اختبار حقيقى لدولة توصف بأنها زعيمة العالم الديمقراطى المتسامح تمر به حاليا الولايات المتحدة الامريكية ، اختبارعنوانه ” العنصرية ” يزعزع كل ما تؤكده من إيمان بحقوق الفرد والجماعات ، أيا كان لونها أو عرقها أو دينها ، حيث تندلع الإحتجاجات والمظاهرات ضد العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى كلما خمدت النيران ، ولا أحد يمكنه التنبؤ بمتى أو اين ستتوقف ، فتاريخ الولايات المتحدة مليء بالحوادث العنصرية والغضب ضد سيادة البيض .
قبل ساعات قليلة وقعت أحدث تلك الاحتجاجات ، ضمن تظاهرات بعنوان حرية التعبير ، حيث شهد متنزه بوسطن العام الأثرى الذى يتوسط الولاية مسيرة يمينة متطرفة وأخرى ليبرالية مضادة ، احتشد فيها عشرات الآلاف منددين بالعنصرية معلنين رفضهم للكراهية داعين للمحبة والسلام ، مؤكدين رفضهم لليمين المتطرف ، رافعين لافتات تطالب “بوقف عنصرية الرئيس دونالد ترمب” ، فيما احتشدت مئات العناصر من قوات الشرطة وقطعت الطرق عن وسط المدينة ، وتم وضع حواجز لمنع دخول السيارات ، وطوقت موقع التجمع للفصل بين المجموعتين لمنع تكرار وقوع أعمال عنف على غرار ما حدث قبل أسبوع من مسيرة لمناصريين لتفوق البيض ، والذى أسفر عن أحداث دامية شهدتها مدينة شارلوتسفيل بولاية فرجينيا .
ففى الاحداث التى اندلعت يومى 11 و12 أغسطس الحالى في مدينة شارلوتسفيل ، نزل أنصار التيار اليمينى المتطرف فى مظاهرة عنصرية ، وخرجت ضدها مظاهرة أخرى ليبرالية ووقعت الاشتباكات بين متظاهرين من القوميين البيض ومحتجين مناوئين ، وكان بين المتظاهرين جماعة كو كلوكس كلان والنازيون الجدد ، وتسبب ذلك فى اندلاع أعمال عنف بلغت ذروتها عندما قاد يمينى متطرف سيارته ودهس حشدا من الليبراليين مما تسبب فى مقتل شخص وإصابة العشرات ، وبحسب الشرطة فقد فوجئ الحشد بسيارة داكنة اللون تصدمهم بعنف من الأمام والخلف .
رمزية اختيار متنزه بوسطن الأقدم فى البلاد لإنطلاق مسيرة الأمس (السبت ) ، يرجع إلى رغبة المحتجين فى الاعلان عن رفضهم القاطع وبأثر رجعى للعنصرية المتأججة بين الحين والآخر ، و تزايد جرأة اندلاع جماعات مناصرة لتفوق البيض على تنظيم مسيرات فى أنحاء الولايات المتحدة الامريكية ، حيث أدان منظموا المسيرة الرسالة التى يتبناها مناصرو تفوق البيض وأعمال العنف فى تشارلوتسفيل مؤكدين أن احتجاجهم سلمى .
غضب السود ضد سيادة البيض يمثل كرة الثلج التى ترجع بدايتها لعشرات العقود الماضية ، حيث يتجذر التمييز العنصرى فى المجتمع الامريكى ، رغم المكتسبات التى تحققت فى ظل النضال الذى قادة مارتن لوثر كينج ، والذى اسفر عن إلغاء التمييز العنصرى وخروج مسيرة كبيرة للمطالبة بالحقوق المدنية في عام 1963 ، وبعد أقل من عام وقع الرئيس الامريكى السابق ليندون بينز جونسون قانون الحقوق المدنية ، معتبرا أن التمييز على أساس العرق أو اللون أو الدين أو الجنس، أو الأصل القومي، امر مخالف للقانون.
بيد أن الإلغاء الرسمى للتمييز العنصري لم يضع حدا للمشاكل بين البيض والسود بين عشية وضحاها ، فقد شهدت الستينيات الكثير من الإحتجاجات وأعمال شغب أدت الى القتل ، ففي عام 1968 تم إغتيال رمز القضاء على العنصرية مارتن لوثر كينج فى حادثة خلفت ورائها عشرات القتلى وآلاف الاعتقالات ، وبعد هدوء نسبي في السبعينيات والثمانينات تجدد الغضب مرة أخرى فى عام 1992 مع قضية رودني كينج الذي تعرض للضرب من قبل أربعة ضباط شرطة من ذوي البشرة البيضاء أمام كاميرا أحد مصوري الفيديو الهواة ، بعد القبض عليه بسبب تجاوز السرعة المقررة ، وقد انتقل الفيديو ومدته عشرين دقيقة في مختلف أنحاء العالم ، و بعد عام واحد تم تبرئة الضباط الأربعة.
وفى عام 2012 ، و بعد مرور خمسة واربعين عاما على مقولة مارتن لوثر كينج الشهيرة ” لدي حلم” ، حدث ما لم يكن ممكنا توقعه ، فقد تم انتخاب باراك اوباما أول رئيس اسود للولايات المتحدة ، الأمر الذى حمل معه زخما كبير من الاحلام للسود إنتخاب ، لكن إنتخاب أوباما لم يغير من الأمر شيئا ، ففي العام 2012 اندلعت مرة أخرى سلسلة من الإحتجاجات ضد العنصرية على أثر حوادث متكررة الضحية دائما فيها من السود والجانى من ذى البشرة البيضاء .
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط