يضرب الأسرى الفلسطينيون عن الطعام؛ لمواجهة الممارسات الصهيونية القمعية والاعتقالات التعسفية وجرائم الاحتلال في كافة بقاع الأراضي المحتلة، ليعطوا الاحتلال الصهيوني درسًا جديدًا في الصمود والمقاومة باستخدام سلاح الجوع الذي لا يقوى الاحتلال على مواجهته.
تحت عنوان “الحرية والكرامة” تستمر حالة الإضراب العام التي انطلقت من السجون الإسرائيلية بالتزامن مع ذكرى يوم الأسير الفلسطيني في 17 إبريل ، حيث دخل قرابة 1500 أسير من أصل 6500 في إضراب مفتوح عن الطعام في مختلف السجون الإسرائيلية، ليكون هذا الإضراب هو الأضخم منذ إضراب عام 2012، وتتمثل أبرز مطالب الأسرى في استعادة الزيارات المقطوعة وانتظامها، وإنهاء سياسة الإهمال الطبي، وإنهاء سياسة العزل، وإنهاء سياسة الاعتقال الإداري،
“إضراب الكرامة” جاء بعد دعوة الأسير مروان البرغوثي، التي أكد فيها على مشاركة جميع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال من مختلف التوجهات والفصائل، مشيرًا إلى أن الإضراب عن الطعام هو الطريقة الوحيدة للمطالبة بحقوق المعتقلين في السجون الإسرائيلية.
في الوقت نفسه كتب البرغوثي مقالًا أثارت ضجة في المجتمع الصهيوني، ولاقت تأييدًا شعبيًّا فلسطينيًّا كبيرًا، حيث قال في المقال “إن المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية باتوا ضحية للاعتقال التعسفي ولممارسات سيئة من قبل السجان”، مؤكدًا أن التعذيب اللاإنساني وعدم تقديم العلاج الطبي اللازم للمعتقلين وحرمانهم من حقوقهم التي كفلها القانون الدولي، دفعتهم لهذا الإضراب، وأضاف البرغوثي في مقالته: ليس أمامنا خيار سوى الدخول في هذه المعركة التي سيثبت فيها المعتقلون قدرتهم على تأمين حقوق الإنسانية، هذه فرصة لإنهاء كل المظاهر السلبية التي عانت منها الحركة الأسيرة خلال السنوات الماضية، وسيكون هذا الإضراب محاولة لإرساء حقبة جديدة من الوحدة والقوة.
وتابع البرغوثي: الجوع هو الشكل الأكثر سلمية في المقاومة المتاحة للمعتقلين، فهو يلحق الألم فقط على أولئك الذين يشاركون وعلى أحبائهم، على أمل أن بطونهم الفارغة وتضحياتهم سوف تساعد في إيصال رسالة يكون لها صدى خارج السجون، وأكد أنه طوال السنوات الطويلة الماضية كانت دولة الاحتلال الإسرائيلي تعمل على كسر روح السجناء والأمة التي ينتمون إليها، من خلال إلحاق المعاناة بأجسادهم، وفصلهم عن أسرهم ومجتمعاتهم.
تسريب المقالة التي دعا خلالها البرغوثي إلى الإضراب، أثار مخاوف الاحتلال من الفشل الاستخباري الذي يمنى به الكيان الصهيوني يومًا بعد يوم، حيث ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان، دعا للتحقيق في نشر مقالة البرغوثي التي تم تسريبها إلى صحيفة “نيويورك تايمز”، مشيرة إلى أن مصلحة السجون تفحص فرضية الفشل الاستخباري، خاصة وأن الجهات الأمنية وسلطة السجون كانت تعرف منذ أكثر من شهر عن وقوف البرغوثي وراء إعلان الإضراب عن الطعام في يوم الأسير الفلسطيني، وعلى الرغم من ذلك لم يتم اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع النشر، وأكدت صحيفة “إسرائيل اليوم” أن وزير الأمن الداخلي دعا إلى التحقيق في موضوع النشر المفاجئ للمقالة.
