تؤسس زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الحالية للولايات المتحدة الأمريكية ومباحثاته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لبداية صفحة جديدة في العلاقات بين القاهرة وواشنطن، تقوم ليس فقط على إعادة الدفء للعلاقات المصرية الأمريكية والتي وصلت لمرحلة الجمود في إدارة أوباما، وإنما تقوم على تأسيس شراكة استراتيجية بين البلدين، بما يصب في النهاية في خدمة قضايا الشرق الأوسط.
فالإدارة الأمريكية الجديدة تولي أهمية كبيرة لتعزيز علاقاتها مع مصر في كافة المجالات من منطلق أن مصر تعد أكبر دولة في المنطقة من حيث السكان، علاوة على دورها الإقليمي المحوري ومساهماتها في تعزيز السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وكونها بوابة للقارة الإفريقية.
إذ تنظر تيارات كثيرة داخل الولايات المتحدة إلى مصر باعتبارها شريك استراتيجي لتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، باعتبار مصر ركيزة أساسية لأي تحالف إقليمي يهدف إلى مكافحة الإرهاب أو بناء كيانات اقتصادية.
وثمة قناعة استراتيجية لإدارة ترامب والكونجرس الأمريكي بضرورة مواصلة التشاور مع مصر لمواجهة الإرهاب والتطرف، بالإضافة إلى تعزيز الشراكة الأمريكية معها في المجال الاقتصادي لتشجيع الشركات الأمريكية على زيادة استثماراتها بالسوق المصرية.
وانطلاقاً من قناعات القيادة السياسية المصرية بمحورية ومكانة مصر الاستراتيجية، تأتي أهمية زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الحالية لواشنطن الدولة الأكبر اقتصادا والأهم تسليحا في العالم ،خاصة أن مصر ليست فقط ضامنة الاستقرار في الشرق الأوسط لكن أيضا تقوم بدور محوري منفردا في مواجهة الإرهاب، حامية الشرق والغرب من تمدد موجاته وتحوره، ضامنة لتأمين حدودها الجغرافية في قلب منطقة ملتهبة، والممر المائي الأهم للتجارة العالمية قناة السويس، فاعلة في ملفات المنطقة خاصة في ليبيا غربا ونقطة ارتكاز لعودة عملية السلام، وهو ما أكدت عليه دوائر صنع القرار الغربي والأمريكي.
تمتلك زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لواشنطن كل مقومات وآليات النجاح، ويأتي في مقدمتها:أن القمة المصرية الأمريكية تأتى وسط توجهات عالمية لتبنى مقاربة أمنية لمواجهة التنظيمات الإرهابية المتطرفة، وثمة تناغم مصري أمريكي في استراتيجية مواجهة الإرهاب، فالسياسة المصرية تدعو لدراسة الإرهاب بمنطق مختلف، والعودة بالقضية إلى جذورها، فانحسار الدولة الوطنية ومؤسساتها أنتج فراغا، لا تملؤه سوى التنظيمات المتطرفة، بخطابها الطائفى والمذهبى الإقصائى، وممارساتها الإرهابية، وأن الإرهاب لا يمكن مواجهته سوى عبر مقاربة شاملة بكل الوسائل العسكرية وغير العسكرية والأمنية المتاحة.
فضلاً عن أن المواجهة الشاملة لجذور الإرهاب، تتطلب وقفة حاسمة مع كل من يقامر برعاية ودعم التنظيمات الإرهابية، تحت أى مسمى أو ذريعة.
إذن تتمحور الرؤية المصرية لمحاصرة الإرهاب على منطق مهم، وهو أن تتوقف القوى الإقليمية والدولية التى انتهزت الوضع الحالى للمنطقة لمحاولة تعزيز نفوذها والقيام بتدخلات سافرة، سياسية بل وعسكرية وأمنية فى الشؤون العربية.
ثانياً:أن إدارة ترامب الجديدة جاءت إلى البيت الأبيض وهى مقتنعة بأن مصر تغيرت، ويجب أن تحظى بمعاملة مختلفة عن تلك التى كان يسير عليها أوباما التى كلفته فقدان أهم بوصلة لإعادة التوازن فى المنطقة، وهى مصر، حتى وإن ألقى بثقله على دول أخرى، لكنها لم تكن بنفس القيمة التاريخية والاستراتيجية لدولة مثل مصر.
