“تجديد الخطاب الديني قضية حياة أو موت”.. هي دعوة مصرية أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي أمس الأربعاء من بلد الأزهر الشريف حيث وسطية الإسلام ،وهي تستند إلى مبدأ أن الخطاب الديني الصحيح يعد أحد أهم عوامل القضاء على الإرهاب وتحقيق استقرار المجتمعات والإسهام في أمنها وآمانها وعاملا حيويا في نشر الفكر المتسامح وتحقيق التعايش السلمي المشترك بين البشر لأن به تمحو تهمة الإرهاب عن الإسلام وتؤد ظاهرة الإسلاموفوبيا.
وتأتي دعوة الرئيس السيسي في إطار حرصه على تحفيز المؤسسة الدينية ، التي لا تدخر وسعا ، على بذل مزيد من الجهد والتحلي بشجاعة التجديد والخروج بالدعوة من إطارها التقليدي مع الحفاظ على الثوابت باعتبارها خطوطا حمراء.. وبالخطاب الديني الصحيح تتحقق العدالة والمساواة والحرية المسؤولة والأمن النفسي وتنضبط علاقات البر بين الناس وبه أيضا تترسخ القيم الأخلاقية والإنسانية من رحمة وتسامح وتكافل وبه تحفظ الدماء والامول والحرمات وتسير عجلة الانتاج وعمارة الكون في طريقها الصحيح.
وتجديد الخطاب الديني ليس أمرا مستحدثا، فقد قال الرسول الكريم “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”.. فالإسلام دين اليسر والرحمة والسلام ولا يقبل تصديق فتاوى جامدة ومتعصبة صادرة من شخص له ميوله الخاصة وأفكاره واتجاهاته ويعمل على تعميمها وإلصاقها بالدين الإسلامي ، فحاجة الأمة الإسلامية إلى المجددين تكون أشد وأعظم في زمن الفتن لا سيما تلك الحروب المعلنة على الإسلام وإلصاق التهم به وأبرزها وأخطرها الإرهاب.
وتعتبر قضية التجديد ضرورية وحيوية للمجتمعات لأنها تتغير باستمرار وتشهد تطورا دائما على مدار الساعة والدعوة المصرية تفرق جيدا بين الخطاب الديني والشرائع السماوية وتعي ما هو ثابت ومتغير في الاسلام ، فالخطاب الديني يعتمد على هذه الشرائع في كثير من الحالات لكنه يبقى في حدود العمل العقلي البشري أو العمل الاجتهادي الذي يرتبط بإمكانيات الإنسان وقدرته وطاقته.
وقضية تجديد الخطاب الديني من القضايا المحورية لأن عقارب الساعة لا تتوقف ، والمجتمعات ينالها التغيير والتطور خاصة في ظل التطور التكنولوجى المعاصر ، ولهذا فإن دعوة السيسي تحث علماء الدين على تطوير العلاقة بين النص الشرعي والواقع والمساهمة في إيجاد وتشكيل العقل المنضبط الذي يعالج هذا التغير في إطار الأصول..فالقضايا المعاصرة لا يمكن معالجتها بنفس معطيات القضايا القديمة وإلا تجمدت الشريعة.
ويحتاج تجديد الخطاب الديني إلى شجاعة للإقدام عليه في القضايا الفقهية ، والنظر إلى المستجدات العصرية وبعض القضايا القابلة للاجتهاد كما يحتاج إلى رؤية ودراية وفهم عميق وجرأة محسوبة وحسن تقدير للأمور في آن واحد ، وأحد أهم مقوماته يتمثل في إذكاء ثقافة التفكير والخروج من دائرة القوالب الجاهزة والأنماط الجامدة وإعمال العقل وتحريك الجمود والعمل على بث روح التجديد المدروس في إطار الحفاظ على الثوابت.
وما يطرحه السيسي في دعوته ، تعبير عن محاولات جادة يقودها الفكر الوسطي بلا إفراط أو تفريط مستهدفة الانفتاح على الأفق الثقافي للفرد والمجتمع وإزالة الانغلاق وانسداد الأفق ليصبح الشخص قادر على التواصل الاجتماعي وأن يقود تلك المحاولات الجامع الأزهر الشريف ويعمل على تنفيذها على أرض الواقع لمواجهة الإرهاب الفكري ورفع الدعم والغطاء الأدبي والمعنوي عنه ونشر سماحة الإسلام داخل مصر وخارجها مع الحفاظ على الثوابت الشرعية من جهة ومراعاة طبيعة الزمان والمكان والأحوال من جهة أخرى ، وعدم فرض أمور كانت مناسبة لزمانها ومكانها وعصرها وبيئتها فيما يقبل الاجتهاد والرأي والرأي الآخر في سائر الأزمنة والأمكنة والأحوال وهو ما يعد عكس الفطرة الإنسانية والفهم الصحيح للاسلام.
والخطاب الديني ، يقوم على ركنين أساسيين أولهما مخاطبة الاشخاص بحسب طاقاتهم فالخطاب الديني للغنى يختلف عن الخطاب الديني للفقير والخطاب الديني للشباب يختلف عن الخطاب الديني للأطفال وثانيهما مخاطبتهم مع مراعاة ظروفهم وأحوالهم وأن يكون المتعرض للخطاب الديني واضح الجملة سهل العبارة واضح المقصد ، متحدثا بالعامية وبغير اللغة العربية.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)