شهدت الأشهر الأخيرة توترًا للعلاقات بين مصر وإثيوبيا، مع إعلان الأخيرة بدء بناء مشروع «سد النهضة»، الذي يثير مخاوف داخل مصر، حول تأثيره على حصتها من مياه النيل، وتأثيره على أمنها القومي في حالة انهياره.
الموقف المصري
قال محمد عبدالمطلب ، وزير الموارد المائية والري ، إنه من المحتمل لجوء مصر لتدويل أزمة سد النهضة الإثيوبي ، مؤكدًا أن كل الخيارات والسيناريوهات متاحة.
وأضاف عبدالمطلب في تصريحات صحفية أن مصر لن تغلق باب التفاوض مع الجانب الإثيوبي ، وعلى متخذ القرار الإثيوبي أن يأتي إلينا بالحل ، وبشكل يرضي كل الأطراف ، ولا يؤثر على حصة مصر المائية.
وتابع عبد المطلب : كل طرف من حقه أن يدافع عن حقوقه ، ولكن دون أن يأتي ذلك لطرف على حساب الآخر ، أو يؤثر على حصته وموارده المائية.
هذا التصريح من الوزير المصري كان في أعقاب عودته والوفد المرافق له إلى القاهرة قادمين من العاصمة الإثيوبية ، أديس بابا ، في زيارة استغرقت يومًا واحدًا ، عقب ما سماه الوفد المصري (التعنت الإثيوبي وعدم الاستجابة لمقترحاته) خلال المفاوضات التي جرت بشأن سد النهضة.
الموقف الاثيوبي
من جانبه قال رئيس الوزراء الإثيوبى هايليماريم دسالين ، إنه لا بديل عن الحوار والمفاوضات بين بلده ومصر للوصول لحل مناسب للطرفين ، بشأن مشروع بناء سد النهضة الذى بدأته إثيوبيا ، وتقول مصر إنه يؤثر سلبا على حصتها المائية فى نهر النيل.
ونقل موقع الخارجية الإثيوبية عن رئيس الوزراء قوله : بالرغم من فشل الاجتماعات بين إثيوبيا ومصر والسودان فإن المناقشات سوف تستمر لأن الحوار ضرورى للوصول لحل مقبول . وأضاف : إن موقف الحكومة الإثيوبية من بناء سد النهضة لم يتغير ، وإن بناء السد سوف يستمر كما هو مخطط له.
وبشأن الأنباء عن نية مصر اللجوء للمحكمة الجنائية الدولية ، أو هيئات دولة أخرى , قال رئيس الوزراء لا يوجد محكمة دولية مسئولة عن التحقيق ، أو التحكيم فى قضايا المياه .. ذلك الفعل لن يكون له نتيجة.
وقال ديسالين ، إن رفع ملف سد النهضة من جانب مصر إلى مجلس الأمن الدولي (سيكون خصمًا عليها ، ونحن جاهزون لذلك متى حدث ، وسننتصر سياسيًا) ، مستبعدًا في الوقت ذاته احتمال نشوب حرب بين البلدين ، واعتبرها مسألة مستحيلة.
أراء الخبراء في الازمة
على صعيد آخر , يطالب بعض خبراء المياه والأكاديميون بالتصعيد ضد إثيوبيا علي المستوي الدولي ، وحشد رأي عام عالمي ضد حكومة أديس أبابا بعد فشل جولات المفاوضات التي عقدت بين مصر والسودان وأثيوبيا.
وقالوا إن الجانب الإثيوبي يسعي لبناء مشروعات مائية وحاضر مزدهر علي حساب مستقبل مصر المائي ، مطالبين بمواجهة ذلك بشتى الطرق الديبلوماسية على المستوى الإقليمي والدولي .
وقال الدكتور نادر نور الدين – أستاذ المياه والتربة بكلية الزراعة جامعة القاهرة – إن أديس أبابا لن تتخلي بسهولة عن حلمها بالتحضر علي حساب مصر وشعبها ، فهي تريد الاستحواذ الكامل علي مياه النيل الأزرق عبر بناء أربعة سدود خلف سد النهضة لتصل بإجمالي تخزين المياه إلي 200 مليار متر مكعب من نهر كل تدفقه السنوي أقل من 50 مليارا بغرض بيع المياه مستقبلا لمصر ولكل من يطلبها.
وشدد نور الدين علي ضرورة دعم المفاوض المصري عبر تشكيل لجنة قانونية فنية دبلوماسية تطوف العالم للتعريف بالحقوق المصرية في مياه النهر وكشف الخداع الإثيوبي للعالم مع التقدم بمذكرة للأمم المتحدة بشكل عاجل , تتحفظ فيها مصر علي إنشاء إثيوبيا سدا ضخما بهذا الحجم بقرار منفرد ودون التنسيق مع دولة المصب مصر التى هي الشريك الأكبر في النهر.
