تكشف الخلافات والتهديدات المتبادلة بين حلفاء الأمس في اليمن، وتحديًدا بين قوات الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وحركة الحوثيين، عن تحولات جذرية في المشهد السياسي اليمني، وعن تحول الولاءات في اليمن، على نحو يزيد من تعقيدات الأزمة السياسية هناك، الأمر الذي قد يمثل تهديداً لبقاء الدولة ذاتها ويثير الكثير من علامات الاستفهام حول مستقبل المشهد اليمني برمته.
تمثل هذه الخلافات تحولاً عما كان سائدًا خلال الأعوام الثلاثة الماضية حينما استطاعت تلك الميلشيات بدعم من قوات صالح الانقلاب على الشرعية والاستيلاء على السلطة بقوة السلاح في العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014.
كانت الشرارة في الخلافات بين أصدقاء الأمس “صالح والحوثي” قد انطلقت مع ظهور الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في الرابع والعشرين من أغسطس الجاري وسط حشد من أنصاره ويحيط به مسلحون يرتدون الزي العسكري، مؤكداً في كلمة له بمناسبة إحياء الذكرى الـ35 لتأسيس حزب المؤتمر الشعبي، عن استعداده لإرسال مئات الآلاف من المقاتلين على الجبهات المختلفة على نحو يشكك في القدرات القتالية للحوثيين.
في المقابل، دعت حركة الحوثيين لإعلان حالة الطوارئ ووقف كافة أشكال النشاط الحزبي وعدم الدفع بأي تجمعات حاشدة في الميادين العامة، غير أن أنصار صالح لم يلتزموا بذلك، ومن ثم اعتبرت حركة الحوثيين تجمع أنصار صالح في صنعاء “خيانة للتحالف بينهما ودعماً للتحالف الخارجي”.
وكادت الأوضاع تتفجر عسكرياً في صنعاء مؤخراً بين تحالف الحوثيين وعلي صالح إثر اشتباكات بين جماعة مسلحة من ميليشيات الحوثي، وعناصر من حزب «المؤتمر الشعبي العام» في نقطة تفتيش أمنية استحدثتها الميليشيات قرب منزل نجل الرئيس السابق أحمد علي صالح وسط صنعاء بعدما توجه إلى النقطة الحوثية القيادي في حزب المؤتمر والضابط السابق في القوات الخاصة لمكافحة الإرهاب العقيد خالد أحمد الرضي لإقناع الحوثيين بإلغاء نقطة التفتيش.
ولكن النقاش تحول إلى اشتباك بالرصاص بين أفراد الميليشيات ومرافقي الرضي أسفرت عن مقتله في الحال إضافة إلى عنصرين من الميليشيات وجرح عدد آخر من مسلحي الجانبين.
ويمكن القول أن الخلاف بين الحليفين في صنعاء بلغ ذروته من التصعيد السياسي والإعلامي، والتهديد المتبادل باتخاذ مواقف كل تجاه الأخر، نتيجة رفع سقف الاتهامات المتبادلة على خلفية رفض صالح وحزبه هيمنة الحوثيين على مقاليد السلطة والموارد الاقتصادية في صنعاء والمحافظات التي تحت سيطرتهم، وتفشي الفساد الحوثي، وهيمنة اللجنة الثورية الحوثية على حكومة الائتلاف، وتغيير مناهج التعليم وفق أهواء وتوجهات مذهبيّة، وتهديد صالح بفض التحالف مع الحوثيين ما لم يتم تغيير سياستهم الإقصائية.
غير أن الخلاف بين صالح والحوثي ليس وليد اللحظة، إنما هو خلاف قديم بين الطرفين، بدأ مع رفض الحوثيين انعقاد مجلس النواب لقبول استقالة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، التي تقدم بها في 22 يناير 2015، قبل أن يتراجع عنها بسبب عدم انعقاد البرلمان.
ثم توسع الخلاف مع ضغوطات الحوثيين على حليفهم صالح الذي فرضوا عليه حشد أربعين ألف مقاتل، إلا أن الأخير قدم حتى الآن ثلاثة آلاف مقاتل رفضت جماعة الحوثي ضمهم للجبهات، كما عرقلت تعيين قائد لقوات الحرس الجمهوري التي زعمت بولائه لصالح.
يرى محللون ومراقبون أن الخلافات بين صالح والحوثي، صراع سياسي على السلطة، وهو ما يشير إلى هشاشة التحالفات التكتيكية، على نحو ما يعكسه تحالف المصلحة الذي جمع أعداء الأمس بين قوات صالح وأنصار حركة الحوثيين، حينما وصف صالح الحوثيين بأنهم “ميلشيات” وأنه مستعد للانسحاب من تحالفه مع الحوثيين إذا أرادوا التفرد بالسلطة، ووصف مقاتلون موالون للحوثيين الرئيس السابق بأنه “يتربص شراً”.
