بدأت الليلة الماضية أولى ليالي الوتر في العشر الأواخر من شهر رمضان الحالي، فقد انفرطت أيام الشهر ووصلت إلى العشر الأواخر وفي وترها تقع ليلة القدر التي تعد من الليالي المؤثرة التي يبقى لها بالذاكرة ترقب وحضور، وينتظرها المسلمون كافة ويترقبونها في كل عام، ومن يسر الله له أن يدعو بدعوة في وقت يوافقها، كان ذلك علامة الإجابة، فكم من أناس سعدوا من استجابة دعائهم في هذه الليلة.
ليلة القدر ليلة مباركة إذ أنها أعظم ليالي شهر رمضان ، ليلة اختصها الله تعالى من بين الليالي ، لتكون ليلة العبادة فيها خير من ألف شهر ، أى خير من عبادة ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر.
ويدأب المسلمون على تحرى ليلة القدر في أوتار العشر الأواخر من شهر رمضان ، عسى أن يكونوا من السعداء الذين تصادفهم ويصادفوها ، وأرجى ما تكون في ليلة السابع والعشرين، فيجتهدوا في العبادة والذكر، والتنبؤ بوقوعها مستدلين في ذلك على بعض أبرز علاماتها، ومنها العلامات المقارنة وتتمثل في قوة الإضاءة والنور في تلك الليلة ، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر من المؤمن، وسكون الرياح، فيما تكون العلامات اللاحقة التي لا تظهر إلا بعد أن تمضى، في شروق الشمس صبيحتها لا شعاع لها، أو تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة، وتكون ليلتها معتدلة لا باردة ولا حارة، فهي ليلة منيرة مضيئة لا حارة ولا باردة، لا يرمى فيها بنجم أي لا ترى فيها هذه الشهب التي ترسل على الشياطين.
وهى ليلة ليست خاصة لهذه الأمة ، بل هي عامة لها ولسابقاتها من الأمم، وقدرها وشرفها يرجع إلى نزول القرآن الكريم فيها، وأول ما نزل منه كان الآيات الخمس من سورة العلق، وإيمان المسلمون بعظم أمر ليلة القدر إيمان يقيني، فهي ليلة ذات شأن عظيم ، والعمل الصالح فيها يكون ذا قدر عند الله ، وفيها يفرق كل أمر، وتقدر مقادير الخلائق على مدى العام، فيكتب فيها الأحياء والأموات، والناجون والهالكون، والسعداء والأشقياء، والحاج والداج، والعزيز والذليل، ويكتب فيها الجدب والقحط، وكل ما أراد الله تبارك وتعالى في تلك السنة أن يطرأ على العباد من الأحوال المختلفة من هذه الليلة إلى مثلها من العام القادم.
وقد عظم الله ثواب العبادة في تلك الليلة ، وفيها ينزل جبريل في جماعة من الملائكة من غروب الشمس إلى طلوع الفجر يصلون ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله ، وقيامها يكون بالصلاة وتلاوة القرآن فيها ، وإطالة الصلاة بالقراءة أفضل من تكثير السجود مع تقليل القراءة، ومن اجتهد في القيام والطاعة وصادف تلك الليلة نال من عظيم بركاتها.
وجاء في تسمية ” ليلة القدر ” خمسة أقوال ، الأول أرجعها لعظيم قدرها وجلالة مكانتها عند الله عز وجل وكثرة مغفرة الذنوب، وستر العيوب في هذه الليلة المباركة، والثاني أشار إلى أنه بسبب أنها ليلة تضيق فيها الأرض على الملائكة الذين ينزلون من السماء، والثالث يعزوه لأن الأشياء تقدر فيها، والرابع لأن من لم يكن له قدر صار بمراعاتها ذا قدر، أما القول الخامس فلأنها نزل فيها كتاب ذو قدر، وتنزل فيها رحمة ذات قدر، وملائكة ذوو قدر.
وفضل ليلة القدر يرجع إلى أنها خير من ألف شهر عملا وصياما وقياما وفيها نزول الملائكة والروح والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن ، ويحيطون بحلق ِالذكر ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيما، فهي سلام إلى مطلع الفجر لا يحدث فيها داء يملوها البركة والخير، ومن قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
وليس من الضروري لمن أدرك ليلة القدر أن يعلم أنها ليلة القدر، بل قد يكون ممن لم يكن له منها إلا القيام والعبادة والخشوع والبكاء والدعاء وهؤلاء هم أفضل عند الله تعالى، وأعظم درجة ومنزلة ممن عرفوا تلك الليلة، فالعبرة بالاستقامة، والجدية، والإخلاص في التعبد لله عز وجل.
المصدر: وكالة أبناء الشرق الأوسط (أ ش أ)