا مكان لوزير أو وكيل وزارة ثبتت إدانته من جانب القضاء ضمن الفريق الحكومي، وأن جميع الوزارات موكل إليها مهمة مكافحة الفساد بلا استثناء.
ووضع الشاهد 4 أهداف استراتيجية لبرنامج حكومته الاقتصادي، هي: الحفاظ على العجز العام والداخلي عند مستوى مقبول والتحكم في مستوى التضخم بحيث لا تزيد نسبة العجز في الميزانية عن 3% بحلول عام 2020، واستقرار مستوى المديونية كي لا تتجاوز مستوى 70% بحلول عام 2020 مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، والتحكم في كتلة الأجور التي تستحوذ على نحو 20% من الموازنة والوصول بها إلى 12.5% سنة 2020، ورفع نسبة النمو عبر وضع برنامج استثمار جديد يجعل النمو عند مستوى 5% عام 2020.
وبالرغم من أن النسب التي تحدث عنها الشاهد يرى بعض الخبراء والسياسيين أنها لا تحقق طموحات التونسيين وتطلعاتهم، إلا أن الشاهد أكد أنها واقعية وفقا للمعطيات الحالية وإمكانيات الدولة، كما أنها تتماشى مع منهج مصارحة الشعب بالأوضاع السيئة المتراكمة منذ سنوات، مؤكدا أن الخروج من الأزمة المالية يجب أن يكون في إطار نظرة متوسطة المدى مبنية على جملة من التضحيات تتقاسمها المجموعة الوطنية.
ويحتاج التونسيون خلال الفترة القادمة، وفقا لرئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر، إلى إشارات أمل للاطمئنان على المستقبل الجماعي والفردي، ويرون أن مسؤولية الحكومة خلال هذه المرحلة أن تكون صانعة أمل لكل التونسيين، وأن الشعب التونسي لايزال يصبو إلى تحقيق آماله في الاستقرار والتنمية وفي مقاومة الفقر والبطالة، خاصة في أوساط الشباب والانتصار على مخاطر الإرهاب والفساد.. وهي جميعا محور برنامج حكومة الشاهد الذي إن تحقق فسيكون قد نجح بامتياز في مهمته.
المصدر : أ ش أ