جاء ترامب وفى عقله الكثير من المعلومات عن مصر وإدارتها الجديدة تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، وبات أكثر اقتناعا أن التعاون يجب أن يكون هو السائد وليس الخلاف، لذلك كان تركيزه منذ البداية، حينما كان فى مرحلة الترشيح أن ينفتح على القاهرة ورئيسها، وجاء لقاء ترامب والرئيس السيسى فى العشرين من مارس الماضى، خلال وجود الرئيس السيسى فى نيويورك للمشاركة بالجمعية العامة للأمم المتحدة، ليشيد جسراً من التواصل الدائم بين القيادتين.
وظهر التلاقى فى الأفكار حول الكثير من القضايا والهموم المشتركة، وعلى رأسها العلاقات الثنائية التى شهدت توتراً ملحوظاً، وكذلك قضية الإرهاب التى تسبب أرقاً شديداً لكل الحكومات الغربية وفى مقدمتها بطبيعة الحال الولايات المتحدة الأمريكية.
ثالثاً: الإصرار الواضح لدى القيادة السياسية المصرية برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي على خلق علاقة جديدة بين القاهرة ومختلف القوى العالمية تقوم على الندية والاستقلال وليس التبعية، كأساس لمرحلة تاريخية جديدة من التاريخ المصري.
وإذا كانت القمة المصرية الأمريكية تسعى إلى تحقيق الطموحات المصرية الأمريكية في إقامة الشراكة الاستراتيجية الحقيقية مستقبلاً، فإن قرار أوباما فى 2013 بتجميد جزئى للمساعدة العسكرية الأمريكية لمصر، ثم إلغاء هذا التجميد في مارس 2015، وتبعها فى أغسطس فى العام نفسه بإعلان استئناف الشراكة الإستراتيجية مع مصر، إلا أن ذلك لم يخفف من حدة التوتر فى العلاقات بين البلدين، الأمر الذي يشكل دافعاً قوياً لدى القيادتين المصرية والأمريكية لتجاوز مرحلة أوباما بكل تجلياتها.
رابعاً: أن زيارة الرئيس السيسي لواشنطن والتي تمهد وتؤسس لشراكة استراتيجية مع مصر، ستكون محطة بناء استراتيجية يمكن من خلالها التوصل لحلول سياسية لقضايا التوتر في منطقة الشرق الأوسط برمتها، فالرؤية المصرية ترى أنه لا بديل عن الحل السياسى الذى يحقق الطموحات المشروعة للشعب السورى، ويستعيد وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية ويصون مؤسساتها ويقيها خطر الإرهاب والمنظمات التكفيرية والمتطرفة بمختلف ألوانها الطائفية والمذهبية.
وفيما يتعلق بالأزمة الليبية، يظل الحل السياسي المصري البعيد عن أية تدخلات خارجية هو المطروح، ويلقى تأييداً دولياً، لكن الأزمة لا تزال معقدة، فحالة الانقسام مستمرة بين الليبيين، ولمواجهة ذلك قامت مصر التي ترتبط مع ليبيا بجوار جغرافى وصلا تاريخية بين البلدين بدور فى تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين، وجمعت الكثيرين منهم فى القاهرة، ولا تزال الجهود مستمرة.
وأيضاً القضية المركزية للعرب، وهى قضية فلسطين، فهى كما قال الرئيس السيسى “المفتاح الضرورى لأى استقرار وأمن حقيقيين فى هذه المنطقة”، فقد أكد السيسي التزام مصر بالدعم الكامل للشعب الفلسطينى فى مسعاه للتوصل لاتفاق سلام شامل وعادل، وإقامة دولته المستقلة على أرضه وعاصمتها القدس الشرقية، وأن حل الدولتين، وما يترتب عليه من إنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، هو الخيار الوحيد لتجنب الدائرة المفرغة من الفوضى وعدم الاستقرار فى كل الشرق الأوسط.
يبقى التأكيد على أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لواشنطن ستكون بوابة حقيقية لمستقبل منطقة الشرق الأوسط برمتها وقضاياها المحورية، وستكون فرصة حقيقية لتأطير العلاقات بين القاهرة وواشنطن سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً.