تتسم زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الحالية للمجر بأهمية خاصة باعتبار مصر أول دولة من منطقة الشرق الأوسط يتم دعوتها لحضور قمة تجمع الفيشجراد – الذي يضم المجر وبولندا والتشيك وسلوفاكيا – .
وتعد هذه الزيارة الرسمية الثانية للرئيس عبد الفتاح السيسي للمجر حيث كانت الأولى في عام ٢٠١٥ وأسفرت عن تعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات.
وتتميز العلاقات الثنائية بين مصر والمجر بالارتباط الوثيق على مدار التاريخ، وتعود إلى العصور القديمة حيث أن المنطقة الأثرية بانونيا بوسط حوض الكاربات في المجر، تم العصور فيها على عدد من الآثار الفرعونية القديمة مما يدل على وجود صلات بين المنطقتين.
ورغم أن العلاقات قد شهدت فتورا بين البلدين في العصور المظلمة في أوروبا، حيث تراجعت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في أوروبا تزامنا مع تنامي النفوذ العربي والإسلامي، إلا أن الصلات عادت بين البلدين حينما حكم العثمانيون المجر لمدة ١٨٠ عاما، خلال الفترة من ١٥٢٦ إلى ١٦٩٩، وفي ذلك الوقت حدث تشابه في المعكار وأسلوب إدارة الدولة في البلدين بشكل كبير.
ومن الخطوات التي عززت أواصر العلاقات بين البلدين أيضا، زواج الخديوي عباس حلمي الثاني من الكونتيسا المجرية النمساوية ماريان توروك فون سيندرو عام ١٩١٠، وتشييده لها قصر السلاملك بالمنتزه بعد اعتناقها الإسلام وأصبح اسمها الأميرة جاويدان هانم عبد الله.
وبدأت البعثات المجرية للحفريات نشاطها في مصر عام ١٩٠٧، ولها العديد من الاكتشافات الهامة بمنطقة شارون بمحافظة المنيا ومنطقة الفشن ومنطقة طيبة وللمجريين الفضل في اكتشاف مقبرة دجيحتمس بمنطقة الخوخة.
وتم إنشاء أول جمعية صداقة برلمانية مصرية مجرية بالبرلمان المجري في يوليو ٢٠١٠ وبدأ تسيير 7 رحلات لمصر للطيران اسبوعياً اعتباراً من أول يوليو ٢٠١٠، ووصل عدد السائحين المجريين إلى مصر لقرابة 60 ألف سائح سنوياً.
ويظل أكبر منتج مرتبط في أذهان الشعب المصري بالمجر هو القطار المجري السريع المعروف بال “المجري”، حيث أصبح يقترن هذا الاسم بكل ما هو سريع وفعال على شاكلة لاعب النادي الأهلي والمنتخب المصري مصطفى عبده الذي لقب بالمجري لشرعته في الملعب.
وفي المجال الزراعي، قدم خبراء الزراعة المجريين العون من أجل إقامة المتحف الزراعي المصري بالدقي وهم أول من أدخلوا في مصر أسلوب زراعة المشاتل والصوب.
وعلى الصعيد السياسي، كانت المجر من أولى الدول الداعمة لمصر في الحرب ضد الإرهاب، ونظرت بودابست إلى الحرب التي يخوضها الجيش والشرطة في مختلف أنحاء مصر على أنها دفاع أيضا عن أمن المجر لأن خطر الإرهاب يهدد الجميع.
وتؤمن المجر العضو في الاتحاد الأوروبي، أن استقرار مصر هو أفضل ضمان لاستقرار الشرق الأوسط، منطقة الجوار المباشر لأوروبا، وأعلنت دعمها الكامل لحصول مصر على مقعد في مجلس الأمن الدولي، كما أيدت القاهرة ترشح المجر لعضوية مجلس حقوق الإنسان بجنيف عامي ٢٠١٦ – ٢٠١٧.
وبدأت العلاقات الدبلوماسية رسمياً بين مصر والمجر بعد انفصالها عن إمبراطورية النمسا والمجر عام ١٩٢٨، وتعد مصر أول دولة عربية تفتح فيها المجر بعثة دبلوماسية عام ١٩٣٩، وتم إيفاد سفير مصري للمجر عام ١٩٤٨.
كما وثقت مصر علاقاتها مع المعسكر الشرقي وتبنت سياسات اشتراكية بعد ثورة ١٩٥٢، وأدى ذلك إلى تنامي العلاقات المصرية المجرية بشكل كبير، فضلاً عن زيادة حجم التبادل التجاري حيث استوردت مصر من المجر الميكنة الحديثة والميكنة الزراعية، وإبان الحقبة الشيوعية، توافد الطلاب المصريون على الجامعات المجرية لدراسة العلوم والرياضيات والهندسة والطب والزراعة، فقد تخرج من الجامعات المجرية نحو ٦٠٠ طالب منهم عدد من كبار الأساتذة الجامعيين المصريين الذين تقلدوا مناصب رفيعة في المجر وقامت الدولة المجرية بتكريمهم بأرفع الأوسمة مثل الدكتور السيد حسن بجامعة أوبودا والدكتور مصطفى أنور بجامعة بودابست الاقتصادية والدكتور سمير راضي الخبير الزراعي المشهور.
وفي ديسمبر عام ٢٠٠٦، قام الرئيس المجري لاسلو شويوم بزيارة ناجحة لمصر في ديسمبر ٢٠٠٦، ايذاناً ببدء مرحلة جديدة من إعادة إحياء العلاقات،فشهد عام ٢٠٠٧ وعام ٢٠٠٨ التوقيع على عدد من الاتفاقيات أهمها اتفاق التعاون الاقتصادي الذي أنشأت بمقتضاه اللجنة المصرية المجرية المشتركة والتي عقدت أولى دوراتها بالقاهرة في نوفمبر ٢٠٠٨.
وساعد هذا الزخم في إتمام زيارة الرئيس الأسبق حسني مبارك للمجر خلال الفترة من ١٣ إلى ١٥ أكتوبر ٢٠٠٩، والتي تعد أول زيارة لرئيس مصري للمجر وشهدت تأسيس مجلس الأعمال المصري المجري المشترك وأعقبها زيارة رئيس الوزراء المجري جوردون بايناي إلى مصر في الفترة من ٨ إلى ٩ فبراير ٢٠١٠.
وتحرص المجر على اتخاذ مواقف متوازنة وتؤيد رؤية مصر إزاء قضايا السلام في الشرق الأوسط وتعكس تصريحات مسئوليها التقدير البالغ لدور مصر في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة ودورها كقوة اعتدال رائدة في محيطها العربي والإسلامي والأفريقي والمتوسطي، فضلا عن دورها النشط على الساحة الدولية.
كما تحرص مصر والمجر على استمرار التشاور مما دفعهما إلى إنشاء آلية دورية للمشاورات السياسية والاستراتيجية بين وزارتي الخارجية في البلدين، كما تؤيد المجر المرشحين المصريين في المحافل الدولية بشكل عام.
وفي ٦ يونيو ٢٠١٥، قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بزيارة المجر بدعوة رسمية من رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان حيث تبادل الجانبان الرؤى بشأن العلاقات المصرية المجرية والموضوعات ذات الاهتمام المشترك.
وعلى الصعيد العسكري، التقى الفريق أول صدقي صبحي وزير الدفاع في فبراير ٢٠١٧ بنظيره المجري ايشتيفان شميتسكو خلال زيارته الرسمية لدولة المجر، حيث عقد الوزيران جلسة مباحثات ثنائية رفيعة المستوى على صعيد التعاون العسكري والأمني تركزت على مجالات التصنيع الحربي ونقل وتبادل الخبرات بين القوات المسلحة لكلا البلدين في العديد من المجالات.