معركة الأمعاء الخاوية طالما وقف أمامها الاحتلال عاجزًا عن التصرف، وأثارت غضب القيادات الصهيونية كثيرًا؛ كونها نموذجًا للصمود السلمي والتعبير عن الرفض لممارسات كيان العدو، كما أنها تثير القلق، وتزعزع استقرار الشارع الفلسطيني، وتعزز من المواجهات بين الشباب المقاوم والمتضامن مع الأسرى من جانب وقوات الاحتلال من جانب آخر، فلم يجد الاحتلال أمامه سوى لهجة التهديد، وهو ما ظهر خلال الأيام الماضية في تصريحات كبار المسؤولين الصهاينة، حيث دعا وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، إلى تبني طريقة رئيسة الحكومة البريطانية سابقًا، مارجريت تاتشر، التي تركت الأسرى الإيرلنديين يموتون جوعًا، وانتهجت معامله قاسية إزاء إضرابهم عن الطعام في بداية الثمانينيات، حيث قال “ليبرمان”: أقترح تبني إسرائيل طريقة تاتشر في كل ما يتعلق بالمخربين المضربين عن الطعام في السجن الإسرائيلي.
من جانبه قال وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان، إن الدعوة إلى الإضراب عن الطعام مخالفة لنظام السجون، وأكد أن هؤلاء إرهابيون وقتلة، ونالوا ما يستحقونه، وليس لدينا أي سبب للتفاوض معهم، فيما قال وزير الاستخبارات والنقل الإسرائيلي، يسرائيل كاتس: مروان البرغوثي يخوض إضرابًا عن الطعام؛ لتحسين ظروف اعتقاله، في حين يُذكر الضحايا الذين تسبب بمقتلهم في ألم أبنائهم، الحل الوحيد هو تنفيذ عقوبة الإعدام للإرهابيين، وأضاف الوزير الصهيوني: “من الضروري إعادة تفعيل مشروع قانون إعدام المساجين”، وفي ذات الإطار قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو: إسرائيل تقف في الجانب المحق والأخلاقي، بينما الأسرى هم قتلة وإرهابيون، واصفًا البرغوثي بـ”الإرهابي الكبير”.
بعيدًا عن التهديدات ودعوات القتل، لم يألُ الاحتلال جهدًا في اتخاذ بعض الإجراءات التعسفية لمواجهة خطوة الأسرى، وجاءت على رأس هذه الإجراءات عمليات النقل والعزل، حيث تم نقل الأسيرين “مروان البرغوثي” و”كريم يونس” من سجن “هداريم” إلى عزل “الجلمة”، ونقل الأسرى “محمود أبو سرور” و”أنس جرادات” و”ناصر عويس” و”محمد زواهرة” من سجن “نفحة” إلى عزل “أيلا”، بالإضافة إلى نقل 31 أسيرًا آخرين من سجن “ريمون” إلى سجن “نفحه”.
لم يكتفِ الاحتلال بعزل ونقل وتشتيت الأسرى، بل قام بمصادرة ممتلكاتهم داخل السجون وملابسهم، وتحولت غرف الأسرى إلى زنازين عزل، وقطع الاحتلال كافة سبل الاتصال، ومنعت الزيارات عنهم، ونفذت جملة اعتداءات بحقهم، وهو ما أكده رئيس نادي الأسير، قدورة فارس، حيث قال إن السلطات الإسرائيلية أبلغت الصليب الأحمر بإلغاء الزيارات المقررة للأسرى المضربين في السجون كإجراء عقابي بحقهم.
“مروان البرغوثي” النائب في البرلمان عن حركة فتح، وعضو اللجنة المركزية للحركة، التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، يحظى بشعبية واسعة لدى الفلسطينيين، فعلى الرغم من أنه يقبع داخل السجون الإسرائيلية منذ عام 2002، ومحكوم بالسجن خمس مؤبدات، إلا أن السجون الإسرائيلية فشلت في عزله عن الشارع الفلسطيني ومؤيديه، فلا تزال شعبية البرغوثي تخترق القضبان الإسرائيلية؛ لتثير قلق الاحتلال، وتزعزع استقراره.