من جانبه قال الدكتور نصر الدين علام وزير الموارد المائية والري الأسبق : “هذا ما حذرنا منه بأن إثيوبيا تستنزف الوقت لصالحها دون الرغبة في التوصل إلي اتفاق مع مصر لأنها تنكر حقوق دول المصب وهو ما يستدعي حسم هذا الأمر علي المستوي الرئاسي بين البلدين”.
وأكد علام أن القانون الدولي في صف مصر وهو ما يجب استغلاله وإعلان فشل التفاوض مع إثيوبيا والتحرك علي المستوي الدولي ومخاطبة مجلس الأمن والمنظمات والجهات المانحة لوقف تمويل بناء سد يحجب المياه عن مصر ويهدد بغرق دول المصب.
كما حذر الخبراء من مخاطر كارثية تهدد المنطقة بالكامل وتمتد إلى شبه الجزيرة العربية وما بها من مقدسات إسلامية ، في حالة نجاح إثيوبيا فى إكمال تلك المهمة انتهاء ببناء السد .
وقال المراقبون إن أثيوبيا بالتعاون مع قوى دولية وإقليمية على رأسها إسرائيل تحاول وضع مصر ضمن منظومة مخاطر تفوق الوصف ، إلا أن تلك المخاطر لن تطال مصر وحدها بسبب دخولها مرحلة الشح المائى ، بل تمتد لتطال المقدسات الإسلامية فى المنطقة العربية وخاصة السعودية .
وقال المهندس ابراهيم الفيومى رئيس مجموعة تنمية أفريقيا ومشروع نهر الكونغو أنه تم رصد عدد من المخالفات الهندسية والبيئية فى أعمال بناء السدود الأثيوبية ، محذرا من أن سد الألفية يجرى تشييده وتخزين المياه به بطريقة خاطئة ستؤدى إلى إنهياره ، وهو ما قد يتسبب فى غرق السودان ومصر .
وأضاف أن هناك عدة تجارب نووية تجرى بالمنطقة هدفها اللخفى والحقيقى هو تحريك ” الفوالق الأرضية” بشبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقى بالاضافة إلى الفوالق الفرعية ، مما يؤدى إلى حدوث زلازل مدمرة قد تغير جغرافية المنطقة .
وأشار فى هذا الصدد إلى أن تلك المخاطر ظهرة جلية فى مجموعة الزلازل التى ضربت منطقتى جازان ونجران بالسعودية خلال الأيام الماضية ، موضحا أن ما جرى من هزات إرتدادية كبيرة بلغ عددها 27 هزة يوضح مدى الخطورة الكامنة فى تحرك الفوالق الأرضية بتلك المنطقة مثلما تحرك منذ عامين الفالق الأرضى الذى يمر بمكة المكرمة .
وأوضح أن المخطط الذى يجرى تنفيذه حاليا ببناء سد الألفية هدفه الأساسى إحداث خلل فى التوازن الجيولوجى بالمنطقة ، مؤكدا أن جميع من خطط لهذا المشروع يعلم جيدا حجم الكوارث الطبيعية التى سوف يتسبب فيها هذا السد .
ونوه فى هذا الصدد إلى رفض أثيوبيا أى تعاون مع الخبرة المصرية ، مع الإستمرار فى تنفيذ المخطط وهو ما يؤشر إلى الإصرار على تضرر المنطقة دون النظر إلى مصالح الدول المعنية وما يتهددها من مخاطر .
من جانبه أكد مصدر مسئول بملف النيل أن تجاهل أثيوبيا للأعراف الدولية يتسبب فى حدوث نزاعات ، ويهدد الأمن والسلم الدولى ، ويشعل النزاعات بين الدول المتشاطئة حول النهر ، مشيراً إلى أن ما قامت به مصر هو رسالة للعالم أننا نرغب فى التعاون والتوافق وأن التعنت الأثيوبى وراء فشل المفاوضات.
وأكد المصدر أن مصر لديها 4 سيناريوهات للتعامل مع أثيوبيا خلال المرحلة القادمة لتأكيد حقوق مصر المائية وأنه لا يمكن التفريط فى هذه الحقوق التى أقرتها الاتفاقيات الدولية ، ويحميها المجتمع الدولى ، وأنها سوف تبدأ فى تنفيذ عدد من الإجراءات التصعيدية تجاه الجانب الأثيوبى ، وذلك ردا على التعنت الأثيوبى تجاه مصر ، رغم إعلان القاهرة دعمها للتنمية فى أثيوبيا بما لا يضر الأمن المائى لمصر ، على أن تقوم جهات أخرى بالإجراءات اللازمة لتحقيق هذه الأهداف.