وتتسم سياسة بودابست الخارجية بالتوازن داخل الاتحاد الأوروبي وبخاصة حيال الأزمة الأوكرانية، مؤكدة أنه لا يمكن تحقيق الأمن في المنطقة بعزل روسيا.
وأدت استقبالية صانع القرار المجري في الكثير من القضايا إلى توتر العلاقات مع الولايات المتحدة التي حذرت المجر من تقاربها مع روسيا وبلغ الأمر تهديدها بتعليق الإعفاء من تأشيرة دخول الأراضي الأمريكية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تسعى مصر لتحقيق أعلى استفادة مما تتمتع به المجر من إمكانات اقتصادية وتجارية واستثمارية ملموسة، فهي دولة أوروبية يزيد إجمالي ناتجها المحلي على ٢٠٦ مليارات دولار ويبلغ متوسط نصيب الفرد فيها من الناتج المحلي حوالي ٢٠ ألف دولار سنويا.
وتتمثل الصادرات المصرية للمجر في القطن والخضروات والفاكهة والأسمدة والأسمنت والسجاد، وأهم الواردت المصرية من المجر الأجهزة الكهربائية والزجاج والألومنيوم والكيماويات العضوية والمطاط والوقود.
وأصبحت مصر الشريك التجاري الأول للمجر في العالم العربي عام ٢٠١٤، وفي ٥ يونيو ٢٠١٦ تم توقيع مذكرة تفاهم لتوريد ٧٠٠ عربة قطار من المجر إلى مصر، كما سجل حجم الصادرات المصرية للسوق المجري ارتفاعا بنسبة ١٩٨٪ خلال الربع الأول من العام الحالي، بينما انخفضت الواردات المصرية من المجر خلال الفترة نفسها بنسبة ٣٧٪ ، لتتراجع قيمتها من ٧٧ر٤٥ مليون يورو إلى ٦ر٢٨ مليون يورو.
وبلغت الاستثمارات المجرية في مصر خلال الربع الأول من العام الجاري نحو ٤٥ر٤١ مليون دولار بإجمالى ٥٨ شركة.
وعلى الصعيد الثقافي، تم توقيع برنامج العمل للتعاون الثقافي والتعليمي والفني بين وزارة التعليم العالي في مصر ووزارة القوى البشرية بحكومة المجر خلال الفترة ٢٠١٥ – ٢٠١٧، وتستقبل المجر ١٠٠ طالب مصري في جامعاتها سنوياً في منح كاملة تتحملها حكومة بودابست للحصول على درجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في مجالات التكنولوجيا والهندسة والاقتصاد والعلوم الطبية وغيرها من التخصصات.
كما تشهد العلاقات المصرية المجرية تعاوناً بين أجهزة القضاء والأمن العام والجمارك والرقابة المالية، وتوحيد الجهود في الحرب ضد الإرهاب والجريمة المنظمة وتهريب السلاح والمخدرات والحد من الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر والجرائم الاقتصادية، وهناك تعاون متميز بين البلدين في قطاعات الزراعة ومعالجة المياه والسكك الحديدية وإنتاج الآلات والبحث العلمي والتكنولوجي والسياحة والسياحة العلاجية بالإضافة إلى التعاون الأورومتوسطي ودعم جهود الاتحاد من أجل المتوسط لتحقيق النمو والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وتعد فرص التعاون بين البلدين واعدة خاصة في المجال الاقتصادي مما يفتح فرصاً أمام الصادرات المصرية للنفاذ إلى أسواق المجر وكذلك الاستفادة من الموقع الجغرافي المتوسط للمجر لوصول هذه الصادرات المصرية لأسواق وسط وشرق أوروبا نظراً لمجاورة المجر للعديد من دول هذه المنطقة وسهولة وقلة تكاليف حركة النقل منها لهذه الدول، فضلا عن عضوية المجر للاتحاد الأوروبي.
المصدر : أ ش أ