وعلى الرغم من نفي السلطات الصهيونية للبرغوثي في الأردن عقب الانتفاضة الفلسطينية الأولى بين عامي 1987-1994، إلا أنه تمكن من الفوز في انتخابات المجلس الثوري لحركة فتح، وأصبح عضوًا في المجلس من بين 50 عضوًا، وكان في ذلك الوقت العضو الأصغر سنًّا الذي ينتخب في هذا الموقع القيادي الرفيع، وحينما تم اعتقاله عقب الانتفاضة الثانية عام 2000، قال الرئيس الإسرائيلي حينها “شارون” إنه “يأسف لإلقاء القبض عليه حيًّا، وكان يفضل أن يكون رمادًا في جرة. أما وزير الدفاع وقتها، شاؤول موفاز، فقال: إن اعتقال البرغوثي هو هدية عيد الاستقلال التي يقدمها الجيش للشعب الإسرائيلي، وإن اعتقاله ضربة قاتلة للانتفاضة.
ظروف الاعتقال لم تمنع البرغوثي من منافسة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، على رئاسة السلطة الفلسطينية بعد وفاة الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، كما أنها لم تمنعه من ممارسة دور مهم في المصالحة بين حركتي فتح وحماس، التي أسفرت عن توقيع “اتفاق القاهرة”، وخلال اعتقاله أيضًا انتخب “البرغوثي” في المؤتمر السادس لحركة فتح الذي عقد في مدينة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية في عام 2009، عضوًا في اللجنة المركزية للحركة، وأعيد انتخابه بأعلى الأصوات عضوًا في اللجنة المركزية في المؤتمر السابع الذي عقد في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية نهاية 2016.
وأثناء وجوده في السجن تمكن البرغوثي من الحصول على الدكتوراه في العلوم السياسية من معهد البحوث والدراسات، التابع لجامعة الدول العربية عام 2010، وحملت رسالة الدكتوراه عنوان “الأداء التشريعي والسياسي للمجلس التشريعي الفلسطيني ومساهمته في العملية الديمقراطية في فلسطين من 1996 إلى 2006”.
في الوقت نفسه انتفض الشارع الفلسطيني تضامنًا مع الأسرى في السجون الصهيونية، في مشهد يوضح مدى الترابط الشعبي الفلسطيني بين القابعين في السجون والمقاومين خارج السجون، حيث تتواصل الفعاليات الشعبية والمسيرات الحاشدة التي انطلقت في عدة مدن فلسطينية، على رأسها مدينة الخليل وبيت لحم، فقد خرج عشرات الآلاف من الفلسطينيين في مسيرات ووقفات بالضفة الغربية المحتلة؛ تضامنًا مع الأسرى في إضرابهم، وخلال المسيرات وقعت مواجهات بين قوات الاحتلال والشباب الفلسطيني، اعتقل على أثرها الاحتلال شابين على حاجز أبو الريش قرب المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل، إضافة إلى 3 آخرين أمام معتقل عوفر غرب رام الله، فيما أصيب عدد من الفلسطينيين بطلقات نارية ومطاطية أمام معتقل عوفر، وفي بلدتي العيزرية وأبوديس شرقي القدس المحتلة.
من جهتها وجهت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية الدعوة للقيادات السياسية والشعبية للمشاركة في إضراب عن الطعام “رمزي” تضامني مع الأسرى في سجون الاحتلال، وذلك يوم الجمعة المقبل في خيمة تضامن في مدينة عرابة بجنين، وأضافت اللجنة أن هذا التجاوب إنما يدل على جاهزية ومكانة الأسرى لدى شعبنا، داعية “للمزيد من النشاطات لترافق معركة الأمعاء الخاوية”.
المصدر: وكالات