يهدد الوضع على الحدود بين العراق والأردن وسوريا بقيام مواجهة مباشرة بين القوات الأمريكية والسورية، وربما الجهات الفاعلة الأخرى أيضاً، حيث أصبح عدة شركاء في الحرب يتنافسون عليها بالنيابة عن رعاتهم الإقليميين.
ووفقاً لصحيفة “العرب” اللندنية، اليوم السبت، “تحولت الحدود الجنوبية لسوريا من التنف إلى سنجار في العراق إلى بؤرة توتر، وزادت أطماع إيران بمحاولتها مؤخراً فتح الطريق من الحدود العراقية عند معبر التنف ليصل بدمشق ومنها إلى بيروت”.
وقالت الصحيفة: “بعد أن كانت المنطقة الصحراوية الوسطى والجنوبية في سوريا (البادية) نائية لا تحظى باهتمام الأطراف المحلية المتصارعة على مدى السنوات الست، أصبحت الآن ميدان أهم معركة ترسم خارطة النفوذ الإقليمي والدولي لمستقبل سوريا”.
وأضافت “بدأ الصرع على البادية بعد أن استقرت الاشتباكات في منطقة غرب سوريا التي شهدت معارك دامية بين الأطراف السورية مدعومة بميليشيات مساندة لها. ولم تحتل استعادة البادية سلّم أولويات النظام قبل الأشهر القليلة الماضية. وحتى عام 2015، كانت مهمة الجيش النظامي تتركز بشكل أساسي على حماية المدن الكبرى ومحور دمشق- حمص- حلب الذي شكل قوام نظام الاتصالات. لكن التدخل الروسي في سبتمبر من ذلك العام أنقذ مركز النظام وعززه، مما أدّى إلى توجيه قوات الأسد اهتمامها بشكل متزايد إلى المناطق المحيطة بالمدن التي يسيطر عليها”.
وكانت استعادة السيطرة والتمسك بتدمر الخطوة الأولى في استراتيجية لإعادة دخول البادية، لأن المدينة هي القاعدة الرئيسية لأي عمليات يقوم بها النظام في وسط سوريا.
ونقلت الصحيفة، عن الأستاذ المشارك ومدير الأبحاث في جامعة ليون 2 فابريس بالونش، في دراسة نشرها في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أن “القوات الخاصة الأمريكية وفصائل الجيش الحر المدعومون من الولايات المتحدة تمركزوا في قاعدة التنف منذ مارس 2016”.
ويضيف بالونش أن “بشار الأسد وحلفاءه يرون أن واشنطن تريد زيادة تواجدها بشكل دائم في شرق سوريا، بهدف دعم حلفائها المحليين وتقويتهم والضغط على دمشق، ومنع النظام من العودة إلى وادي الفرات”.
ومن جهته، يعتقد العميد الركن إبراهيم الجباوي، أن “إدارة ترامب تعمل على تقويض الأطماع الإيرانية في المنطقة والمتجسدة بمشروع الهلال الشيعي وحتى البدر الشيعي (كما صرح بذلك أحد قادة الميليشيات الشيعية).
وزادت أطماع إيران بمحاولتها مؤخراً فتح الطريق من الحدود العراقية عند معبر التنف ليصل بدمشق ومنها إلى بيروت”.
ويقول الجباوي، كما نقلت عنه الصحيفة، إن “التحالف الدولي بقيادة واشنطن لا يقبل بهذا المطمع ويعمل على تقويضه”.
ويرى الباحث السوري محمود عادل بادنجكي، أن “روسيا من غير الممكن أن تساعد إيران لإنشاء محور شيعي مروراً بالبادية السورية لأسباب تخصّها”.
ويقول بادنجكي: “لا توجد موافقة دولية على إطلاق يد إيران وبخاصّة بعد مؤتمر الرياض. لكنّ إيران حليف روسيا وقتيا حتّى تنتهي المصلحة، وهي في الميزان دائما. توضع على الطاولة وقت اللزوم”.
العودة إلى البادية
منذ الثورة السورية، عمد النظام إلى التقليل تدريجياً من سيطرة الجيش السوري على البادية، بحيث أصبحت لا تتخطى عدداً قليلاً من طرق الاتصال الرئيسية وموارد الطاقة.
ويُعتبر حقل غاز الشاعر، ذا قيمة خاصة على صعيد توليد الكهرباء، ولذلك وضعه النظام في عهدة ميليشيا صقور الصحراء التي أسسها رجل الأعمال العلوي المقرب من الأسد أيمن جابر.
وتضم هذه المجموعة 7000 رجل، معظمهم من العلويين الذين تم تجنيدهم من الساحل.
وخلال السنوات الماضية لم تستطع قوات النظام البقاء في البادية نظرا لتركيزها على معارك في غرب سوريا، وحتى عندما تخوض معارك استثنائية في البادية فإنها غالبا ما تخسرها في نهاية المطاف.
ويعتقد بالونش أن “النظام كان يركز في تلك الفترة على بناء خط دفاعي من جهة الشمال والجنوب يمتد من حلب إلى السويداء يبلغ طوله 800 كلم لمنع هجمات تنظيم داعش ضد حمص أو حماة أو دمشق”.
وتقدمت فصائل مقربة من الجيش الحر في منطقة القلمون الشرقي نحو البادية وطردت داعش من تلك المناطق استباقاً لأي محاولة من النظام لدخول البادية من هناك.
ويقول بالونش إن “فصائل الجيش الحر في التنف تسعى إلى الحصول على موطئ قدم في وادي الفرات إلى الشرق، لأن معظمهم ينحدرون من تلك المنطقة”.
ويشكل تقدم قوات الجيش الحر من التنف بنحو عشرات الكيلومترات تهديداً لقوات الأسد، حيث استغرق النظام عدة سنوات لتطويقها.
رسائل أمريكية
بعد أن أدّت الضربة الجوية الأمريكية في 18 مايو إلى إبعاد القوات الموالية للنظام من التنف، أعاد الجيش السوري تركيزه على مهاجمة المعارضة من ثلاث قواعد مختلفة: دمشق وتدمر وجبل الدروز.
وفي الحالة الأخيرة، تتقدّم وحدات الجيش بسرعة على طول الحدود الأردنية لتطويق أحد جيوب المعارضة، في محاولة لعزلهم على مقربة من جبل سيس. وطوال هذا الهجوم، استعاد النظام بشكل منهجي شبكة القلاع الواقعة على الطريق الحدودي الاستراتيجي. ويرى المتحدث باسم تيار الغد السوري منذر آقبيق، أن “هناك دلائل وعلى عدة مستويات بخصوص الضربة الأمريكية الثانية. ويقول آقبيق، عن أثر الضربة: “هي رسالة إلى النظام بأنه غير مسموح له العودة إلى المناطق التي سوف تحرر من داعش، بل توجد خطة أمريكية لتنظيم “حكم” يتألف من مجالس محليه قي تلك المناطق”.
ويضيف أن “هناك رسالة ثانية هي لإيران بأن الخط اللوجستي الجيوستراتيجي الذي تطمح له من طهران إلى بيروت مرورا ببغداد ودمشق هو أضغاث أحلام، ولن يسمح لإيران ببناء إمبراطوريتها في الشرق الأوسط”. أما الرسالة الثالثة “فهي لحلفاء واشنطن من الكتائب السورية المعارضة التي تقاتل داعش، بأنها سوف تحمي ظهرهم في وجه نظام الأسد وحلفائه، بينما هم يتقدمون ضد داعش”. والرسالة الأخيرة “هي لمن يهمه الأمر ومنهم روسيا بأن المناطق التي سوف تحرر من داعش في شرق سوريا هي مناطق نفوذ أمريكي غربي وعلى روسيا أن تكتفي بغرب سوريا كمنطقة نفوذ لها”.
المصدر : وكالات