ويعكس هذا الشقاق العلني بين الطرفين صراعهما على السيطرة على وزارة الدفاع، لا سيما بعد تعيين اللواء عبدالله يحيى الحاكم رئيساً لهيئة الاستخبارات العسكرية، وكذلك الخلاف بشأن المخصصات المالية في دوائر الحكم في العاصمة صنعاء، خاصة بعد اتهام صالح للحوثيين بسوء الإدارة والتلاعب بأموال البنك المركزي اليمني وعدم صرف الرواتب لموظفي الدولة على مدى عدة أشهر،
فضلا عن إلقاء كل طرف بالمسئولية على الطرف الآخر في تفاقم حدة الأزمة الإنسانية التي تمر بها البلاد، والتي كشفتها تقارير المنظمات الدولية، ناهيك عن خلاف آخر يتعلق بمحاولة الرئيس السابق صالح استعادة الزعامة المفقودة والضغط على الحكومة الشرعية عبر إظهار ولاء بقايا الجيش اليمني له لتحسين موقعه التفاوضي المستقبلي، سواء لحزبه أو لنجله أحمد.
أجمع المتخصصون في الشأن اليمني أن التداعيات والأثار الناتجة عن تفجر الخلافات بين صالح والحوثي، سوف تكون مختلفة، تبعاً لحدود الخلافات وفرص تصاعدها وذلك على النحو التالي:
أولاً: في حالة استمرار الخلافات بين أصدقاء الأمس “صالح والحوثي”، ربما يؤدي ذلك إلى تعميق الصراعات الداخلية المسلحة في اليمن ودخول البلاد مرحلة الحرب الأهلية، وتؤكد ذلك السوابق والخبرات التاريخية في اليمن، إذ شن الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح ست حروب في مواجهة الحوثيين في صعدة والحديدة، خلال الفترة (2004-2009)، وتحالف مع أطراف عديدة ضدهم مثل الإخوان المسلمين والسلفية الجهادية اليمنية، على نحو يشير إلى تاريخ دامٍ بين الطرفين، بما يعني أن ائتلاف الطرفين في حربهما ضد الرئيس الشرعي لليمن عبد ربه هادي، إنما هو توافق المصلحة المؤقتة الذي قاد إلى الانقلاب على الشرعية الدستورية في اليمن.
وتؤكد تقارير ودراسات متخصصة، أن خروج قطاعات من الرأي العام اليمني للتظاهر ليس لتأييد صالح بل للاحتجاج ضد الحوثيين، ربما يمهد لتوافقات جديدة وتغيير في التفاعلات السياسية التي تشهدها الساحة اليمنية، لا سيما مع إعلان المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ عن مبادرة إنسانية تتضمن تسليم ميناء الحديدة ومطار صنعاء لجهة ثالثة تحت إشراف دولي، حيث أبدى صالح موقفاً مرناً من هذه المبادرة، وهو ما يعني قبوله بإجراء حوار سياسي.
ويتزامن ذلك مع عدم تمكن قوات الجيش اليمني المحسوبة على الشرعية من تحقيق انتصارات حاسمة في جبهات الشمال، ولاسيما محيط صنعاء، مقابل عجز قوات الحوثي وصالح عن تحقيق تقدم في جبهات الجنوب، فضلا عن اندلاع أزمة إنسانية حادة، على نحو أوجد حراكاُ سياسياً داخلياً.
وفي هذه الحالة فإن مستقبل العلاقة بين علي عبدالله صالح والحوثيين يمكن أن تنتهي إلى الأبد، إذا استثمرها الرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور هادي والتحالف العربي، لأن هذه الخلافات تشكل فرصة تاريخية لشق الصف بين الفريقين ما يعني إنهاء الحرب في اليمن بشكل كامل.
ثانياً: رغم واقعية الطرح السابق بانتهاء التحالف بين صالح والحوثي، إلا أن المستقبل يحمل أيضاً احتمالات عودة التحالف بينهم مرة أخري وهو أمر ليس مستبعداً، لأن الطرفين تجمعهم مصالح، وإذا رأى الحوثيون أن استغلال جبهة علي عبد الله في صالحهم سيعودون للتصالح معه مجدداً.
ولعل لجنة تهدئة التوتر في صنعاء والتي ترأسها وزير الداخلية اللواء محمد القوسي، وضمت مقربين من صالح وقيادات من الحوثيين، تشير إلى احتمالات توجه الأوضاع في اليمن نحو الخيار الثاني وهو عودة التحالف مجدداً وبقوة إذا حقق كل طرف مصالحه من التصعيد والخلاف.
ولكن يبقى القول أن حالة التهدئة في صنعاء تبدو هشة جداً، وليست سوى محاولة لتأجيل الصدام بين الطرفين بعدما وصل الاحتقان بينهما إلى درجة تحريض ومطالبة قيادات حوثية كبيرة بالتخلص من علي صالح، واجتثاث حزبه من الساحة السياسية في اليمن، في حين تطالب غالبية أعضاء حزب صالح بفض التحالف مع الحوثيين واتهامهم بعدم الوفاء بالعهود، الأمر الذي يصب في النهاية في مصلحة الرئيس الشرعي لليمن وقوات التحالف العربي، بما يمكن معه التوصل لتفاهمات سياسية من شأنها إنهاء الحرب في اليمن وعودة الاستقرار والأمن في ربوعه مرة أخرى وهو ما يؤمل تحقيقه خلال الفترة القليلة المقبلة.