مازال الحديث مستمرا في الصحافة العالمية عن تداعيات فوز إيمانويل ماكرون برئاسة فرنسا، وما يمكن أن يحدثه ذلك من تغييرات داخل القارة الأوروبية.
ونشرت صحيفة التايمز مقالا تتحدث فيه عن دور فرنسا، بقيادة إيمانويل ماكرون، في ضمان أمن أوروبا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد.
ويقول إدوارد لوكاس، كاتب المقال، إن الرئيس الجديد مطالب بإعداد خطة لمجابهة استفزاز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وأضاف أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيبقيه بقوة عسكرية كبيرة واحدة هي فرنسا، التي تملك قواتها المسلحة قدرات متطورة برا وبحرا وجوا وفي المجال الإلكتروني، وبإمكانها التدخل في أي منطقة من العالم، مشيرا إلى أن نفوذ فرنسا أكبر في المحيط الأطلسي وشمال أفريقيا أكبر مثلا من نفوذ بريطانيا.
ويشير المقال إلى أن فرنسا تعرضت لانتقاد الأمريكيين بسبب عدم مشاركتها في حرب العراق عام 2003، لكن قواتها المسلحة تدخلت في أزمات عبر العالم، في الأعوام الأخيرة، أكثر من أي دولة أوروبية أخرى.
وعكس بريطانيا، تؤدي القوات المسلحة الفرنسية دورا مهما في مكافحة الإرهاب داخليا، إذ ينتشر أكثر من 10 آلاف جندي في المدن الكبرى، لمنع أي هجمات، وتعززت القوات المسلحة المنتشرة لحماية المدن أكثر بعد إعلان حالة الطوارئ في البلاد، عقب هجمات باريس عام 2015.
وعلى الخط ذاته، سارت صحيفة الجارديان البريطانية، بما اعتبرته تغييرا سياسيا يحدث في أوروبا، حيث قالت إن فرنسا تشكل في هذا التغيير رمزا تاريخيا للرغبة في ظهور وجوه جديدة ومنابر جديدة في الساحة السياسية، لأن المنظومة القديمة الموروثة عن فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت بالية لا تفي بالغرض الآن.
وتضيف أن انتخاب إيمانويل ماكرون الأسبوع الماضي سمح بظهور تيار سياسي جديد في الساحة السياسية الفرنسية، وهناك توقعات بحصول تحولات مماثلة في بلدان أوروبية أخرى، وهو أمر طبيعي ناتج عن تفتت القناعات التقليدية في اليمين واليسار.
فالناخبون، حسب الصحيفة، يبحثون عن شيء جديد لا علاقة له بالقديم، ولا يدخل في القوالب المعتادة، وليس متطرفا، ويمكنه أن يستجيب لمطالبهم.
وعلى الرغم من أن ماكرون ليس من خارج المنظومة السياسية التقليدية تماما، مثلما يريد تصوير نفسه، فإن حركته “إلى الأمام” تنسجم تماما مع هذا التوجه الجديد، أي أنه ليس يمينيا ولا يساريا، يسعى إلى الربط بين القيم الليبرالية في الاقتصاد والقيم الاجتماعية.
وكانت صحيفة الفايننشال تايمز هي الأخرى قد اهتمت بمجيء ماكرون من خارج المنظومة السياسية التقليدية، بأن نشرت مقالا تقارن فيه بين ظروف انتخاب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والرئيس الفرنسي المنتخب، إيمانول ماكرون.
يقول فيليب ستيفنس، إن وجه الشبه بين ترامب وماكرون يكمن في أن كلا منهما جاء من خارج المنظومة السياسية التقليدية في بلاده، وقلبها رأسا على عقب، وكما واجه ترامب تحديات الواقع، سيواجه ماكرون واقع الانقسام الذي حصل في المجتمع الفرنسي.
لكن الكاتب يفصل بين الرئيسين عندما يشير إلى أن ترامب وصل إلى البيت الأبيض مثقلا بالتهم والانتقادات “التي تعكسها حالة الفوضى في إدارته”، بينما يقول إن ماركون له استراتيجية واضحة المعالم لا ينكرها حتى خصومه.
ويضيف ستيفنس، أن ترامب ركب موجة الأزمة المالية، وركود دخل الأمريكيين، فضلا عن تحديات التطور التكنولوجي والعولمة، وعدم اكتراث النخبة بشرائح واسعة من المجتمع تعيش على الهامش، فخرب ثقة الناس في المؤسسات الديمقراطية والليبرالية، وهو لا يملك حلولا للتحديات المطروحة.
أما ماكرون، فهو الذي يمنح فسحة للتفاؤل، ويذكرنا، حسب الكاتب، بأن الناخبين مستعدون دائما للإنصات إلى أي قضية عقلانية، ولم يكن فوزه متوقعا، ولكن فشله لم يكن متوقعا أيضا، وانتخابه دليل على أن الديمقراطية الليبرالية لا تزال على قيد الحياة.
في جانب آخر، اختارت الصحف الفرنسية التركيز على التغييرات الحكومية التي ستصاحب مجيء الرئيس الجديد، فعلي غلاف صحيفة “لوبرزيان” جاء السؤال كالتالي: “من هم مرشحو ماكرون؟”.
وذكرت الصحيفة، أن اللائحة تضم 428 مرشحا، أكثر من نصفهم من دون أي خبرة سياسية، والنواب السابقون من بينهم لا يتعدون 5%.
بينما رأى البعض أنهم “تشكيلة من الرياضيين والعلماء والقضاة”، كما قالت “لوفيجارو”، التي قدمت لمحة عن بعض مرشحي حركة “الجمهورية إلى الأمام” مثل عالم الرياضيات الحائز على ميدالية فيلدز “سيدريك فيلاني” والقاضي المختص بقضايا الفساد “أريك الفين” وكذلك “جان-ميشال فوفيرج” قائد الشرطة السابق الذي رأس فريق النخبة Raid إبان الاعتداءات على باريس.
أما صحيفة “ليبراسيون”، فقد طرحت سؤالا أكثر عمقا بقولها: هل تكفي الوجوه الجديدة لتجديد الأداء السياسي؟ وخصصت الغلاف وملفا كاملا عن كيفية اختيارهم وإعدادهم خلال أشهر قليلة بفعل “الساحر” إيمانويل ماكرون. كما قالت، في ثاني مهمة مستحيلة له بعد فوزه برئاسة الجمهورية. ولكن كيف لهؤلاء المبتدئين أن يصمدوا أمام منافسيهم من محترفي السياسة من نواب اليمين واليسار؟
“ليبراسيون” أشارت الى إلحاقهم بدورات تدريبية مكثفة، وتساءلت في افتتاحيتها عما إذا ما كان الأداء السياسي سيتجدد بمجرد التحاق الوجوه الجديدة به.
“تجربة ما بات يسمى بالمجتمع المدني لم تأت دائما بثمارها خلال العقدين الأخيرين”، هكذا اعتبر كاتب المقال “لوران جوفران”، الذي نبه أيضا إلى مخاطر رضوخ نواب حركة “الجمهورية إلى الأمام” الكامل لشخص يدينون له بكل شيء هو إيمانويل ماكرون.
المصدر: وكالات